أدت الأوضاع الاقتصادية المضطربة في العالم والسياسات المتبعة، إلى تراجع سعر الجنيه أمام الدولار، وزيادة الأعباء الملقاة على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل. من ناحية أخرى أصيبت حركة البيع والشراء في الأسواق في مقتل إذ توجهت أغلب بنود الإنفاق المنخفض أصلا إلى الطعام والشراب على حساب باقي أنواع السلع على اختلافها.

من أكثر الأنشطة التجارية المتضررة قطاع بيع الملابس الجاهزة، التي قال أصحابها إن الركود ضرب سوقهم بشدة غير متوقعة. إذ تتكدس البضائع على أرفف المحال، دون مشتري رغم قرب انتهاء الموسم الصيفي “الأوكازيون” الذي عقد تحت رعاية الحكومة ممثلة في وزارة التموين.

شتوي وصيفي

الأوكازيون الشتوي

تحدد وزارة التموين والتجارة الداخلية سنويا موسمين للأوكازيون. الأول لتنشيط حركة البيع في الصيف في أغسطس/آب والثاني في الشتاء في فبراير/شباط.

ووفق محمد عبد السلام رئيس شعبة الملابس الجاهزة في الغرفة التجارية فإن الأوكازيون الصيفي يساهم في تنشيط التجارة ‏الداخلية، كما يقضي على حالة الركود في المحلات. كما أن المستهلك هو المستفيد الأول منه. لكن رغم كل ذلك يقول “عبد السلام” إنه لم يحقق سوى 15% فقط من المستهدف.

“عبد السلام” شكك في صحة ما يروج حول اعتماد الأوكازيون على بيع متبقيات الملابس أو ما يعرف بـ”المقاسات الكسر”، موضحا أن الحقيقة عكس ذلك خاصة هذا الموسم. كذلك قال إن الحالة الاقتصادية وانخفاض الدخل في مواجهة موجة الغلاء، وراء ركود السوق. وقال لـ”مصر 360″ إن نسبة ما تم تصريفه في موسم الصيف ضئيل للغاية مقابل ما يقرب من 85% من البضائع الموجودة في المحلات التي لم يتم تصريفها حتى الآن.

كما أضاف أن الغرض الأول للمحال المشاركة في الأوكازيون، تصريف البضائع المتراكمة في مخازنها في محاولة جادة لإنعاش السوق.

من يحدد النسب؟

علي المصيلحي وزير التموين

وفق نظام العمل في الأوكازيون الصيفي فإن المحلات المشاركة لها الحرية في تقديم نسبة التخفيضات التي تراها، بشرط أن تكون التخفيضات حقيقية. بالإضافة إلى تقديم بيان الثمن الفعلي الذي كانت تباع به السلع قبل التصفيات.

ورغم مرور عدة أسابيع على انطلاق الأوكازيون، لم تشهد الأسواق رواجا في حركة البيع والشراء. محمد عاشور صاحب محل أحذية في وسط البلد، أرجع عدم إقبال المواطنين على الأوكازيون، إلى انشغال أغلب الأسر في المصايف بعد موسم امتحانات صعب.

“عاشور” أشار إلى خلو شوارع وسط البلد من الزبائن، قائلا: “بصي حواليكي كدة، هل يوجد زبائن؟ السوق نايم وسط البلد اللي كانت محلاتها مابتفضاش، مفيهاش ولا زبون واحد”.

تبدأ الخصومات عند “عاشور” من 10% حتى 40% وقد تصل إلى 70% على البضائع المخزنة. لكنه لا يطبقها على “الكوتشي” أو قطع السواريه لأنها مطلوبة طوال العام. يقول لـ”مصر 360″: “مش معقول أعمل تخفيضات على قطع بسعر 500 أو 600 جنيه هو سعره جملة غالي أصلا يبقى لازم يتباع غالي. أما التخفيضات تكون على القطع المركونة من سنين أو موجود منها شغل كتير ولسة متباعش”.

تحدد وزارة التموين نسبة الخصم على أسعار السلع الداخلة في الأوكازيون، بناء على ضريبة المبيعات بالأسعار الواردة في الفواتير. كما تترك لصاحب المحل الحرية في توزيعها. وعلى صاحب المحل وضع التخفيضات الكبيرة على الكميات المخزنة التي لم يتم تصريفها طول الموسم أو تلك التي يخشى تلفها حال تخزينها مجددا. أما الموديلات الحديثة التي تشهد إقبالا لا تخضع لتخفيضات الأوكازيون وإن خضعت لا يتجاوز الخصم 5 أو 10%.

الأكثر بيعا

ملابس أطفال

فى أحد محال ملابس الأطفال ثلاث بائعات يقضين وقتهن في التسامر والكلام خاصة في ظل غياب الزبائن. سألت إحداهن “فيه حاجة عجبتك؟ انتِ شايفة حد في المكان؟ الدنيا فاضية”.

البائعة قالت إن أكثر أقسام الملابس الجاهزة بيعا في التخفيضات ملابس الأطفال. مبررة أن أغلب الأسر تقدم احتياجات الأبناء على احتياجتهم الشخصية، إضافة إلى أن دورة استهلاكها تكون أسرع من ملابس الكبار.

فؤاد رضوان تاجر ملابس بشارع عبد الخالق ثروت يقول إن الأوكازيون يحدد نسبة الخصم من 10% إلى 20% لكن أصحاب المحال أحيانا يرفعونها إلى 40% أو 50% حتى لا يلجئون إلى تخزينها للعام الجديد. رضوان يؤكد أن ذلك الفعل محاولة من التجار لكسر حالة الركود. التي أرجعها إلى أن أغلب الأسر اشترت ملابس الصيف فعلا في العيد.

وبسؤاله عن لماذا لا يتم إرسال باقي البضاعة غير المباعة للمصنع مرة أخرى؟ قال “فؤاد” إن ذلك يكون حسب نوع التعاقد. فهناك مصانع لا تتعامل إلا بفواتير نقدية “كاش” خالصة لا يمكن استرجاع باقي البضاعة لها. عندها يلجأ أصحاب المحلات إلى بيعها بأصل ثمنها للتخلص منها.

وعن غلاء أسعار الملابس أرجع فؤاد الأمر  إلى ارتفاع أسعار تكلفة المنتجات من خيوط وأقمشة وتفصيل مضافة إليها سعر الخدمة من إيجار ورواتب عمالة ومرافق. كذلك تراجع قدرة الأسر وانخفاض الدخل دفع في اتجاه حالة الركود الكبيرة هذا الموسم.

من ناحية أخرى، ينظر العديد من المستهلكين إلى الأمر على أنه مجرد تسويق لبضائع فاسدة أو أخرى غير صالحة للاستخدام. كما يرون أن الأوكازيون مجرد مناسبة تساعد التجار على التخلص من هذا النوع من البضائع.

النصب

سلع تباع على الرصيف في القاهرة

إسراء محسن خدعتها العروض والتخفيضات عندما اشترت “بطانيتين” من مول للمفروشات في شبرا بتخفيض 30%. لكنها اكتشفت بالصدفة أنهما يباعا بنفس السعر في أحد أشهر محال وسط البلد ما يعني بحسب ما قالت إنها تعرضت لعملية نصب تحت مسمى الأوكازيون.

كما تحكي حنان عبد البر، ربة منزل، كيف اشترت إحدى السلع بسعر 180 جنيها من متجر شهير يقدم عروضا وتخفيضات شهرية وأسبوعية كل يوم جمعة. لكنها تفاجئت بنفس المنتج بسعر 220 جنيها في عروض عيد الأم عند التاجر ذاته ما يعني أن المحل يخدع المستهلكين تحت زعم التخفيضات.

يمكن أن تتعدد وتتنوع وسائل جذب المستهلك في الأوكازيون. تلك الطرق التي تدفع الزبون لشراء السلع الترفيهية أو الأساسية. تخفيضات وعروض يومية أولها “عرض الساعة”، و”الفري داي” وتصل إلى “الجمعة البيضاء” في نوفمبر من كل عام. تستخدم هذه الطرق غالبا لتصريف بضائع متراكمة في نهاية الموسم أو أخرى أوشكت صلاحيتها على الانتهاء. أو حتى للاستفادة من العروض في توزيع كمية أكبر من المنتج بإيهام التخفيض.

كما تقوم فكرة “التخفيضات” على استخدام الخدع التسويقية التي تلعب دورا رئيسيا في التشويش على المستهلك وإقناعه بشراء سلع قد تفوق أسعارها إمكانياته في بعض الحالات. أو لا يريد حقا شراءها في حالات أخرى. أو حتى شراء عدد أكبر من السلع كالعبوات الاقتصادية التي تعتبر نوعا آخر من التحايل. يستطيع التاجر أن يكسب أكثر مستفيدا من حجم الكمية الموزعة مقابل خصم وهمي يحقق ما يريد في النهاية.

 حماية المستهلك

جهاز حماية المستهلك

يوفر جهاز حماية المستهلك، العديد من الطرق التي يمكن الإبلاغ من خلالها عن العروض الوهمية، والتخفيضات غير الحقيقية. وفي حال التحقق من صحة الشكوى يتم تحرير محضر رسمي وتحويله للمحكمة الاقتصادية.

لكن أغلب قرارات المحكمة الاقتصادية تكون غير رادعة لأنها تكون فقط بتغريم التجار المخالفين فقط. الأمر الذي لا يحد من الظاهرة بل يساهم في زيادتها في رأي الدكتورة سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعي لحماية المستهلك.

الديب قالت إن أي محاولة للسيطرة على الأسعار وتحديدها ستصطدم بالمنظومة التشريعية المرتبطة بنظام الاقتصاد الحر في مصر. كما أن السبيل الوحيد للحد من عمليات التحايل على المستهلك التعويل على وعي المواطن في مراقبة الأسعار بنفسه قبل الشراء. وتقول إنه على الزبون النزول للتعرف على الأسعار قبل بداية الأوكازيون ومقارنتها بالأسعار الجديدة بعد التخفيض للتأكد من أن الأوكازيون حقيقي.

كذلك أشارت إلى أنه من حق أصحاب المحال عمل تخفيضات في أي وقت من السنة دون التقيد بفترة الأوكازيون فقط التي تحددها وزارة التموين. لكنها قالت إن ذلك يحدث شريطة موافقة وزارة التموين. بالإضافة إلى أن يضع أصحاب المحال بيانا بالسعر قبل التخفيض وبعده، لضمان حق المستهلك.

الهدف تنشيط السوق

الديب قالت لــ”مصر360″: “جهاز حماية المستهلك طلب من رئيس الوزراء تحديد أسعار السلع الأساسية. في إطار عدم ترك الساحة للتجار أو لمن يريد التحكم في قيمة السلع دون رقيب. أيضا طالب الجهاز بالبحث عن البدائل الأقل تكلفة لتقليل استهلاك السلع التي يتم رفع أسعارها. وتخفيف ظاهرة تبني السلعة. أي الإصرار على طلب اسم منتج بذاته دون النظر إلى البدائل التي قد تكون أقل تكلفة وأكثر جودة”. لكن -الكلام لا زال للديب- الحكومة لم تستجب لأن الاقتصاد المصري اقتصاد يعتمد على السوق الحر، دون تدخل حكومي.