على الرغم من تفاقم الأزمة الغذائية وزيادة الجوع في العالم، غاب الغذاء عن جدول أعمال مؤتمر المناخ السابق في جلاسجو باسكتلندا، وسيغيب أيضًا عن جدول أعمال مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ. فلماذا تتجاهل مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ هذه القضية الهامة والحساسة، على الرغم من أنها وثيقة الصلة بتغير المناخ؟

العالم حاليًا أبعد ما يكون عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. هذا ما توصل إليه أحدث تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، والصادر قبل أيام عن خمس منظمات دولية هي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية.

الأرقام الواردة بالتقرير ترسم صورة قاتمة وكئيبة جدا: ارتفع عدد المتضررين من الجوع على مستوى العالم إلى حوالي 828 مليونًا، بزيادة قدرها حوالي 46 مليونًا خلال عام واحد، وبزيادة قدرها 150 مليونًا منذ تفشي وباء كوفيد-19. ويعاني 2.3 مليار شخص- يمثلون أكثر من ربع سكان الأرض- من انعدام الأمن الغذائي المتوسط والشديد. وواجه ما يقرب من 924 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي بمستويات حادة، بزيادة قدرها 207 مليون شخص في غضون عامين.

وتستمر الفجوة بين الجنسين في انعدام الأمن الغذائي في الارتفاع في عام 2021 – 31.9 % من النساء في العالم يعانين من انعدام الأمن الغذائي المتوسط أو الشديد، مقارنة بـ 27.6 % من الرجال- زادت الفجوة من ثلاث نقاط مئوية عام 2020 إلى أربع نقاط مئوية في العام الماضي. ولا يستطيع ما يقرب من 3.1 مليار شخص تحمل تكاليف نظام غذائي صحي، بزيادة قدرها 112 مليون شخص عن عام 2019.

حوالي 45 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال-أو نقص الوزن- وهو أكثر أشكال سوء التغذية فتكًا، ما يزيد من خطر وفاة الأطفال بنسبة تصل إلى 12 ضعفًا. علاوة على ذلك، يعاني 149 مليون طفل دون الخامسة من توقف النمو والتطور بسبب النقص المزمن في العناصر الغذائية الأساسية في وجباتهم الغذائية، بينما يعاني 39 مليون طفل من السمنة أو زيادة الوزن.

ومع ذلك، سقط الغذاء والنظام الغذائي من جدول أعمال مؤتمر شرم الشيخ. فمن بين أحد عشر موضوعًا، قررتها رئاسة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين للمناخ للمناقشة في مؤتمر شرم الشيخ في الفترة 6-18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سقط الموضوع الأهم- وربما الأخطر- وهو الغذاء. فوفقًا لجدول الأعمال المعلن، سيناقش المؤتمر قضايا هامة على رأسها قضية “التمويل”، وقضايا المياه والطاقة والبحث العلمي والتكيف في الزراعة والتنوع الحيوي، كما يخصص المؤتمر أيامًا، لمناقشة قضايا الشباب والنوع الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني.

وعلى الرغم من أن الزراعة وإنتاج الغذاء مسؤولين عن حوالي 25-35% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أن الغذاء والنظام الغذائي ليس موضوعًا للمناقشة، سقط من جدول الأعمال، أو أسقط عمدًا. فمن بين الأيام العشرة للمؤتمر، لم يتم تخصيص ولوساعة واحدة، لمناقشة الجوع وانعدام الأمن الغذائي والمجاعات. والزراعة لا يتم مناقشتها، إلا من خلال منظور واحد وحيد هو “التكيف”-الذي يتم تسويقه باعتباره الحل الوحيد الممكن.

وعلى الرغم من انعقاد المؤتمر في مصر- باعتبارها ممثلًا للقارة الأفريقية- التي تعاني من أسوأ آثار الجائحة وتغير المناخ والحرب وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والأسمدة، والتي أدت إلى تفاقم الأزمة واتساع خريطة الجوع في القارة، لدرجة دفعت برنامج الغذاء العالمي، إلى التحذير من مجاعات وشيكة في الصومال وجنوب السودان والقرن الأفريقي وغرب أفريقيا.

“محمد أشرف” مدرس أول كيمياء يعيش في إحدى القرى المصرية، متزوج ويعول ثلاثة أطفال. تراجع مستوى معيشة أسرته تراجعا واضحا بسبب جائحة كورونا، وتأثرت بشدة في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، الخبز ومنتجات الألبان والزيوت واللحوم والدجاج والسكر. وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وبالتالي، ارتفاع تكاليف النقل، زادت تكاليف انتقال محمد من قريته إلى مدرسته، من 18 إلى 24 جنيهًا يوميًا. و”أصبحنا لا نأكل اللحم إلا مرة واحدة في الشهر”- تقول زوجته.

أسرة محمد أشرف، هي مجرد مثال على ملايين الأسر التي تعاني من أزمة الغذاء وتأثيرات الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة. مع ذلك، لن يناقش مؤتمر شرم الشيخ للمناخ أزمة الغذاء. لماذا؟ لأن عددًا محدودا من العائلات والشركات الكبرى تسيطر على منظومة إنتاج الغذاء في العالم، من الألف إلى الياء، بدءا من إنتاج البذور والكيمياويات، مرورا بإنتاج الغذاء والسلع الغذائية المصنعة، وانتهاء بسلاسل التوريد والنقل وصولا إلى أرفف المحلات.

تتحكم هذه الشركات في سوق الغذاء في العالم، وتربح من الأزمات، وحققت أرباحًا هائلة من الجائحة، بينما خسر الملايين حياتهم ووظائفهم وتراجع مستوى معيشتهم، لدرجة أصبحت تهدد حاجاتهم الغذائية الضرورية. وفي مقابل الملايين الذين تلقوا صدمات سريعة ومتتالية، بدأت بتعويم العملة الوطنية ثم كورونا والحرب وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، هناك من يربحون من مثل هذه الأزمات، بل تمثل الأزمات لهم فرصة سانحة لتحقيق المزيد من الأرباح.

وفقًا لتقرير صادر عن منظمة أوكسفام “ربحت شركات الغذاء والدواء والطاقة والتكنولوجيا ملايين الدولارات على خلفية جائحة كورونا، وزادت ثروة العائلات وأصحاب الشركات الكبرى في مجال الغذاء- مجتمعين- بحوالي 382 مليار دولار. وشهد قطاع الغذاء مولد 62 مليارديرا جديدا خلال العامين الماضيين. والرياضيات بسيطة وواضحة: في مقابل كل ملياردير جديد بعد الجائحة في قطاع الغذاء، يلقى بمليون شخص تقريبًا إلى الفقر المدقع. وفي هذا السياق، تبرز أسماء عائلات مثل: كارجيل ووالتون.

كارجيل شركة عالمية عملاقة للأغذية وواحدة من أكبر الشركات الخاصة في العالم. في عام 2017، ورد اسمها كواحدة من أربع شركات تسيطر على أكثر من 70% من السوق العالمية للسلع الزراعية الأساسية، ويملكها بنسبة 87% عائلة هي من بين أغنى 11 عائلة في العالم.

تبلغ الثروة المجتمعة لأفراد العائلة المدرجين في قائمة “فوربس” لأصحاب المليارات 42.9 مليار دولار. وزادت ثرواتهم بمقدار 14.4 مليار دولار منذ عام 2020، بزيادة قدرها 20 مليون دولار يوميًا، وكان ذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا سيما الحبوب، وقد انضم أربعة أفراد جدد من العائلة مؤخرا إلى قائمة أغنى 500 شخص في العالم. في عام 2021، قدر صافي دخل الشركة بحوالي خمسة مليارات دولار، وحققت أكبر أرباح في تاريخها، وفي العام السابق دفعت أرباحًا بقيمة 1.13 مليار دولار، ذهب معظمها إلى أفراد العائلة، ومن المتوقع أن تحقق الشركة أرباحًا قياسية مرة أخرى في العام الحالي.

ليست شركة كارجيل وحدها التي تحقق أرباحًا كبيرة على خلفية نقص الغذاء وتقلبات السوق، وفقًا لبلومبرج. ففي مارس الماضي، أعلنت شركة لويس دريفوس للتجارة الزراعية- إحدى الشركات المنافسة لكارجيل- أن أرباحها ارتفعت بنسبة 82% العام الماضي، ويرجع ذلك إلى حّد كبير إلى تقلبات أسعار الحبوب وهوامش الأرباح الكبيرة في بذور الزيوت.

“وول مارت” هي سلسلة محلات سوبرماركت، وهي أكبر صاحب عمل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية. وتمتلك عائلة والتون حوالي نصف أسهم شركة وول مارت. التي تبلغ قيمتها الإجمالية 238 مليار دولار- بزيادة حقيقية قدرها 8.8 مليار دولار عن عام 2020، مع نمو ثروة العائلة بمقدار 503 ألف دولار في الساعة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حققت العائلة حوالي 15 مليار دولار من الأرباح النقدية من الشركة. دفعت الشركة 16 مليار دولار للمساهمين في شكل أرباح وإعادة شراء الحصص في العامين الماضيين، بينما يبلغ متوسط راتب العامل في الشركة 20942 دولار، ما يعني أن معظم العاملين بالشركة يحصلون على أقل من عتبة الـ15 دولار في الساعة.

حققت الشركات الخاصة في قطاع الغذاء أرباحًا هائلة من جائحة كورونا، استغلت آلام الناس وأزمة الغذاء لمراكمة الأرباح، في حين يعجز الملايين في العالم عن تحمل تكاليف توفير الطعام لأسرهم، الأمر الذي دفع التقرير إلى القول بأنه، في خضم الطفرة الهائلة في أرباح وثروات الشركات والعائلات أصحاب المليارات، هناك حاجة ملحة لفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء وأصحاب المليارات لحل أزمة عالمية في تكاليف المعيشة.

لكن هذه الشركات، تمتلك من القوة والنفوذ وجماعات الضغط ما يمكنها من استبعاد أزمة الغذاء والنظام الغذائي والزراعة البيئية من جدول أعمال مؤتمرات المناخ. وغالبا ما يكون لهذه الشركات ممثلين في هذه المؤتمرات، أما الفقراء من العمال والفلاحين والصيادين، والفئات الأكثر تضررا من تغيرات المناخ عموما، فلا يعرفون الطريق إلى شرم الشيخ، ولا يذهبون إليها- إلا- للعمل.

اختطفت الشركات الخاصة الكبرى الأمم المتحدة ومنظماتها، وسيطرت عليها بالكامل، تدخلت في صياغة بنود اتفاقياتها وأولوياتها، وتتحكم في جدول أعمال مؤتمراتها ومخرجاته المتوقعة. لذلك، لا يتوقع أشد المتفائلين أن يتوصل مؤتمر شرم الشيخ إلى حل جذري ونهائي وشامل لأزمة تغير المناخ. وبالتأكيد، لن يكون المؤتمر هو المحطة الأخيرة في سلسلة مؤتمرات الأمم المتحدة التي لا تنتهي، ولا تنتهي إلى شيء.

من المقرر أن ينعقد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للمناخ في دبي بالإمارات العربية المتحدة- ممثلا للقارة الآسيوية- ولن يكون مفاجئًا أن يتولى رئيس مجلس إدارة شركة نفط أبوظبي رئاسة المؤتمر القادم.

في النهاية، يبدو لي أن مؤتمرات الأمم المتحدة على كثرتها وتعاقبها لن تحل أزمة تغير المناخ، ببساطة، لأنها تستبعد أصحاب القضية-الفئات الأكثر تعرضًا- من المشاركة، وتستبعد أهم أزماتهم من جدول أعمالها. لذلك، تبدو لي هذه المؤتمرات أقرب ما تكون إلى رهان لكسب الوقت وتأجيل العمل الجاد والحقيقي إلى يوم القيامة.