لا ينفك الاقتصاد المصري يطل على العالم وعلينا في الأخبار والتحليلات الدولية. تارة من أجل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وتارة من أجل الحصول على قرض جديد قبل نهاية العام الجاري. ومرة ثالثة عقب تغيير المنصب المصرفي الأكبر في البلاد، محافظ البنك المركزي، ورابعة بسبب الانخفاض المستمر للجنيه المصري، والذي يعتبر الأسوأ منذ عام 2016.
وبينما “تجوب الحكومة العالم بحثًا عن استثمارات. في أعقاب أزمات الطاقة والغذاء من الغزو الروسي لأوكرانيا”، وفق تعبير بلومبرج/ Bloomberg، بعد ما يزيد قليلًا عن خمسة أشهر بعد خفض جديد في قيمة الجنيه، يستعد المستثمرون لموجة ثانية من الانخفاض، مع تفضيل صندوق النقد الدولي لسعر صرف أكثر مرونة”.
في أحدث تقرير حول حالة العملة المصرية، ذكر موقع “بلومبيرج” تحت عنوان “تخفيض قيمة الجنيه المصري واتفاق صندوق النقد.. أهم عوامل مؤثرة في سوق السندات المصرية”، أنه “مع إغلاق أسواق رأس المال الخارجية تقريبا، أدى نقص الطلب إلى إغلاق أحد مصادر التمويل الرئيسية. كما تراجعت مبيعات السندات بالعملة المحلية بنسبة 38% هذا العام حتى أغسطس/ آب، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. إلى ما يزيد قليلا عن 81 مليار دولار”، وفقا لبيانات جمعتها بلومبرج.
وفي يونيو/ حزيران، قالت وكالة “موديز إنفستورز سيرفيسز” إنها تتوقع من صندوق النقد الدولي الانتهاء من برنامج تمويل جديد، تتراوح قيمته بين 4 و6 مليارات دولار، في النصف الثاني من هذا العام، لمساعدة مصر في تمويل عجز الحساب الجاري. إذ يقدر بنحو 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
مع هذا، تسير المحادثات مع الصندوق في اتجاه “مطمئن”. رغم أن حجم المساعدة التي يمكن أن يقدمها صندوق النقد الدولي لمصر “لم يتحدد بعد”، وفقا لوزير المالية محمد معيط.
أيضا، تعهدت دول الخليج بتقديم أكثر من 22 مليار دولار لمصر في شكل ودائع واستثمارات في الأشهر الأخيرة؛ لدعم اقتصاد بلد يُنظر إليه على أنه ركيزة أساسية في العالم العربي.
اقرأ أيضا: : في 6 أشهر.. كيف زادت استحواذات الإمارات والسعودية على الأصول المصرية؟
ويُعّد الدين بالعملة المحلية في مصر هذا الربع “واحد من ستة أسوأ أداءات في الأسواق الناشئة”، وفقا لمؤشرات بلومبرج. فقد سحب مستثمرو المحافظ الأجنبية بالفعل نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي منذ بداية هذا العام. وكان الجنيه في أضعف مستوياته منذ تخفيض قيمته في 2016، حتى أن إصدار هذا العام من السندات حتى أغسطس/ آب هو أقل من نصف الرقم الذي تم جمعه في عام 2021 وهو 192 مليار دولار.
الدولار مقابل الجنيه
أكد تقرير مؤسسة كابيتال/ Capital أن تزامن العجز المتزايد، مع انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، أدى إلى التأثير على معنويات المستثمرين في مصر. ما أدى إلى توقعات بارتفاع الدولار الأمريكي في مقابل الجنيه.
يقول التقرير: “نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، يعتقد العديد من المحللين أن مؤشر أسعار العملات سيبقى منخفضا حول أدنى مستوى في ست سنوات على المدى القصير إلى المتوسط”.
وتتوقع Trading Economics -وهي مزود للبيانات الاقتصادية- أن يتداول الدولار عند 19.46 جنيه، بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2022. وترتفع إلى 20.71 في الأشهر الـ 12 المقبلة.
وفي الوقت نفسه، أشارت توقعات الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري إلى أن السعر قد يتم تداوله عند 19.216 جنيه في الأشهر الـ 12 المقبلة. ليرتفع إلى 19.653 جنيه بحلول عام 2027.
ولكن شركة Capital Economics -وهي شركة أبحاث اقتصادية مستقلة- توقعت أن تنخفض قيمة الجنيه المصري أكثر مقابل الدولار الأمريكي. لتصل إلى حوالي 25 جنيها بنهاية عام 2024.
وقال جيمس سوانستون، خبير اقتصاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الشركة: “تسببت تداعيات الحرب في أوكرانيا في اتساع العجز الضخم في الحساب الجاري لمصر هذا العام. ومع كفاح البلاد لجذب أشكال مستقرة من التمويل الخارجي، سيحتاج المسئولون إلى التمسك بتحولهم إلى سعر صرف مرن من أجل استعادة الاقتصاد الكلي”.
ووفق توقعات الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري لعام 2025، توقع مزود التنبؤات القائمة على الخوارزمية، أن يرتفع سعر صرف زوج العملات إلى نطاق 52.5-77.0 في عام 2025.
ونظرا لعدم اليقين بشأن التطور الجيوسياسي وتقلبات السوق ذات الصلة، امتنع المحللون ومواقع التنبؤ القائمة على الخوارزميات عن تقديم توقعات بالدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري لعام 2030.
أكبر مقترضي الصندوق
في عام 2016، خفض البنك المركزي قيمة الجنيه، امتثالًا لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض. ونتيجة لذلك، أصبح كل شيء بين عشية وضحاها أكثر تكلفة. حتى أن الظروف الاقتصادية ساهمت في تفكك العديد من الأسر. ومن ثم زيادة في معدلات الجريمة وحالات الانتحار.
وفي مطلع أغسطس/ آب الماضي، قدّر بنك جولدمان ساكس/ Goldman Sachs أن مصر قد تحتاج إلى تأمين حزمة بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وذلك في الوقت الذي أكد فيه وزير المالية محمد معيط إن الدولة تسعى للحصول على مبلغ أصغر. بينما أشار البنك إلى أنه “من المقرر أن تصل المدفوعات إلى صندوق النقد الدولي إلى 13 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة”.
أيضًا، في أغسطس/ آب، أشارت بلومبرج/ Bloomberg إلى أن مصر كانت واحدة من أكبر المقترضين من صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة. حيث وافقت على برنامج قرض مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016.
ومؤخرا، حصلت مصر على ترتيب احتياطي بقيمة 5.2 مليار دولار. بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار في إطار التمويل السريع لصندوق النقد الدولي. وهي أداة لمساعدة السلطات على معالجة تأثير فيروس كورونا.
وفي تقريره خلال يوليو/ تموز، قدّر البنك أن مصر قد تحتاج لتأمين 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ذلك لتلبية متطلبات التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
يقول التقرير: لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة جديدة في مارس/ أذار. وتركزت التكهنات منذ ذلك الحين على الشروط التي قد يعلقها المقرض على حزمة جديدة.
وقتها، رد وزير المالية على سؤال حول أي طلب من المقرض لخفض قيمة العملة المحلية. قال إن “وزارة المالية تعلق فقط على السياسة المالية”. بينما سمح البنك المركزي بالفعل للجنيه بالتراجع بشكل حاد في مارس/ أذار. وتم تداوله بشكل أضعف منذ ذلك الحين.
اقرأ أيضا: روسيا تجد طريقا جديدا لسوق النفط عبر ميناء مصري صغير
تضاؤل الاحتياطي الأجنبي
أشار تقرير لمؤسسة Capital للتصنيف الائتماني إلى تضاؤل الاحتياطي الأجنبي في مصر. واتساع العجز نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض عائدات العملات الأجنبية. لينخفض صافي الاحتياطي الدولي هذا العام إلى أدنى مستوى له منذ عام 2017.
ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، سجل الاحتياطي تراجعًا بنحو 1.63 مليار دولار بنهاية مايو/ أيار الماضي إلى 35.49 مليار دولار. وذلك مقابل 37.12 مليار دولار نهاية إبريل/ نيسان. وهو ما يُعَدّ أدنى مستوى منذ يوليو 2017.
كان الاحتياطي الأجنبي تراجع بنهاية مارس/ آذار الماضي إلى 37.08 مليار دولار لأول مرّة منذ مايو/أيار 2020، هبوطًا من نحو 40.99 مليار دولار بنهاية فبراير/ شباط. أي بانخفاض قدره 9.5%. ليفقد 3.91 مليار دولار دفعة واحدة. وبذلك يكون الاحتياطي فقدَ أكثر من 5.5 مليار دولار خلال 3 أشهر.
وأشارت مذكرة للبنك الدولي في مايو/ أيار، إلى أنه “من المتوقع أن تتسع نسبة عجز الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام بأكمله 2020/21، بسبب ارتفاع فاتورة الواردات. فضلا عن التأثير السلبي لحرب أوكرانيا على السياحة، وعلى الطلب على الصادرات غير النفطية، ولا سيما من خلال أوروبا”.
لذلك، من المتوقع أن يتدهور حساب رأس المال والحساب المالي، بسبب تدفقات المحفظة إلى الخارج. كجزء من عمليات بيع الأسواق الناشئة الأوسع نطاقاً. “يمكن أن يكون ذلك أكثر وضوحًا في مصر نظرًا للطبيعة المركزة للعلاقات التجارية والسياحية للبلاد مع روسيا وأوكرانيا “.
الضغوط على الجنيه
أثارت الاستقالة غير المتوقعة لمحافظ البنك المركزي طارق عامر، تكهنات دولية حول كيفية تعامل البلاد مع الضغوط المتزايدة على الجنيه المصري. حيث أبقت الحكومة أسعار الفائدة دون تغيير. ليبدو أنها “اختارت توخي الحذر، بعد يوم من استقالة رئيس البنك المركزي المفاجئة، التي أدت إلى تكهنات حول كيفية تعامل البلاد مع الضغوط المتزايدة على عملتها”. حسب Bloomberg.
وأشار تقرير حديث إلى انقسام الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع أجرته وكالة Bloomberg بالتساوي. حول ما إذا كان البنك سيقوم بثالث ارتفاع له هذا العام. غير البعض توقعاتهم إلى حالة تعليق بعد تغيير محافظ البنك المركزي. تاركًا ستة من أصل 12 يشهدون زيادات تتراوح من 50 إلى 200 نقطة أساس.
يأتي التغيير في الوقت الذي يتعافى فيه الاقتصاد من الآثار غير المباشرة لغزو روسيا لأوكرانيا. كما بلغ التضخم أعلى مستوياته في ثلاث سنوات، مع ارتفاع فواتير استيراد الغذاء والوقود. بينما تكافح البلاد لجذب المستثمرين الأجانب، الذين سحبوا حوالي 20 مليار دولار من سوق الديون المحلية هذا العام.
إضعاف الجنيه
وقال التقرير: رفعت الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان المعدلات بمعدل تراكمي 300 نقطة أساس منذ مارس/ أذار. على الرغم من أن ذلك لم يبطئ بعد مؤشر أسعار المستهلك، الذي وصل إلى 13.6% سنويًا في يوليو/ تموز”. مشيرا إلى أنه “يتم تغيير القيادة على خلفية الدعوات المتزايدة لمصر لإضعاف الجنيه لامتصاص الصدمات. حيث تسعى الحكومة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، الذي يفضل سعر صرف أكثر مرونة.
وبينما خفضت الحكومة المصرية بالفعل قيمة الجنيه بنسبة 15% في مارس/ أذار، لكن المستثمرين والاقتصاديين يعتقدون أن أمامها المزيد لتعكس قيمتها الحقيقية.
أيضا، يلفت التقرير إلى أن المستثمرين صعّدوا رهاناتهم على أن مصر ستسمح بمزيد من الانخفاض منذ رحيل عامر. الذي كان ينظر إليه على أنه داعم لاستقرار الجنيه. في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، كان عقد العملة لمدة 12 شهرا في طريقه للوصول إلى أضعف إغلاق له على الإطلاق، في الساعات التي سبقت الاجتماع.