كتبت: هنا الداعور
الانتقام الإباحي هو نشر محتوى عبر الإنترنت في أغلب الأحيان يتضمن صورا أو مقاطع فيديو جنسية لأشخاص دون الحصول على موافقتهم. وذلك لإيذائهم نفسيا والعمل على فضيحتهم.
تروي (ن.أ) 25 سنة- وإحدى ضحايا الانتقام الإباحي ل”مصر 360″: “كانت تجمعني علاقه حب بشاب في الجامعة. وجمعتنا لقطات صور كثيرة ومحادثات هاتفية. وبعد تخرجي لم يتقدم هذا الشاب لخطبتي كما عاهدني. وبعد تأكدي من عدم جديته في العلاقة انفصلت عنه وعملتله بلوك من كل حاجة على السوشيال ميديا”.
وتواصل: “تفاجأت برساله من زميل في الجامعة تضمنت صوري عارية تماما في وضعيات مخلة تم نشرها في جروب الدفعة”. على الفور توجهت الفتاة برفقة والدها إلى مباحث الإنترنت: “من خلال التحريات تبين أن مَن نشر هذه الصور على الجروب هو ذلك الشاب الذي ارتبطت به انتقاما مني لانفصالي عنه”.
لقد سيطرت التكنولوجيا على حياتنا. وخلقت أنواعا جديدة من الجرائم التي تستغل طبيعة تطورات الحياة والتواصل الإلكتروني الذي نعيشه. وأشهر هذه الجرائم ما نسميه “الانتقام الإباحي”.
الاغتصاب السيبراني
يطلق البعض على هذا “الانتقام الإباحي” اسم “الثأر الإلكتروني” أو “الاغتصاب السيبراني”. وكلها مصطلحات تدل “على نشر صور أو مقاطع فيديو خاصة وتتضمن مشاهد حميمية دون علم صاحبها”.
وحسب تعريف “إسكوا” -لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا- والتابعة للأمم المتحدة للانتقام الإباحي فهو يتضمن مواد إباحية غير متوافق عليها بهدف النشر عبر الإنترنت للصور أو لمقاطع فيديو جنسية دون موافقة الفرد. وكثيرا ما يكون الجاني شريكا سابقا يحصل على صور أو مقاطع فيديو في سياق علاقة سابقة. ويهدف إلى العار والإذلال العلني للضحية. انتقامًا لإنهاء العلاقة. ومع ذلك فإن الجناة ليسوا بالضرورة شركاء أو شركاء سابقين. والدافع ليس هو الانتقام دائمًا”.
النوعية الجندرية
يواجه هذا النوع من الانتقام الرجال والنساء. ولكن عادة ما يستهدف السيدات أكثر لمعرفة الجاني آثاره المدمرة وطويلة الأمد على الضحايا. خصوصا في المجتمعات الشرقية التي تعرف نفسها بأنها “مجتمعات محافظة”
وبالطبع يكون لكلمات خاصة “كفضيحة جنسية” أو “شاهد صورا عارية” وخلافه صدى رنانا في الآذان والأذهان. ما ييسّر عملية التشهير بالنساء والنيل من سمعتهن وهو هدف الجاني من فعلته.
ويأخذ الانتقام الإباحي عدة أشكال حسب هوى المنتقم. فمنها تسريب فيديوهات لمقاطع علاقة حميمية حدثت بالفعل مع الشريك. أو سرقة صور خاصة من الهواتف أو الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. والأكثر مهارة يستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمعالجة الصور أو المقاطع بدقة شديدة تجعل منها لقطات إباحية حيه للضحايا.
صديق ينتقم
وتروي امرأة وقعت تحت وطأة الاغتصاب السيبراني تدعى (ا.س) أنها في أثناء عمل زوجها بإحدى دول الخليج كانت ترسل لزوجها صورها الخاصة. وذلك لاعتقادها أنها بهذه الطريقة لن ينظر زوجها لامراة سواها. لكنها فوجئت بزوجها يرسل لها رابط موقع إباحي يتضمن صورها تلك التي كانت ترسلها له.
بالطبع شك الزوج في زوجته أولا واتهمها في سلوكها وأنها لا تصون عرضه في غيابه. وبعد طلاقها بـ6 أشهر تكتشف أن أحد أصدقاء الزوج -كان على خلاف معه- هو من قام بسرقة صورها من هاتف الزوج ثم نشرها على المواقع الإباحية انتقاما منه.
ظاهرة مستحدثة
تقول الدكتورة سامية خضر -أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- لـ”مصر 360″: “هذة الظاهرة دخيلة على المجتمع العربي. ولم نكن نشاهدها من قبل. لكنه التطور الطبيعي لتدهور أخلاقي ارتبط لدى البعض بظهور وتوغل السوشيال ميديا واستحداث أنواع من الجريمة”.
وتؤكد أن النساء هن ضحايا الانتقام الإباحي في الأغلب. وهذا يرجع لطبيعة المجتمع الذي يفرض العديد من القيود والأحكام الأخلاقية على المرأة”.
وتستكمل: “هذة الجريمة تعتبر أحد أشكال العنف ضد المرأة على الطريقة الحديثة. وبدل أن نرفع من قدر المرأة كواجب أخلاقي ومجتمعي نعمل على الحط من قدرها بهذا المستوى من الفضيحة. هناك بعد آخر صار مهما. وهو أن المجتمع بات متلهفا لمتابعة هذا النوع تحديدا من الفضيحة. ما جعل المجتمع متعايشا مع نشر المواد الإباحية غير متسائل عن المجرم في هذه القضية”.
أستاذة علم الاجتماع تقول إن الثأر لكرامة الجاني واستضعاف الإناث هو الذي يجعل اللجوء لهذا النوع منن الانتقام أسهل وأكثر فتكا. والجاني على علم بأن انتهاك خصوصية المرأة في مجتمعنا لا يجرح الأنثي فقط. إنما أسرتها كلها. باعتبار أن المرأة هي “الرصاصة” -حسب ثقافة المجتمع الشرقي- وبإمكانها أن تقتل أسرة كاملة.
تغليظ العقوبات
الأسر تتفنن في ذبح بناتها أكثر من تركيزها على الجاني -بحسب “خضر”- فبدل احتواء الموقف توجه للبنات كلمات مثل “فضحتينا”. وهذا سبب في ازياد حالات الانتحار. فالبنات يحملن هم نظرة عائلتهن قبل نظرة المجتمع”.
واختتمت بأن عقوبات هذه الجرائم في حاجة إلى تغليظ. لأن الإنسان “لازم يشعر أن هناك من يؤمن له حياته. كما لا بد من وجود لجان مختصة بهذه الجرائم في المجلس القومي للمرأة والمؤسسات النسوية لتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا. وكذا نشر الوعي لدى النساء بكيفية تلافي أخطار عالم الإنترنت”.
مأساة فتاة الغربية
نعيد إلى الذاكرة حادث فتاة الغربية التي انتحرت لعدم قدرتها على مواجهة الفضيحة في مطلع العام الحالي.
ففي كفر يعقوب بمركز كفر الزيات بالغربية أقبلت “بسنت خالد” على إنهاء حياتها عن طريق بلع قرص “غلة”. وذلك إثر قيام شاب بتركيب صور مخلة لها ونشرها عبر الإنترنت.
لم تتحمل بسنت 17 عاما هذا الإيذاء المهول الذي لحق بها أمام سكان منطقتها. فقررت إنهاء حياتها تاركة رسالة مكتوبه بخطها: “ماما ياريت تفهميني أنا مش البنت دي ودي صور متركبة والله العظيم وقسما بالله دي ما أنا. أنا يا ماما بنت صغيرة ماستهلش اللي بيحصلي ده أنا جالي اكتئاب بجد. تعبت بجد”.
الفئات العمرية للضحايا
يؤكد الدكتور جمال فرويز -استشاري الطب النفسي- لـ”مصر 360″ أن أغلب الضحايا من فئة المراهقين. والسبب يرجع لعدم قدرهتهم على المواجهة. ويرى أن ارتفاع مستوى الظاهرة مبني على خطأ من الطرفين -الجاني والمجني عليه. ففي بعض الأحيان يتبادلان كلمات السر الخاصة بهواتفهم ومنصات التواصل الاجتماعي. وبالتالي يسهل جدا سرقة أي محتوى: “الأسرة عليها عامل في الرقابة والتربية وأيضا الحنان الأسري الذي تفتقر إليه البنات والأولاد معا في مجتمعنا”.
ويختتم: “صارت الثورة الرقمية أحد الأساليب التي تستخدم في التجني والتنكيل بالآخرين. والمجتمع الذكوري للأسف يروج لهذا النوع من الانتقام ضد المرأة”.
الطرف الأضعف
ويبدو أن مجتمعنا لا يزال يفتقر إلى التعامل الصحيح مع الثقافة الرقمية. التي يكون فيها المستخدم -أي مستخدم- هو أضعف حلقة في حلقاتها. كما يبدو أننا أمام تحدٍّ جديد أمام الأخلاق الرقمية في مجتمعنا. وذلك للحفاظ على الخصوصية وعدم انتهاك حقوق الغير وحياته الخاصة تحت أي حجة من الحجج.
والمشكلة الكبرى -غير التشهير بالضحية- أنه لا توجد آلية عبر شبكة الإنترنت تسمح للضحية بحذف صورها من أي موقع بمجرد رؤيتها. لكن يبقى الأمل في سرعة الإجراءات القانونية حيال الجاني. وهذا يلقي بمسئولية كبيرة على الإعلام ومؤسسات التعليم في مصر لكيفية التعامل مع الفضاء الإلكتروني بحذر دون الوقوع في فخاخه القاتلة.
الإنترنت شارع
يقول محمد فخر الدين -الباحث في الأمن السيبراني- لـ”مصر 360″: “الناس مش بتتعلم إلا بعد ما تحصل كارثة. لكن يجب اتباع المبدأ العام لمستخدمي الإنترنت. فالإنترنت زي الشارع. اللي ماينفعش يتعمل في الشارع ماينفعش يتعمل في الإنترنت أو على الأجهزة الخاصة”.
وتابع: “لا بد أن يعلم الجميع أن أي مادة على جهازك الشخصي بإمكان الآخرين الاطلاع عليها. لذا من الأفضل عدم الاحتفاظ وهذا يقودنا إلى عدم الاحتفاظ بصور أو مقاطع فيديو خاصة على أجهزتنا. فضلا عن ضرورة التأكد من هوية التطبيقات الموجودة على هواتفنا. وحذف أي تطبيق لا يستخدم والحذر من شبكات الواي فاي المشتركة كالموجودة في الكافيهات وغيرها”.
بطء الإجراءات
المحامية مها أبو بكر تقول لـ”مصر 360″: “لا توجد مشكلة في التشريعات الحالية الخاصة بجرائم الإنترنت. إنما البطء الشديد في الإجراءات هو سبب الأزمة. فالفحص الفني للمتحوى الذي نشر للضحية يأخذ مدة طويلة قد تقترب من سنة. مما يعرض الضحية إلى ضغط مجتمعي رهيب قد يسبب أحيانا حالات انتحار”.
وتوضح: “بعض الحالات يكون فيها الجاني صاحب ولاية على المرأة -زوجها أو أحد أفراد أسرتها- وهنا لا بد من تغليظ العقوبة. لأن القانون لا يأخذ بالاعتبار صلة الجاني بالضحية”.
رأي القانون
قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر برقم 175 لسنة 2018 نصت المادة 25 به على: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين. كل من ارتكب فعلًا من الأفعال الآتية:
1- الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
2- انتهاك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.
3- نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه. سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
كما نصت المادة (26) من القانون ذاته على:
“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة. أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه”.