قبل 16 عاما، نفذ البنك المركزي عملية دمج لبنوك “المصرى” و”الإسلامى للتنمية والاستثمار”، و”النيل” في كيان جديد يحمل اسم المصرف المتحد ضمن خطة إصلاح وتقوية للمراكز المالية للقطاع المصرفي حينها، تضمنت تقليص الوحدات العاملة من 69 بنكا إلى 39 وهو العدد الذي لا يزال نشطا في السوق حاليا.

يعود المصرف المتحد للواجهة حاليا، بعد إتمام صندوقي الاستثمار السعودي والإماراتي الفحص النافي للجهالة “الاطلاع على بياناته المالية وأصوله ونتائج أعماله” تمهيدا لتقديم عرض شراء مع توقعات بأن يتم حسم الصفقة وإعلاناها رسميا خلال أسابيع.

يملك البنك المركزي 99.9% تقريبا من أسهم رأسمال المصرف المتحد، ويسعى لبيعه حاليا بدعوى أنه جهة رقيبة على القطاع المصرفي لا يجب أن تكون له وحدة عاملة، ما يجعله رقيبا ومنافسا في الوقت ذاته، رغم قيامه بذلك الدور منذ 2006 تقريبا.

تدخل البنك المركزي لتأسيس المصرف المتحد وضخ أموال في رأسماله المدفوع. جاء انسحاب 11 مؤسسة مالية كانت قد أبدت رغبتها المبدئية في شراء البنوك الثلاثة المدموجة داخله في 2006، فكان الخيار الوحيد وقتها هو الدمج.

اقرأ أيضا.. “زبون غايب وبضاعة بايرة”.. حكايات الفجالة في زمن الغلاء والدولار

تحالفات ضخمة تسعى منذ سنوات للاستحواذ علي المصرف المتحد

على مدار السنوات الماضية دار الجدل المستمر، إزاء بيع المصرف المتحد، ففقبل ثلاث سنوات نشبت حمى تنافس، مفاجئة على شراء البنك بين تحالف ضم “هيرميس” ومؤسسة “إيفر كور” الأمريكية الضخمة من جهة، وتحالف ضم بنك الاستثمار “بلتون” وبنك الاستثمار العالمي “روتشيلد”، من جهة ثانية. بينما شكلت شركة “سي آي كابيتال” تحالفا ثالثا مع “بيريلا واينبرغ (شركة خدمات مالية عالمية) للمنافسة على الصفقة ذاتها، بينما أبدى صندوق TPG الأمريكي هو الأخر رغبة في التنافس منفردا على الصفقة.

التنافس على البنك نابع من تزايد أرباحه المجمعة التي ارتفعت من 430 مليون جنيه في 2017، إلى 1.05 مليار جنيه في 2018، ثم 1.7 مليار في 2019. و1.3 مليار جنيه في 2020 و1.14 مليار جنيه في 2021. بينما ارتفع إجمالي حقوق الملكية إلى 10 مليارات جنيه.

في 2008، أعلن محمد عشماوي، رئيس المصرف المتحد “حينها” أن المركزي لم ينشأ مصرفه من أجل الاستثمار به ما يعني أن ملكيته مؤقتة. معلنا عن طرح لـ20% من أسهم البنك في البورصة المصرية بنهاية سبتمبر 2009. على أن يتبعها طرح نسب أخرى على دفعات متتالية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

رفع البنك أخيرا رأسماله 5 مليارات جنيه ليتوافق مع الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك وفقا لقانون الجهاز المصرفي الصادر في سبتمبر 2020، والذي يعطي البنوك مهلة للتنفيذ حتى 14 سبتمبر الحالي، لتوفيق أوضاعهم فيما يخص الحد الأدنى لرأس المال المقدر بـ5 مليارات جنيه.

المتحد.. من بنك إلى مصرف “فيه مطامع”

البنك المركزي المصري

بداية من عام 2016، تم بناء استراتيجية جديدة في المصرف المتحد ــ بحسب رئيسه الحالي أشرف القاضي ــ تتضمن إعادة الهيكلة لقطاعات النشاط كافة. بالإضافة إلى تصويب الهيكل التمويلي والدعم المستمر للقاعدة الرأسمالية توافقا مع مقررات لجنة بازل للإشراف المصرفي.

ساهمت الخطة في زيادة رأسمال البنك المدفوع بنحو مستمر من الأرباح المرحلة إلى 3.5 مليار جنيه ثم 3.67 مليون جنيه ثم 3.85 مليون جنيه. وأخيرا إلى 5 مليارات جنيه، علاوة على جذب البنك حصيلة كبيرة من العملاء الراغبين في التعاطي مع أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات البنكية.

تم تنفيذ خطط تطوير شامل لفروع المصرف وزيادة عددها باستمرار في المواقع الجغرافية المتميزة حتى بلغ عددها 70 فرعا ونحو 220 ماكينة صارف آلي مع إطلاق تطبيقات الخدمات الإلكترونية والرقمية.

كما انخفضت محفظة الديون غير المنتظمة من 6.3 مليار جنيه فى يونيو 2006، إلى 800 مليون جنيه بنهاية نوفمبر 2021 َمع تسوية مديونيات متعثرة بقيمة 5.5 مليار جنيه. أصبحت محفظة التعثر لا تتجاوز 3% من إجمالي المحفظة الائتمانية، وهي مَغطاة بمخصصات بنسبة 100% حفاظا على أموال المودعين.

كذلك ارتفعت القاعدة الائتمانية بالبنك من 10 مليارات جنيه بنهاية 2018 إلى 20 مليار جنيه بنهاية نوفمبر 2021، بزيادة 100%. بجانب نمو أرصدة الأوعية الادخارية من 32 مليار جنيه بنهاية 2018، إلى 44 مليار جنيه بنهاية نوفمبر 2021، بزيادة 12 مليار جنيه. إذ حقق البنك نموا بنسبة 37.5% خلال الـ3 سنوات الأخيرة.

يقول مصدر من إدارة البنك إن قيام مستثمرين -الذين لم يسميهم- بأعمال الفحص النافي للجهالة لا يعني إنهاء الصفقة. فقد يكون العرض أقل من السعر المتوقع، كما يجب أن يحظى الأمر في النهاية بموافقة البنك المركزي أيضا.

العوز الدولاري يدخل عروض الـ16 عاما حيز التنفيذ

في ظل الفجوة الدولارية التي تعاني منها مصر حاليا فمن المتوقع أن يتم حسم الصفقة في أقرب وقت ممكن، ومن المتوقع أن تقترب الصفقة من 750 مليون دولار.

بحسب خبراء اقتصاديين، فإن التضخم المستورد رفع أعباء تغطية الواردات إلى 160 مليار دولار، بجانب التزامات الديون المستحقة بالعملة الصعبة، وشكاوى من المستوردين من عدم فتح البنوك اعتمادات مستندية للاستيراد.

تقول حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال، إن دخول استثمارات جديدة أمر مرحب به، لإنعاش الاقتصاد بتدفقات من النقد الأجنبي، مثلها مثل الصفقات الأخيرة التي تمت في شركات تنتمي لقطاعات متنوعة كـ(فوري وآي فاينانس والتجارى الدولي).

تعتبر رمسيس الصفقات الأخيرة دليل على قوة السوق المصرية الذي يجذب رأس المال الأجنبي في ظل تنامي المعاملات المالية، وصخامة عدد السكان والاستقرار السياسي وكلها عوامل يبحث عنها المستثمر الأجنبي.