بعد أكثر من أسبوع من محاولات إزالة النفط من شواطئ مدينة دهب عقب التسريب الذي انتشر في 14 أغسطس/ آب الماضي، لا تزال بقع من النفط تنتشر على طول ساحل المدينة السياحية الصغيرة الواقعة على خليج العقبة في جنوب سيناء، تفصلها مسافة ساعة فقط عن شرم الشيخ، حيث سيعقد مؤتمر المناخ العالمي COP27 في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وهو أمر يدعو للتساؤل عن قدرة الحكومة على التعامل مع الكوارث البيئية.

في محاولة لإزالة آثار التسرب النفطي، بسبب إحدى السفن في ميناء العقبة الأردني، قاد المتطوعون والمنظمات البيئية المحلية جهودًا لإزالة النفط من شواطئ المدينة. وقد شاركت فيها المبادرة البيئية التطوعية “إيكو دهب”، وغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية بوزارة السياحة، التي دقت ناقوس الخطر في 16 أغسطس/ آب، عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، توثق التسرب النفطي، وتحذر منه.

آثار البقعة النفطية على شواطيء دهب

أيضًا، أجرى مركز السلام لمكافحة التلوث البحري في شرم الشيخ، التابع لوزارة البيئة، مسحا للمنطقة، وتولى السيطرة الفورية على الأضرار.

وفقًا لبيان الوزارة، شارك نحو 50 فردًا من المجتمع المحلي في إزالة النفط من الشاطئ. بينما وجه المجلس المحلي لمدينة دهب شركة النظافة الخاصة بالمدينة لنقل الملوثات إلى مكب للنفايات.

وحسبما قالت نادين وهاب، مؤسسة مبادرة “إيكو دهب”، فقد حصل المتطوعون على قفازات ومجارف “وبدأنا في استخدام حاويات مياه سعتها 19 لترًا، مع قطع الجزء العلوي منها لتخزين الزيت الذي أزلناه”.

اقرأ أيضًا: التغير المناخي| ما موضع مصر من خطة “الشرق الأوسط الأخضر”؟

كيف ظهر التسرب؟

وفق التقديرات، يبدو أن النفط قد نقل عبر التيارات البحرية من ميناء العقبة الأردني، حيث تسرب في وقت سابق من هذا الشهر نحو 11.4 طن من نفط سفينة راسية في خليج العقبة. بينما تسببت حركات المد والجزر في بقاء معظم النفط المتسرب في ميناء العقبة نفسه، وفقًا لما قاله مسئول بوزارة البيئة والسياحة الأردنية لصحيفة “جوردان تايمز/ Jourdan Times”. وقد أضاف أن “آثارًا صغيرة للمادة الملوثة وصلت إلى الشواطئ في الدول الثلاث المجاورة المحيطة بالخليج العقبة. وهي مصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل”.

بالنسبة لمصر، فقد تأثرت بالتسرب النفطي منطقة يصل طولها إلى نحو 1.5 كيلومتر على طول ساحل دهب وبشكل واضح. حيث تراكمت كتل من النفط الخام على الشاطئ، وفق بيان وزارة البيئة، التي قالت إن ذلك يشمل مناطق الايل جاردن والعصلة والزرنوق. حيث “جرى جمع نحو 4 أطنان من المخلفات الزيتية ونقلها إلى مكب النفايات”، وفقا للبيان.

أوضح بيان وزارة البيئة أيضًا أن مسئولين من محميات جنوب سيناء “جمعوا عينات من النفط من الأماكن المتضررة لتحليلها بمعامل جهاز شؤون البيئة بالسويس. ذلك للوقوف على مصدرها، ومعرفة المتسبب، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة”.

وفي غضون ذلك، تجري السلطات الأردنية “تحقيقًا قضائيًا” خاصًا بها في حادث تسرب العقبة. فيما تشير النتائج الأولية إلى أنه كان نتيجة “مشاكل فنية” على متن سفينة “بالاو” المسجلة “فلاور أوف سي”.

كما قدم الأردن تقريرًا عن حادث التسرب إلى الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن.

ونقلت “إنتربرايز” عن محمود حنفي، أستاذ الأحياء البحرية بجامعة قناة السويس والمستشار العلمي لمنظمة حماية البيئة في الغردقة، قوله: “الآثار المترتبة على تسرب النفط على الحياة البحرية، بما في ذلك الطيور البحرية، وخيمة، ويمكن أن تجعل مخزون الصيد غير آمن للاستهلاك البشري”.

الآثار البيئية

وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية، يصعب تنظيف التسرب النفطي بمجرد وصوله إلى الشاطئ. ذلك لأنه انتشر عبر منطقة أوسع ويصعب استخراجه من الرمال أكثر من الماء. بينما إزالة النفط من سطح المحيط في أعقاب التسرب مباشرة، يمكن أن يزيل نحو 40% من الملوثات في أفضل الأحوال.

في معظم الأماكن، يتم خلط الزيت مع الحصى على الشاطئ، ما يجعل من الصعب إزالته تمامًا، وفق حديث نادين وهاب لـلمونيتور/ Al-Monitor.

تضيف حول طريقة التنظيف المرهقة، فتقول: “إن الحيلة تكمن في غربلة الحصى بأصابعك. بهذه الطريقة، يسهل فصل كتل الزيت اللاصقة عن الرمال”. وتؤكد أن المنطقة محمية طبيعية رسمية. “وبالتالي، لا يمكن نقل الأحجار الكبيرة لأنها قد تزعج النظام البيئي. ما يعني أن تلك المغطاة بالنفط تُترك لتلوث الشاطئ”.

تقول نادين: “في الأيام الأولى، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الموظفين الحكوميين يقومون بالتنظيف جنبًا إلى جنب مع المتطوعين”.

حتى الآن، هناك تقارير متضاربة حول حجم التسرب الذي يتراوح بين 700 متر مربع من حيث الانتشار، و11 طنًا من حيث الكم. لكن، أحمد دروبز من جرين بيس/ Green Peace يقول لموقع المونيتور: “بغض النظر عن صغر حجم النفط، فهو سام وضار بالبيئة”. ويوضح أنه “بمجرد حدوث تسرب نفطي، من الممكن فقط استرداد نسبة صغيرة منه. حتمًا سيبقى في الماء، ما يؤدي إلى موت الكائنات البحرية، ويؤثر على الحياة البحرية بشكل عام ويدخل في السلسلة الغذائية”.

في الوقت نفسه، قدم أمين لجنة التخطيط والميزانية البرلمانية استبيانًا إلى وزارة البيئة. متسائلًا: “لماذا تأخرت وزارة البيئة في التعامل مع أزمة بهذه الخطورة؟ أين أدوات الوزارة للتعامل مع مثل هذه الأزمات مثل معدات التخلص من الانسكابات النفطية؟ خاصة في ظل استعداد الدولة لاستقبال حدث عالمي مثل قمة التغير المناخي”.

ويتابع: “لماذا يتم اتخاذ كل خطوة لحل الأزمة في محافظة مختلفة؟ بمعنى أكثر تفصيلًا، لماذا لا توجد مختبرات لتحليل عينات البقع النفطية في كل محافظة ساحلية؟ وذلك لتجنب التأخير في معرفة مصدر التلوث ومن المسئول عنه. ثم التعامل السريع مع الوضع، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطرف المتسبب في التلوث”.

هناك تقارير متضاربة حول حجم التسرب الذي يتراوح بين 700 متر مربع إلى 11 طنًا

اقرأ أيضا: لماذا دفعت مصر 500 مليون دولار للقوة متعددة الجنسيات في سيناء؟

تنفيذ قوانين البيئة

وفق تقرير صادر عن المركز الأوروبي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يجرم القانون رقم 4 لعام 1994 تلويث البيئة البحرية. وتنص المادة 50 على أن المشاركين في نقل النفط والعاملين في استخراج النفط مسئولون عن تنبيه السلطات إلى وقوع حادث انسكاب نفطي، فضلا عن وقف التسرب وإزالة الضرر.

هذا ينطبق على أي سفينة، سواء كانت قادمة من بلد ملزم بالاتفاقية الدولية لحماية البيئة البحرية لشمال شرق المحيط الأطلسي أم لا.

ويذكر تقرير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كذلك أن “هذه المادة غالبًا ما لا تطبق نصوصها”. ذلك رغم تكرار الجريمة، وسهولة تحديد الجاني.

ومع ذلك، في مصر، لم يدخل هذا التشريع حيز التنفيذ أبدًا، على حد قول دروبز.

يوضح أن إنفاذ القانون من قبل شرطة البيئة ليس فقط غير كاف. بل “هناك أيضًا مشكلة في كيفية إدراك القضاء للانتهاكات البيئية”.

يقول: على سبيل المثال، إذا كان القانون ينص على أن المصنع يجب أن يدفع غرامة تصل إلى مليون جنيه مصري إذا كانت هناك منشأة تنتهك معايير الانبعاثات الخاصة بها، فإن القاضي غالبًا ما يضع الحد الأدنى من العقوبة موضع التنفيذ”.

ويشير دروبز إلى أن “الساعات الثماني والأربعين بعد التسرب النفطي هي الوقت الأساسي للتدخل والتواصل الواضح”. لكن -وفق حديثه- كان النهج الذي اتبعته الحكومة المصرية “أسلوبًا يتسم بالحد الأدنى من الشفافية والتواصل بشأن ما يجري على الأرض”. ويضيف: “لقد كشف ذلك أيضا ضعفنا وعدم استعدادنا وتعبئة القدرات على الأرض”.