كشف الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري باستبعاد كلا من سامح عاشور ومنتصر الزيات من الترشيح لانتخابات نقابة المحامين عن أزمة تعاني منها النقابة العريقة، تتمثل في إصابتها بالشيخوخة، والعجز عن تقديم كوادر نقابية شابة. وجاء الحكم الصادر باستبعاد المرشحين الأبرز والمتنافسين على منصب النقيب بمثابة جرس إنذار عن غياب الأسماء البارزة من المحامين التي يمكن أن تتصدر المشهد النقابي لانحسار المنافسة بين أسماء “رديفة”.
ونجد في تفاصيل الحكم باستبعاد “عاشور” و”الزيات”، والذي أيدته المحكمة الإدارية العليا وجاء فيه أن إبعادهم بناء على أسانيد وحجج قانونية مختلفة في كل حالة بالنسبة لسامح عاشور، بسبب عضويته في مجلس الشيوخ ويشترط الدستور تفرغ أعضاء المجالس النيابية لعضويتهم، بأن لا يشغلا أية مناصب عامة للتفرغ لعملهم النيابي. ورغم تقدم عاشور باستقالته من مجلس الشيوخ إلا أن المجلس لم يبث في الاستقالة حتى الآن، وهو ما دفع المحكمة الإدارية لاستبعاده من قوائم المرشحين لمنصب نقيب المحامين.
أما بالنسبة لمنتصر الزيات فجاء قرار استبعاده لصدور حكم قضائي نهائي ضده بالسجن في القضية المعروفة إعلاميا بـ”إهانة القضاة” وتأييد الحكم الصادر ضده قبل ثلاث سنوات من انتخابات التكميلية لنقيب المحامين، وبناء عليه استبعد المحكمة الزيات من الترشح.
اقرأ أيضا.. انتخابات المحامين| مقعد “النقيب” في قبضة كتل “المحافظات” والتحالفات تتراجع
بورصة الترشيحات والفرص في انتخابات المحامين
ليخرج من السباق الانتخابي أبرز مرشحين للانتخابات المقرر إجرائها الأحد 4 من سبتمبر/ أيلول الجاري، لاختيار نقيبا للمحامين والذي فرغ بوفاة رجائي عطيه في مارس/ آذار الماضي، وبذلك تنحصر المنافسة حاليا بعد استبعاد “عاشور” و”الزيات” بين ثلاثة أسماء طبقا للمشهد الانتخابي والكتل التصويتية.
عبدالحليم علام
ويبرز من المرشحين الثلاثة عبدالحليم علام نقيب محاميي الإسكندرية، والذي يعتمد بشكل أساسي على شعبيته في ثغر البحر المتوسط، بالإضافة لأصوله الصعيدية من محافظة سوهاج. ويضاف لعلام أيضا أنه يعد “الدينامو” لجبهة الإصلاح النقابية والتي خاضت المنافسة ضد سامح عاشور وقائمته، والتي اكتسحتها في الانتخابات الأخيرة وتفوق فيها النقيب الراحل رجائي عطية على منافسة عاشور. ومن هنا تبرز قوة علام والذي يحظى بتأييد كبير بين أعضاء مجلس النقابة الحالي، وإمكانيات حصوله على أصوات الكتلة المنتمية للتيار السلفي بحكم علاقة النسب التي تجمعه بالشيخ أحمد المحلاوي.
نبيل عبدالسلام
ويأتي ثاني الأسماء قوة في تركيبة المنافسة، نبيل عبدالسلام عضو مجلس النقابة الحالي ونقيب الإسماعيلية السابق، والذي ازدادت أسهمه في الفوز بنقيب المحامين عقب قرار استبعاد عاشور والزيات من الانتخابات في ظل ما تواتر من معلومات بشأن توجيه منتصر الزيات لمناصريه للتصويت لصالحه. كما أن ما ينسحب أيضا على سامح عاشور في ظل الخلافات المعلنة بينه وبين عبد الحليم علام، وعدم رغبة في صعوده لمنصب النقيب، يعزز فرص نبيل عبدالسلام خاصة أن الأخيرة له علاقات قوية وتربيطات مع الأعضاء المنتمين إلى التيار الإسلامي في المحامين، عكس “علام” والذي أعلن في أكثر من مرة عداءه مع كل التيارات الإسلامية داخل النقابة بعد أن خاض المنافسة ضدهم في انتخابات مجلس الشعب عام 2010 عندما ترشح ممثلا للحزب الوطني في مواجهة الرمز الإخواني حمدي حسن.
عمر هريدي
ويأتي عمر هريدي وكيل مجلس النقابة كثالث الأسماء المنافسة على منصب نقيب المحامي، والذي يسعى لجذب أصوات مناصري سامح عاشور ومحاولة الحصول على أصوات محامي القطاع العام. غير أن “هريدي” يعد أقل المرشحين الثلاثة حظوظا لعدم وجود قاعدة تصويتية له تمكنه بالفوز بالمنصب.
في المحامين.. متوسط الأعمار فوق الـ60 سنة
وتبرز الخريطة الحالية للانتخابات التكميلية لنقيب المحامين، بالإضافة لفتور المنافسة وانحسارها في المرشحين الصف الثاني سواء من ناحية الشعبية، أو الخبرة النقابية، أزمة أخرى تتمثل في خلو الساحة من الكوادر الشبابية في النقابة وأن الأمر لا يقتصر فقط على الترشيحات على منصف النقيب. فنجد أن متوسط أعمار المجلس الحالي يزيد عن سنتين سنة ولا يوجد سوى مرشحين فقط يقل عمرهم عن خمسين همان وهما محمد نجيب (45عام) وعيسى أبو عيسي (48). بينما تجاوز غالبية أعضاء المجلس الحالي الستين عام بينما وصل عمر النقيب الراحل رجائي عطية إلى 83 عاما، ويظهر ذلك في أعمار المرشحين الحاليين لنقيب المحامين والذين لامس أغلبهم أو تجاوز عمر السبعين.
التجريف النقابي أحد أسباب أزمة انتخابات المحامين
وتعد هذه النقطة من أبرز الظواهر التي كشفتنها التطورات الأخيرة في النقابة، بما يمثل نقوس خطر من خلو الساحة النقابية في المحامين لمدة ليس من الشباب فحسب، بل من الأسماء المرتبطة بالعمل النقابي. خاصة أن المحامين تعد من النقابات المعروف عن أعضائها الحرص على المشاركة في العمل العام سواء في النقابة أو خارجها.
لكن النقابة تعرضت لحالة من التجريف خلال العقدين الأخيرين، نتيجة سيطرة المنافسة بين كلا من سامح عاشور وتنظيم الإخوان على المشهد النقابي. وهو ما تحدث عنه النقابي الكبير أحمد قناوي، والذي حمل سامح عاشور المسئولية عن حالة الشيخوخة التي أصابت النقابة تشكيل مجلس النقابة. وبحسب رأيه أنه جاء “نتيجة حرص عاشور على إبعاد أية رموز داخل النقابة بعد أن سيطر على المشهد النقابي منفردا، وعدم تقديم شباب من المحامين للعمل النقابي في إطار لعبة التدجين لشباب المحامين وتحويل مناصريه لمجرد أتباع وليس كوادر نقابية ومهنية”.
ويرفض هذه الرؤية المحامي إكرامي كشك (من جيل الوسط) رغم أنه يعترف بحالة الشيخوخة التي أصابت الكوادر في نقابة المحامين. كما يرى “كشك” أنه يحسب لسامح عاشور أنه ظل بمفرده يقاوم سيطرة الإخوان على النقابة. لذلك انصب انشغاله على إعداد قوائم انتخابية تحمل أسماء تستطيع أن تنافس تنظيم الإخوان الذي تغلل في النقابة وكانت له السيطرة منذ تسعينيات القرن الماضي حتى سقوط التنظيم عقب 30 يونيو 2013. ويرى “كشك” أن ذلك أجبر عاشور على ألا يقدم وجوها شبابية على القوائم التي يطرحها، واستعان بشيوخ من المحامين حتى تتمكن من منافسة قوائم الإخوان.
وتؤكد المحامية مها أبوبكر، أن هناك تحامل على سامح عاشور ومحاولة تحميله المسئولية عن تدهور العمل النقابي. بينما ترى أن النقيب الأسبق، ضمت القوائم التي طرحها مرشحين من الشباب، لكن المنافسة الانتخابي جعلت من الصعب فوزهم نتيجة المنافسة مع أسماء كبيرة وفي ظل القوائم التي يطرحها تنظيم الإخوان.
إلغاء التمييز الإيجابي
ويطرح المحامي النقابي محمد أبوالعينين بعدا آخر في حالة الشيخوخة النقابية التي ضربت نقابة المحامين، تمثلت في تعديلات قانون الانتخابات التي أدخلها الحزب الوطني المنحل، وبمباركة من سامح عاشور عام 2008. إذ ألغت نص التميز الإيجابي للشباب في تمثيل مجلس النقابة، والذي نص على وجود عضوين على الأقل في مجلس النقابة لا يزيد عمرهم عن 35 عاما.
ويؤكد “أبو العينين” أن هذا النص في القانون القديم، كان يضمن وجود شباب في كل انتخابات، وهو ما ضمن تمثيلهم واستمرارهم في العمل النقابي. كذلك أشار إلى أنه عبر هذا القانون تمكن عدد كبير من شباب المحامين للدخول في تشكيل مجلس النقابة بما فيهم سامح عاشور نفسه ومختار نوح اللذان نجحا في انتخابات النقابة كممثلين للشباب في 1986. ويوضح أبو العينين أنه بعد إلغاء هذا النص لم يلتفت أحدا لتعويض غياب الشباب في المجلس واستمرار استحواذ الكهول وشيوخ المحامين على تشكيل مجلس النقابة، ما أدى لأزمة الشيخوخة التي تعيشها النقابة حاليا، عدم طرح أسماء من الشباب تتولى العمل النقابي داخلها.
كذلك يضيف المحامي النقابي محمد هاشم، والمنتمي لجيل الوسط، أن سبب الأزمة يتمثل في أن الصراع الانتخابي، لم يعط فرصة للشباب في التمثيل داخل النقابة، وأنه طوال العشرين عاما الماضية كانت المنافسة بين قوائم انتخابية سواء قائمة عاشور والإخوان. أو قائمة عاشور وجبهة الإصلاح مؤخرا. وهو ما أدى لعدم وجود فرصة لأي مرشح للنجاح خارج القوائم، خاصة للشباب والذي لا يوجد لأي منهم القدرة على الصرف على المنافسة في ظل القانون الانتخابي لاختيار مجلس نقابة المحامين. والذي يتم الاختيار فيه على مستوى الجمهورية، وهو أمر يصعب بل يستحيل على محامي شباب أن يتمكن من المنافسة ويقوم بجولات انتخابية في كامل البلد، ما أدى لعزوف الشباب عن التقدم للعمل النقابي.
مسئولية مشتركة
ويعترف النقابي البارز ماجد حنا عضو النقابة الحالي، والأمين المساعد لاتحاد المحامين العرب، بأن هناك أزمة حقيقة في النقابة لعدم وجود جيل من الشباب يسند إليه العمل النقابي في السنوات المقبلة. لكن “حنا” يرى أن هذه مسئولية مشتركة “ليست ذنب سامح عاشور وحده، بل هي مسئولية تشاركيه من الجميع”. معززا رأيه بأن دخول النقابة في الصراعات الانتخابية ساهم بشكل أو بآخر في عزوف شباب المحامين عن التقدم للعمل النقابي.
ولكن محمد راضي مسعود عضو المجلس ومن رموز جبهة الإصلاح، يؤكد أن الجبهة تخطط حاليا بأنها ستعمل خلال الانتخابات المقبلة لتضم قائمتها عدد من الشباب. في محاولة لتلافي الوضع الحالي في انعدام وجود شباب في تشكيل مجلس النقابة، وهو أمر خطير على مستقبل النقابة والمهنة. يتحمل المسئولية عنه من احتكروا العمل النقابي خلال العقدين الماضيين. ما أدى لعدم وجود كوادر شبابية رغم أنهم يمثلوا أكثر من 70% من أعضاء النقابة.