قبل 58 عامًا، افتتح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأليكسى كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، شركة النصر لفحم الكوك، التي ساهم الروس في بنائها لمدة 4 سنوات، وسط ضجيج آلات طغى على هتافات العمال الفرحين حينها، بميلاد مصنع جديد على أرض منطقة حلوان بالقاهرة. واليوم الاثنين، شهد الموقع ذاته تراص العمال -لمرة أخيرة- في انتظار الحصول على مستحقات نهاية الخدمة، بعد قرار الجمعية العمومية غير العادية تصفية المصنع .

اليوم، فصلت الطاقة عن الآلات، وتوقف تصاعد الدخان، وعم الصمت ليسكت ضجيجًا استمر منذ افتتاح الشركة رسميًا في 1964.

يقول البعض أن شركة النصر لصناعة الكوك وحدة صناعية متقادمة، ارتبط بقاؤها بتوريد الفحم لصالح شركة الحديد والصلب المصرية، وأن تصفية إحداهما تتطلب فصل جهاز التنفس الصناعي عن الأخرى. ومن ثم الإعلان رسميًا عن نهايتها. لكن هذا غير  حقيقي.

إذ أن الاسم الكامل لهذه المنشأة الصناعية المهمة: “النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية (كيميكوك)”. أي أن الكوك مجرد منتج بين 15 منتجًا آخر للشركة.

افتتاح شركة النصر للكوك في 1964
افتتاح شركة النصر للكوك في 1964

تصفية أعمال “النصر لفحم الكوك” يعتبر أول “تطور” ملحوظ في عهد وزير قطاع الأعمال العام الجديد محمود عصمت، الذي كان قد قرر تأجيل موعد انعقاد جمعيتها العمومية غير العادية لمدة 3 أسابيع للنظر في التصفية. لكن التأجيل لم يمنع حدوث القرار المنتظر، لتصبح الشركة هي الرابعة التي تخضع للتصفية بعد الحديد والصلب ومصر للملاحة والقومية للإسمنت.

قرار الجمعية كان بمثابة تحصيل حاصل؛ فوزير قطاع الأعمال السابق هشام توفيق، حسم ملف تعويضات العمال قبل رحيله وقبل انعقاد الجمعية، وفقًا لآليات تعويض عمال شركة الحديد والصلب المصرية، التي صدر قرار تصفيتها العام الماضي.

الكوك وصناعات أخرى

بدأت النصر للكوك إنتاجًا يخدم شركة الحديد والصلب في عام 1964. وكانت الأخيرة تعتمد بشكل أساسي على فحم الكوك لتشغيل وتدوير أفرانها.

ومع الوقت شهدت منتجات النصر للكوك تطورًا ملحوظًا، لتتضمن الصناعات التعدينية والكيميائية والغذائية. وكذلك المساهمة في قطاعات البناء والزراعة والبحوث، وقطاعات أخرى متنوعة.

تمتلك الشركة 4 مصانع؛ أهمها مصنع الكوك، ويتكون من خطين لإنتاج الكوك، ومثلهما للكيماويات. إذ يتم تحويل الفحم الحجري إلى “كوك”، وتستخلص الكيماويات من الغازات الناتجة من البطاريات.

يتكون خط الكوك الأول من بطاريتين بكل منها 50 فرنًا، ولهما نفس الطاقة 350 ألف طن سنويًا. بينما يتكون الخط الثاني من بطاريتين بسعة أكبر لكل منها 65 فرنًا، ولهما طاقة إنتاجية قدرها 550 ألف طن سنويًا.

كذلك، تستخلص الشركة القطران والكيماويات كمنتجات ثانوية تدخل في إنتاج منتجات ذات قيمة بيعية، مثل كبريتات الأمونيوم 20.6% نتروجين، والبترول الخام والبنزول الخام.

الخامة الأساسية المستخدمة في الإنتاج هي الفحم الحجري الذي يتم شراؤه من منتجيه في القارات الثلاث (أوروبا – أستراليا – أمريكـا الشمالية).

وتملك الشركة أيضًا مصنعًا للقطران، وهو منتج ثانوي من عملية التكويك، تتم معالجته للحصول على منتجات عديدة ذات قيمة، مثل قار الأقطاب، وزيت أنثراسين لصناعة أسود الكربون، وزيت الكريزوت، والنفتالين، ويتم تصدير المنتجين الآخرين إلى الخارج.

أما مصنع النترات، فتم إنشاؤه لانتاج نترات الأمونيوم المسامية اللازمة لصناعة المتفجرات وباقي المنتجات النيتروجينية مثل حامض النيتريك المخفف والمركز ونترات الأمونيوم النقية، ومن ضمن المنتجات ذات القيمة والجودة العالية والتى يتم تصديرها الى الخارج التى اكتسبت سمعة طيبة . بيكربونات الأمونيوم  التي لها استعمال غذائي، ونترات الأمونيوم المسامية (34.8 % نيتروجين).

هل توجد بدائل؟

تنتج الشركة “قار الأقطاب” الذي يستخدم كمادة رابطة في صناعة أقطاب خلايا التحليل الكهربائي بمصانع الألومنيوم. ويدخل في العديد من الخلطات التي تستخدم كعوازل ضد الصدأ تحفظ مواسير المياه والأسطح المعدنية. وكذلك في تصنيع بعض الدهانات، إلى جانب النفتالين الخام والنقي الذي يستخدم في صناعة حمض الفيثاليك انهيدريد وصناعة قنابل الدخان، وبعض أنواع الصبغات، وحفظ الملابس والحقائب في المصانع والمنازل والمحال.

كما تنتج أسود الكربون المستخدم في المطاط والأحبار والصابغات وبعض أنواع الدهانات. وكذا زيت الكريزوت الذي يحفظ الأخشاب ويستخدم في صناعة البويات والدهانات، وصناعة الفنيك. فضلًا عن حامض النيتريك المخفف الذي يستخدم في صناعة المتفجرات والصبغات ومعامل الكيماويات.

ومن بين منتجات الشركة أيضًا كبريتات الأمونيوم المستخدم في الأسمدة النتروجينية ومعالجة المياه و الدباغة، والبنزول الخام المستخدم في صناعة البلاستيك والمبيدات الحشرية والمنظفات. علاوة على استخدامه كمذيب عضوي، والمصرتان (صوديومي – أمونيومي). والأول يستخدم كمساعد انتشار للبويات الملونة القابلة للذوبان في المياه. بينما الثاني مادة تعيد دباغة جلد الكروم.

تنتج الشركة أيضًا صوديوم تلوين سلفونات، وهو مانع تصلد للمنظفات البودرة. كما تنتج “المصرونيا” المستخدم في صناعة نترات الأمونيوم المسامية لزيادة صلابة الحبيبات واستدارتها ومنع تكتلها. وتشمل كيماويات الإضافات الخرسانية بأنواعها. وتتضمن قائمة المنتجات الملح الصوديومي لسلفونات النفتالين عالي التكاثف المستخدم في مجال الخرسانة الجاهزة.

لماذا التصفية؟

لدى الشركة ثلاثة أرصفة؛ أولها بميناء الإسكندرية، خاص بتصدير فحم الكوك إلى الخارج، وتفريغ الفحم الحجري (المادة الخام)، بمعدل قرابة 4000 طن/ يوم، وسعة 45 ألف طن، والثاني بميناء الدخيلة بالإسكندرية لتفريغ الفحم الحجري، بمعدل يومي حوالي 3000 طن، وسعة 100 ألف طن، أما الثالث فرصيف على النيل، لاستقبال الصنادل ونقل المادة الخام والمنتجات، بمعدل شحن وتفريغ حوالي 4000 طن يوميًا.

تُظهر بيانات الشركة في العام المالي (2019-2020) تحقيق خسائر بلغت 238 مليون جنيه، مقابل أرباح بلغت 120 مليون جنيه في العام الذي سبقه (2018-2019). كما تشير إلى تراجع المبيعات بنسبة 50%. وقد انخفضت من 1.7 مليون جنيه في العام (2018-2019) إلى 873 مليون جنيه عام (2019-2020). ذلك رغم أن الشركة كانت تستهدف في ذلك العام مبيعات بنحو 2.9 مليار جنيه.

وبحسب الشركة القابضة للصناعات، فإنه لا جدوى من تطوير الشركة على المستوى الاقتصادي. خاصة في ظل عدم وجود مستقبل لصناعة الكوك من الأساس؛ لأن العالم يتجه ناحية الطاقة النظيفة الخضراء. لكن عصام الدين صبري، رئيس اللجنة النقابية لشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية، يرفض هذا الحديث.

أرباح 114 مليون في إبريل

يقول “صبري” إن القوائم المالية لشهر إبريل/ نيسان الماضي تظهر أن الشركة حققت أرباحًا تقدر بـ114 مليون جنيه. وهو يؤكد أن صناعة الكوك استراتيجية ومطلوبة في مختلف المجالات، مشيرًا إلى أن الشركة كانت تُصدر بعض المنتجات إلى ألمانيا وباليورو، قبل وقف وزارة البيئة استيراد الفحم.

ويعزو “صبري” خسارة الشركة عام 2020 إلى أزمة كورونا. لكنه يستدرك -في تصريحات تلفزيونية- بأن الشركة نجحت في الانتقال للربحية عام 2021، وحققت أرباحًا تصل إلى 45 مليون جنيه. ويضيف أن الشركة لجأت لاستخدام الغاز الطبيعي عند وقف استخدام الفحم، لافتًا إلى أن وزارة البيئة كانت تضيق الخناق عليها فيما يتعلق بالملوثات، رغم وجود أنشطة مثل مصانع الطوب وعوادم السيارات.

وفي منتصف أغسطس/ آب الماضي، أعلن الدكتور إيهاب رمزي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أنه بصدد تقديم طلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمود عصمت وزير قطاع الأعمال الجديد ضد قرار التصفية.

أوضح “رمزي” -في بيان وقتها- أن الكوك سلعة استراتيجية مهمة للاقتصاد القومي، تدخل كمكون رئيسي في صناعات استراتيجية محلية كثيرة، وأن شركة النصر لم تحقق خسائر منذ نشأتها عام 1960 إلا عامي 2019/ 2020 و2020/ 2021 بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19)، وكذلك فرض الحظر البيئي على حرية الشركة في شراء كميات الفحم اللازمة لاستغلال كامل الطاقة الإنتاجية المتاحة.