استمرارًا لنزوح الشركات العالمية نحو الخليج العربي بدلًا من مصر افتتحت شركة أمازون منطقتها الثانية لمراكز بياناتها في الشرق الأوسط -“منطقة أمازون سيرفيسز الشرق الأوسط-الإمارات” في 30 أغسطس/آب الماضي.
ومن المتوقع للمشروع أن يكون قادرًا على توفير نحو 6 آلاف وظيفة. باستثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار في أقل من 15 عامًا.
بعدها بيوم واحد أعلنت شركة مايكروسوفت العالمية إنشاء منطقة مراكز بيانات سحابية واسعة النطاق في دولة قطر. باستثمارات أولية تقدر بحو 1.5 مليار دولار -بحسب بيان الشركة.
وتعدّ المنطقة هي رقم 25 لشركة مايكروسوفت على مستوى العالم وستوفر نحو 365 وظيفة.
أزمة الرسوم المرتفعة
شركتا أمازون ومايكروسوفت ليستا أول من فضلوا الإمارات وقطر على مصر. سبقتهما شركات مثل جوجل وسامسونج ومرسيدس. إذ وفقًا لبيانات حكومية إماراتية فإن نحو 25% من أكبر 500 شركة عالمية تتخذ من الإمارات مقرا لعملياتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفضلت 22 شركة عالمية العاصمة السعودية “الرياض” على القاهرة وأنشأت فروعًا لها هناك -حسبما أعلن الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض فهد الرشيد.
وفي قطر هناك أكثر من 20 شركة عالمية تتخذ من الدوحة مقرًّا لها. أبرزها فولكسفاجن الألمانية ورويال داتش الهولندية.
وقد اتفق المحللون والخبراء على أن الرسوم المرتفعة التي تفرضها “الشركة المصرية للاتصالات” على مؤسسات التكنولوجيا. فضلاً عن احتكارها لعملية توصيل الإنترنت تحدّ من قدرة مصر على المنافسة أمام البلدان الخليجية.
ارتفاع تسعيرة المصرية للاتصالات
يقول المهندس خالد نجم وزير الاتصالات السابق إن أول سبب يُضعف قدرة مصر على جذب الشركات العالمية هو معاناة المؤسسات في إخراج أرباحها أو أموالها في أي صورة من مصر بسبب القيود المفروضة من جانب الدولة.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أنه رغم مرور نحو 15% من كابلات الإنترنت بمصر فإن نصيب البلاد منخفض من حيث وجود المؤسسات العالمية بسبب “تسعيرة الشركة المصرية للاتصالات المرتفعة” مقارنة بغيرها من الشركات.
ويصف الوزير السابق معاملة الشركة المصرية للاتصالات للمستثمرين بـ”دي بتعذب أي حد سواء محلي أو دولي”. وذلك لأنها ترفع أسعارها بشكل مبالغ فيه. وبالتالي تحد من قدرة البلاد على المنافسة مع البلدان الأخرى بالشرق الأوسط.
تصرفات الشركة المصرية للاتصالات تُشجع بلدانا أخرى على منافسة مصر -وفقًا لوزير الاتصالات السابق. مضيفًا أن إدارة الشركة “غير حكيمة” في هذه المسألة. ويُشير إلى فقدان مصر ميزة الموقع المتميز بسبب الأسعار المرتفعة واحتكار الشركة لعملية توصيل الإنترنت والكابلات في مصر.
ويشرح “نجم” أن أسعار الإنترنت والتوصيلات “اللينكات” التي تُعطيها المصرية للاتصالات للشركات سواء الأجنبية أو المحلية مرتفعة مقارنة بالأسعار في بلدان الشرق الأوسط. خاصة دول الخليج. ويُضيف أن مصر لا بد لها أن تُعطي مزيدا من التسهيلات للشركات في مجال الاتصالات مثل “تسهيلات في الحصول على الأراضي الصناعية وفي أماكن مميزة”. فضلا عن تسهيلات في الضرائب والرسوم والجمارك لجذب المستثمرين.
الاحتكار
يقول “نجم” إن أسباب تفضيل شركات “جوجل وأمازون” الإمارات على مصر في إنشاء مقار لهما بالشرق الأوسط ترجع إلى المميزات والتسهيلات التي تقدمها الإمارات مقارنة بالتعقيدات والإجراءات الروتينية في مصر.
وعن أسباب احتكار المصرية للاتصالات عملية توصيل الكابلات والإنترنت “الداتا” في مصر يكشف أن الدولة تعتبر ذلك “أمن قومي”. وبالتالي تستغل المصرية للاتصالات هذا الوضع لصالحها وتفرض أسعارا مرتفعة مقارنة بمستوى خدماتها.
ويُتابع أن الوضع في الإمارات خلافًا لمصر. إذ لا تحتكر الدولة عملية توصيل الإنترنت أو التوصيلات وتسمح بالمنافسة.
ويقول الباحث وينستون كيو في دراسة أعدها حول الكابلات البحرية العابرة لمصر بأن الشركة المصرية للاتصالات هي المحتكر والمشغل الوحيد للشبكات الثابتة والكابلات الدولية في مصر.
وتعدّ مصر مركزًا للكابلات التي يعبر منها الإنترنت. إذ يعتمد ثلث العالم “نحو 17%” على مصر للوصول إلى الإنترنت. حيث يمر عبر مصر 17 كابلاً.
ويُضيف في الدراسة الصادرة في إبريل/نيسان 2021 أنه قّيَم أسعار 12 كابلا بحريًا يمر بمصر. فوجد أن الشركة المصرية للاتصالات تفرض أسعارًا مرتفعة عند تقديم خدماتها. سواء لاستخدامات محطات الإنزال أو العبور عبر الكابلات الأرضية بين البحرين الأحمر والمتوسط.
ويُوضح “كيو” أنه خلال الفترة بين 2000 و2019 بلغ حجم الرسوم التي فرضتها المصرية للاتصالات على الكابلات الـ12 ما مجموعه 369 مليون دولار “نحو 7.2 مليار جنيه مصري”. إضافة إلى رسوم التشغيل والصيانة.
رسوم الكابلات عالية
ويُكمل أن رسوم العبور من الكابلات الـ12 أسهمت بما يتروح بين 6.62% و17.39% من إيرادات الشركة المصرية للاتصالات خلال الفترة من 2008 إلى 2019. بمتوسط نحو 11.6%.
ويتفق “كيو” في دراسته على أن الرسوم التي تفرضها المصرية للاتصالات مرتفعة مقارنة بالدول الموجودة في الشرق الأوسط.
كما تتفق شركة Equinix -المتخصصة في البنية التحتية لكابلات الإنترنت العالمية- على أن “المصرية للاتصالات” استغلت احتكارها وفرضت رسوما مرتفعة على مُشغلي الكابلات.
المساءلة مطلوبة
من جهته يتساءل الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي قائلا: “هذه الشركات وعلى رأسها أمازون اختارت في البداية مصر كوجهة لها في الشرق الأوسط. ثم بعد مشاورات مع مسئولي هيئة الاستثمار المصرية فجأة قرأنا أخبارًا عن إنشاء أمازون فرع لها في الإمارات. لماذا؟”.
ويقول لـ”مصر 360″ إنه يجب على هيئة الاستثمار أن تُوضح تفاصيل هذه المسألة. فإذا كانت شركة أمازون أو غيرها لها اشتراطات مجحفة تكشف هذا للرأي العام. أو إذا كان هناك تقصير يتم معالجته.
سرعات منخفضة
بحسب موقع speed test المتخصص في حساب سرعات الإنترنت الثابت احتلت مصر المرتبة رقم 80 من بين 182 دولة على مستوى العالم. حيث وصلت سرعة تنزيل الداتا 43.3 ميجا بايت. وسرعة الرفع upload نحو 7.07 ميجا بايت.
وفي إنترنت الهاتف المحمول احتلت مصر المرتبة 81 من بين 140 دولة على مستوى العالم. بمعدل سرعات 23.18 ميجا بايت. وسرعة الرفع upload نحو 6.95 ميجا بايت.
هذا في الوقت الذي احتلت فيه دول الخليج مراكز متقدمة جدًا على مستوى العالم من حيث سرعات الإنترنت “الثابت والمحمول”. إذ يُظهر تقرير speed test أن الإمارات احتلت المرتبة الأولى عالميًا من حيث سرعة إنترنت الهاتف المحمول بسرعة 120.35 ميجا بايت. فيما جاءت قطر في المرتبة الثانية بمعدل سرعة 117.43 ميجا بايت. والسعودية في المركز الثامن بمعدل 96.23 ميجا بايت.
وفي الإنترنت الثابت جاءت الإمارات في المرتبة رقم 11 عالميًا بمعدل سرعة تنزيل بلغت 126.70 ميجا بايت. فيما جاءت الكويت في المرتبة رقم 14 بمعدل سرعة 120.09 ميجا بايت. وقطر في المرتبة رقم 37 بمعدل سرعة 84.90 ميجا بايت. ثم السعودية في المرتبة 39 بمعدل سرعة 83.82 ميجا بايت -وفقًا لتقرير سبيد تست.