يواصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشه للشهر العشرين على التوالي رغم تأكيد الحكومة دعم الاستثمار الخاص واستهدافها زيادة إسهاماته في الاقتصاد إلى 60%. فضلا عن تقديم حوافز له تتضمن تأجيل الضرائب ودعم التصدير.

بحسب مؤشر مديري المشتريات الصادر عن “ستاندرد آند بورز جلوبال” فإن مؤشر القطاع الخاص غير النفطي سجل 46.4 نقطة. وهو أقل من 50 نقطة. والتي تعتبر الخط الفاصل بين النمو والانكماش. فأزيد من 50% يعتبر نموا وأقل منها يعتبر انكماشا.

عانى القطاع الخاص المصري من فقد الجنيه 216% من قيمته أمام الدولار في 6 أعوام. ما رفع تكاليف استيراد المادة الخام والسلع الوسيطة من الخارج لترتفع أعباء الإنتاج لأعلى مستوى في 4 سنوات. وانعكس ذلك على سعر بيع المنتج النهائي الذي ارتفع في يوليو/تموز الماضي بأسرع معدل فيما يزيد على 5 سنوات ونصف السنة.

ويعزو خبراء انكماش القطاع الخاص إلى ارتفاع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس من بداية العام. فارتفاعها سبب في رفع عبء التمويل البنكي. ما دفع المستثمرين إلى الإحجام عن الاقتراض والتوسع في الخطوط الإنتاجية القائمة أو افتتاح فروع جديدة.

وتتسم العلاقة بين الإنفاق وأسعار الفائدة بالحساسية الشديدة. فارتفاعها يعمل على انكماش القطاع الخاص لأن المعدلات المرتفعة لأسعار الفائدة الناتجة من السياسة المالية التوسعية تعمل على تثبيط الشركات.

وقد عاني القطاع الخاص أيضا من قرارات البنك المركزي بإلغاء العمل بمستندات التحصيل واستبدال الاعتمادات المستندية بها. ما عطّل الاستيراد من الخارج رغم وجود توجيهات باستثناءات المادة الخام والسلع الأساسية.

تعطل استيراد مواد خام لازمة للإنتاج
تعطل استيراد مواد خام لازمة للإنتاج

غلاء وبطالة

مع ارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات قامت بترحيل الزيادات إلى المستهلكين في صورة زيادة بأسعار المنتجات المطروحة بالأسواق. ليرتفع معدل التضخم على أساس سنوي إلى 14.6% لإجمالي الجمهورية. مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية كمجموعة الحبوب والخبز بنسبة 1%. والألبان والجبن والبيض بنسبة 5.2%. ومجموعة الدخان “السجائر والتبغ والمعسل” بنسبة 3.3%.

من جهة أخرى فإن انكماش القطاع الخاص يحرك معه معدلات البطالة التي ارتفعت بنسبة 1.7% على أساس سنوي. وذلك في الربع الثاني من العام الحالي. ليبلغ 2.15 مليون في الفترة من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2022. مقابل 2.14 مليون في الربع الأول من العام. أما على أساس سنوي فزاد عدد العاطلين 36 ألفا عن الربع المماثل من العام السابق.

ويسهم القطاع الخاص بشكل أساسي في التشغيل بمصر واستيعاب عدد الخريجين لسوق العمل والذين يقدر عددهم بـ900 ألف شاب وفتاة سنويًا. كما يستوعب حاليًا نحو 65% من إجمالي القوى العاملة.

رهان حكومي

ارتفاع معدلات البطالة
ارتفاع معدلات البطالة

تزايد دور القطاع الخاص عالميًا في النشاط الاقتصادي مع تراجع دور الحكومات وتطبيقها الرأسمالية التقليدية. والتي تعتمد على حرية السوق. وتحد من تدخلات الدولة في النشاط الاقتصادي. وفي ضوء فرضيات دارجة ربطت بين تحقيق معدل النمو المرتفع بتوسيع نطاق أو مساحة المستثمرين في الاقتصاد.

وتقتنع الحكومات المصرية بقوة على مدار العقود الأربعة الماضية بأن القطاع الخاص أكثر كفاءة من القطاع العام في إدارة المشروعات والمؤسسات. وأن تخلص الدولة من ملكيتها يمكن أن تؤدي للتقليل من ظاهرة البطالة المقنّعة وانخفاض الإنتاجية بوحدات القطاع العام وتقليل العبء على الموازنة العامة للدولة.

وتستهدف الحكومة زيادة استثمارات القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في مصر. مع منحه العديد من التسهيلات والحوافز عبر برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدفات تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.

كما هدفت وثيقة سياسة ملكية الدولة -من وجهة نظر الحكومة- لإحداث التوازن بين مشاركة القطاعين الخاص والعام في النشاط الاقتصادي وتخارج الدولة من بعض الأنشطة لتفتح المجال أمام المستهدف بزيادة نسبة إسهام القطاع الخاص إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاث سنوات المقبلة -بحسب وزير المالية محمد معيط.

لكن منظمة العمل الدولية في تقريرها الإقليمي الذي أصدرته مؤخرا حول الوظائف والنمو في شمال أفريقيا ويتناول الفترة من أوائل العقد الأول من القرن الـ21 حتى 2019. أكدت عدم انعكاس النمو على سوق العمل. فحصـة القطاع الخاص في مصر زادت في إجمالي حجم الاقتصـاد لكن إنتاجيتـه تراجعت في الوقت ذاته.

بحسب المنظمة فإن عدم توافق المهارات في مصر مع متطلبات سوق العمل تفرض تحديات إضافية خلال العقدين الماضيين. وأصبحـت أنواع العمل غير المسـتقرة أكثـر انتشـارا. خاصة بيــن فئات الخريجين الأعلى تعليما. مــا عكــس النمــو غيـر المتناسـب لقطاعي البنـاء والتشـييد والتجـارة.

تحركات غير متوقعة

مجلس الوزراء-ازي الحال
مجلس الوزراء-ازي الحال

منذ جائحة كورونا في مطلع 2020 تدعم الدولة القطاع الخاص بقوة. وكان من أبرز مظاهر ذلك الدعم موافقة مجلس الوزراء مؤخرا على تحمل الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة على العقارات المبنية للقطاعات الصناعية لمدة ثلاث سنوات بدءًا من أول يناير/كانون الثاني 2022. وذلك بتكلفة إجمالية متوقعة 3.3 مليار جنيه.

كما أصدرت وزارة المالية قانون “التجاوز عن مقابل التأخير والضريبة الإضافية” بالتجاوز عن 65% من مقابل التأخير والضريبة الإضافية المنصوص عليها بقوانين الجمارك والدمغة والضرائب على الدخل والضريبة العامة على المبيعات والقيمة المضافة. على أن يتم سداد نسبة 35% المتبقية.

واعتبارًا من 28 أغسطس/آب حتى 15 سبتمبر أيلول الحالي تتلقى وزارة المالية طلبات المصدرين الراغبين في الاستفادة من المرحلة الخامسة لمبادرة “السداد النقدي الفوري” لمستحقات الشركات المصدرة لدى “صندوق تنمية الصادرات”. وذلك لتصرف أكثر من 33 مليار جنيه للشركات المصدرة خلال عامين.

المؤسسات الدولية تطالب الدول بشدة بزيادة الاعتماد على القطاع الخاص. ومن بينها البنك الدولي الذي قدم دراسة شملت 50 دولة نامية تحدث فيها عن تأثير إيجابي واسع للنمو المصاحب للاستثمارات الخاصة. مقارنة بتأثير الاستثمارات العامة بأكثر من مرة ونصف. مما يجعله عنصرا لتحقيق استدامة النمو الاقتصادي بالمجتمعات. التي تهيئ البيئة المناسبة للقطاع الخاص للإسهام في التنمية.

لكن القطاع الخاص في مصر يتحرك أحيانا بشكل غير متوقع. ففي يناير/كانون الثاني الماضي ووسط قفزة كبيرة في النمو في مصر انكمش القطاع الخاص بأقوى وتيرة حينها في 9 شهور منذ إبريل/نيسان 2021. وذلك وفق بيانات مؤشر مديري المشتريات -التابع لشركة “آي إتش إس ماركت” ليبلغ حينها  47.9 نقطة.

ويرى خبراء اقتصاد أن القطاعين العام والعائلي ضخا استثمارات عوضت التراجع في أداء القطاع الخاص منذ جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. التي فرضت تداعيات صعبة على الاقتصاد المحلي.

تعويض

سياسة حكومية بدعم مشاركة القطاع الخاص
سياسة حكومية بدعم مشاركة القطاع الخاص

يقول الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي- إن الاستثمارات الحكومية ارتفعت بصورة كبيرة. ما جعل حجم نشاط القطاع الخاص يتضاءل كنسبة وليس كرقم. فالدولة لم يكن لديها خيار سوى ممارسة دورها في دعم النشاط الاقتصادي منذ بداية الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016. ما جعل القطاع الخاص يتشكك حينها ويقلق وبالتالي لا يتوسع.

ويضيف أن الدولة قادت عملية التنمية وبادرت بالقيام بكثير من المشروعات في مجال البنية التحتية وتهيئة مناخ الاستثمار وبناء مشروعات كبيرة في القطاعات كافة. حتى تقود القطاع الخاص وتشجعه على العمل. ومع انتهاء برنامج الإصلاح في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كان يُتوقع أن يقوم القطاع الخاص بانطلاقة مع ما قدمته الدولة من حوافز وضمانات. لكن أتت تداعيات كورونا لتجعل القطاع الخاص يعانق عدم اليقين وينكمش مع انخفاض الطلب.

وتابع أنه مع بداية التعافي الاقتصادي حققت مصر نمواً بلغ 9%. لكن جاءت الحرب الأوكرانية-الروسية لتلقي تداعيات قوية على الاقتصاد. ومطلوب من الدولة تحفيز أكبر للقطاع الخاص وطمأنته وتشجيعه على العمل. وذلك من أجل أن يقوم بدوره في التعاون والاستجابة لما تقدمه الدولة من ضمانات وحوافز.