أتخيل مكالمة سرية جدًا بين زعيم الاتحاد السوفيتي ورئيس الولايات المتحدة تكون على هذا النحو:

الرئيس الأمريكي: أرجو أن تشن هجومًا عسكريًا يا زميلي العزيز. فجاهزية جيوشنا انخفضت بطريقة مقلقة.

الزعيم الروسي: والأمر عندنا كذلك. إنهم يقلصون إنتاج الصواريخ. ولكن ذلك لن يدوم طويلًا. ينبغي بالفعل عمل شيء آخر.

الأمريكي: أليس هناك طريقة لإشعال حروب صغيرة؟ فذلك قد ينقذ وجودنا كما ينقذ صناعة الأسلحة.

تبدو هذه المحاورة المتخيلة كما لو أنها هذر. ولكن الأمور لا بد أنها تسير على هذا النحو تقريبًا. كما تصورها أحد الروائيين ليؤسس لفلسفة أن الشر كله يبدأ من عند القادة الذين تخدمهم الحروب. بينما يموت آخرون دون اهتمام مثلما توضح حدوتة فيلم الرسوم المتحركة “وحش البحر” الذي أصدرته نتفلكس حديثًا.

(تريلر الفيلم على نتفلكس)

ماذا لدى الحكام؟

صائدة الوحوش الصغيرة تتخلى عن حلمها من أجل البيئة. أو ربما من أجل الإنسان بشكل أكثر تجريدًا.

فيلم الأنيمي والمغامرات الذي يعرض على نتفليكس The Sea Beast أخرجه وشارك في كتابته كريس وليامز. الذي شارك أيضًا في إخراج Moana. حكاية خيالية أخرى لفتاة صغيرة مع البحر. يبدو أنه مهووس بسرد قصصه الأدبية على الشاطئ. ما يناسب خياله الواسع تمامًا والحالم بعالم أقل بشاعة من واقعه وواقعنا.

يدور الفيلم حول قصة فتاة يتيمة محملة بأحلام كبيرة لتصبح صائدة وحوش في البحر مثل أبويها الراحلين. تبدأ مغامرتها الملحمية عندما تنجح في الاختباء على متن سفينة لصائد وحوش شهير. لكن تتغير خططهما عندما تصبح صديقة لأحد الكائنات البحرية الضخمة (ذا ريد بلاستر الوحش الأكثر قسوة في البحر). والتي كانت تسعى لتدميره. لكنه فتح عينيها على حقيقة ما يحدث بين البشر والوحوش.

يناقش الفيلم صراحة الحفاظ على البيئة في تزامن قوي مع ما يحدث في محيطاتنا اليوم. كما يظهر تمامًا قسوة الفكرة الاشتراكية التي تقول إن كل الحروب يصنعها الملوك للاستفادة من الجلوس على العرش أكبر وقت ممكن.

البحر البداية والنهاية

لقطة من فيلم وحش البحر
لقطة من فيلم وحش البحر

من قلب البحر تبدأ القصة ومنه تنتهي كذلك. إذ تبدأ اللقطات الأولى من الفيلم كما اعتاد المشاهد من المخرج بخروج الكاميرا من الماء إلى وجه البطل. كل شيء يبدأ من تحت الماء في عالم البحر الخاص تمامًا. كتأسيس لعالم يبدأ وينتهي من هناك. لطفل يصارع المياه للنجاة من احتراق السفينة. وسنفهم بعد ذلك أنه تم إنقاذه من قبل قبطان سفينة أخرى توسّم فيه الجرأة والشجاعة ليعتبره هدية القدر له وولده الذي لم ينجبه.

يؤسس المخرج في المشاهد الأولى أن كل ذلك يُحكى في سياق حكاية تحكيها طفلة صغيرة لأصدقائها الأصغر. من خلال كتاب يجمع قصص الصيادين لمعرفة كيف يمكن لوحوش البحر “الشريرة” أن تدمر الجميع لولا بسالة هؤلاء. وكي يظل في عقل الجميع أن كل خطر يقبع هناك مع هذه المخلوقات البحرية ليست في أي مكانٍ آخر.

الطفلة الصغيرة التي تصبح مهووسة بأبطال البحر بعد موت أسرتها كلها على إحدى السفن تهرب بالطبع إلى السفينة الأكثر شهرة. والتي يوجد عليها الفتى الذي أنقذه القبطان صغيرًا. يرفض في البداية اصطحاب طفلة لكن القبطان يرى في حماسها ما شهده منذ سنوات بعيدة مع الفتى فيوافق على اصطحابها.

السفينة الكبيرة في النهاية تصبح مجازا لأجيال عديدة حملت على عاتقها محاربة قوى الظلام داخل البحر طوال عمرها. دفعت من تاريخها وتاريخ أسرتها كل شيء من أجل قتل هذه الوحوش.

يبدأ الفيلم فعلًا من تلك المنطقة كخطاب درامي بسيط شديد العمق والخبرة.

على الجانب الآخر نشاهد الملوك الذين يهددون بقطع التمويل عن السفينة إذا قررت أن تتنازل عن اللحاق بوحش “ذا ريد بلاستر” الخطير مرة أخرى. حتى إذا كانت من أجل إنقاذ بحار آخر كما فعلوا قبل ذلك.

مشهد واحد نرى فيه مجموعة ملوك مختبئة وراء قصورهم الفخمة. لكنهم دون وعي يكونون نواة القصة ومحركها الرئيسي.

يدفع هؤلاء كل أموالهم ليرى الناس بأعينهم أهوال البحار التي تجعلهم مستمتعين بحياتهم في قصورهم الفخمة. بينما يمكنهم بين الحين والآخر ترهيب الجميع بأنهم ينفقون كل شيء من أجل حماية حياتهم من “وحوش البحر” الذين يمكنهم تدمير كل شيء.

طفلة تحرك الدراما لقطة من الفيلم

لقطة من الفيلمالفتاة الصغيرة في لحظة تؤسس دراميًا بشكلٍ مدهش. تنقل الخطاب إلى صداقة بينها وبين وحش البحر المخيف. فتتمكن من خلق تساؤل أكثر عمقًا من كل ما سبقه: كيف يمكن للجميع التنازل عن الماضي لخلق واقع أقل قبحا وأكثر منطقية. فضلا عن تساؤل عن جدوى صراعات سابقة لم نفهمها جيدًا.

تقول الفتاة الصغيرة: “لا يهمني أن أعرف متى بدأت هذه الحرب. لكني أهتم كثيرًا بـ”كيف يمكن أن تنتهي الآن لمصلحة الجميع”. تترك خطبة رنانة حول كذب التاريخ الذي يصنعه الملوك للحفاظ على عروشهم. وذلك بخلق أعداء وخدع وهمية تمامًا لا يمكن للمواطن الغلبان كشفها.

قصة “وحش البحر” -التي اختارت أن تخرج في وسيط رسوم متحركة يميل إليه الأطفال أكثر- يمكن للجميع التأثر بها والحزن على نهايتها أو الفرحة بالانتصار. قصة تتساءل عن سنوات يمكن للإنسان أن يصارع فيها في الطريق الخطأ. وكيف يمكنه التغلب للسير في الاتجاه الصحيح. أو مثلما قال البطل جايكوب: من ماتوا سابقًا كانوا أبطالًا لكنهم أبطال في منطقة خطأ.

يتخلص الفيلم من خطابيته الفجة في توصيل رسالته. لكنه يحافظ كذلك على سهولة تلقيها لأغلب من يشاهدها. جيد الصنع برسالة ثورية شديدة التأثير في لحظة زمنية صعبة بالفعل. يتعلم الجميع من الفتاة الحفاظ على بيئته كما يتعلم أن يتأكد قبل أي شيء مما يكتبه التاريخ “الزائف” الذي يؤلفه الزعماء للحفاظ على عروشهم.