“ارفع يدك إذا كنت تريد أن تهبط هذه الطائرة في بلادك”. هذا ما كتبه مقدم البرامج ستيف كورتيس في قناة “نيوزماكس/ Newsmax، ساخرا عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تعليقًا على الصورة الشهيرة للأفغان على متن الطائرة الأمريكية الأخيرة التي غادرت مطار كابول في أغسطس/ آب 2021.

كانوا يحاولون الفرار من حكم طالبان بكل السُبل، حتى لو كلفتهم تلك المحاولة حياتهم، كما حدث لكثيرين. بينما جلس آخرون في الطائرة -وما سبقتها من طائرات أخرى- يتنفسون الصعداء، حالمين بأن ينظروا من النوافذ الصغيرة، بعد ساعات، إلى تمثال الحرية.

طابور من المتعاونين الأفغان في مطار كابول خلال الانسحاب الأمريكي في أغسطس/ آب 2021

إدارة بايدن – التي واجهت انتقادات شديدة لطريقة الخروج من أفغانستان وفشل إجلاء العديد من المتعاونين معها – تقول إنها “لم تتعهد أبدًا بتوفير ملاذ للجميع”. لم يكن هذا الرد جيدًا مع من تم إجلاؤهم وأنصارهم، الذين أشاروا إلى أن الرئيس بايدن قال إن الولايات المتحدة “لن تترك حلفائها الأفغان وراءهم”.

لم يكن العامل الأكثر أهمية في تحديد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الأفغان الذين وجدوا طرقًا سريعة للوصول إلى الولايات المتحدة هو قوة صلاتهم بالولايات المتحدة. كان الأمر يتعلق بما إذا كانوا قد وصلوا إلى ما يسميه المسئولون الحكوميون “ذيل رمادي”، أي طائرة عسكرية أمريكية، مقابل “ذيل أبيض”، وهي طائرة تجارية أو مستأجرة.

اقرأ أيضا: أفغانستان.. فوتوغرافيا الموت والانسحاب

في نهاية المطاف، هبط أكثر من 76 ألف أفغاني في القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج خلال الخريف الماضي. وتم نقل هؤلاء إلى الولايات المتحدة لإعادة توطينهم، في محاولة أطلقت عليها الإدارة اسم “عملية الترحيب بالحلفاء”. بينما قال تاكر كارلسون، المقدم الشهير على شبكة فوكس نيوز/ Fox news: “أولا نحن نغزو، ثم يتم غزونا”.

معظم هؤلاء الأفغان الذين صعدوا إلى “ذيول بيضاء” لم يهبطوا في القواعد الأمريكية. لقد هبطوا في بلدان أخرى، وكانت هذه بداية فوضى بيروقراطية استمرت لمدة عام، تتحرك الآن فقط نحو حل، بالنسبة للبعض ممن فاتهم الذيل الرمادي.

كان الأمر يتعلق بما إذا كانوا قد وصلوا عبر “ذيل رمادي” أي طائرة عسكرية أمريكية أم “ذيل أبيض” وهي طائرة تجارية أو مستأجرة

مصير المتعاونين.. ذيل أبيض أم رمادي؟

وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال/ The Wall Street Journal“، لم تسمح إدارة الرئيس جو بايدن لأي أفغاني بالدخول إلى الولايات المتحدة من خلال البرنامج الذي تم الكشف عنه لمساعدة أولئك الذين يعملون لصالح المجموعات والشركات الأمريكية، بسبب المتطلبات الصارمة للبرنامج. وهو “الأمر الذي يشير إلى التحديات المحتملة للأوكرانيين الذين يأملون في الوصول إلى الولايات المتحدة”، وفق ما يذكره التقرير.

ترجع تلك التعقيدات إلى أنه بعد أيام من إجلاء نحو 124 ألف شخص من أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة تستوعب حقيقة أنها لا تعرف هوية الكثيرين منهم، حسب تقرير بثته وكالة “بلومبرج/ Bloomberg”.

نقلت “بلومبرج” – آنذاك – عن مسئولين حكوميين ونشطاء حقوقيين -لم تُسمّهم- القول: “يظهر أن ما حدث هو أن الأشخاص الذين تعهدت الولايات المتحدة بوضعهم على رأس قائمة أولوياتها يشكّلون نسبة صغيرة من المواطنين الأفغان الذين غادروا البلاد. ويشمل هؤلاء الآلاف الذين عملوا لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك موظفي الهيئات غير الحكومية، والمؤسسات الإعلامية”.

وقال مسئول تحدث عن المسألة بشرط عدم كشف هويته، إن الولايات المتحدة تدرس تقارير بأن رجالًا مسنين، ربما تم إدخالهم رفقة فتيات صغيرات زعمن أنهن “عرائس” أو تعرضن للاعتداء الجنسي، وفق وكالة “أسوشيتد برس”.

يقول جيمس ميرفالديز، من منظمة “لن نترك خلفنا أحدًا/No One Left Behind” – وهي منظمة غير ربحية تساعد في جهود إعادة التوطين: “هؤلاء الأشخاص خضعوا لقواعد القانون، وكانوا ينتظرون الخارجية الأمريكية لإجلائهم، وكان هذا وعدًا آخر لم يُنفذ.. الأرقام مقلقة للغاية”.

كان وزير الدفاع لويد أوستن، قد صرّح قبل عام، بأن برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة “صُمم ليكون عملية بطيئة”. وأضاف: “نحن بحاجة إلى نوع مختلف من القدرات” للإجلاء الجماعي. بينما أشار الجنرال جلين فانهيرك، قائد القيادة الشمالية الأمريكية، إلى أن “الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تعاملت معهم الولايات المتحدة لم يتقدموا للحصول على التأشيرات”.

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في إيجاز صحفي. إن 70 إلى 80% من الأشخاص الذين نقلوا جواً من أفغانستان، كانوا “أفغانًا معرضين للخطر”.

مأزق التأشيرات

منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، واجه المترجمون الفوريون تهديدات وعمليات اختطاف وهجمات، لارتباطهم بالقوات الأمريكية. قُتل المئات منهم على أيدي مسلحين، وقد تعرضت الإدارات المتعاقبة لانتقادات، بسبب التأخير في منح التأشيرات للعراقيين الذين خدموا إلى جانب القوات الأمريكية.

وقد انخفض عدد اللاجئين العراقيين الذين تم قبولهم في الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق من 9880 في عام 2016، إلى 140 في عام 2018.

وفي السنة المالية 2016، تم قبول 325 عراقيًا ممن عملوا كمترجمين في الولايات المتحدة. وفي عام 2017، انخفض العدد إلى 196. وبالنسبة للسنة المالية 2018، حصل اثنان فقط من المترجمين الفوريين السابقين من العراق على تأشيرات دخول، بانخفاض أكثر من 99% على مدى ثلاث سنوات. ذلك وفقًا للإحصاءات من خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية USCIS عام 2019. والتي حصلت عليها NBC News.

يقول النائب جيمي راسكين – ديمقراطي من ولاية ماريلاند ضغط على إدارة ترامب بسبب التأخير في قرارات التأشيرات للمترجمين الفوريين العراقيين والأفغان السابقين: “إنه وضع فاضح ولم تقدم إدارة ترامب سببًا وجيهًا لذلك. من سيرغب في العمل معنا في المستقبل إذا لم نفي بوعودنا؟”.

عند وقوع أزمة ركاب “الذيول البيضاء” الأفغان، تمسكت الولايات المتحدة على الفور بعرض ألبانيا، واحدة من الدول الأصغر والأفقر في حلف الناتو. والتي أرسلت ما يزيد قليلاً عن 4100 جندي على مدار 20 عامًا في أفغانستان.

وفي وقت مبكر من عملية الإجلاء التي قادتها الولايات المتحدة. قال رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، إن بلاده -الحليف القوي للولايات المتحدة- مستعدة لاستقبال آلاف الأفغان الفارين.

وأضاف: يتعين على الدول الأعضاء في الناتو أن تعتني بالأشخاص الذين كانوا هناك من أجلنا وعملوا معنا. وآمنوا بما كنا نأتي به إلى هناك ومتوافقين مع ما أردناه لمستقبل أفغانستان. وقبل 30 عامًا، كنا بصراحة مثل الأفغان. كنا نهرب واحتجنا إلى مأوى، وتم إيواؤنا.

هبط أكثر من 76000 أفغاني على القواعد العسكرية الأمريكية وتم نقلهم إلى الولايات المتحدة لإعادة توطينهم ضمن “عملية الترحيب بالحلفاء”

اقرأ أيضا: زيارة قصيرة لعاصمة طالبان المتوترة/الهادئة

بديلا عن المخيمات

كانت هناك محاولات للفرار من أفغانستان في الأسابيع الثلاثة الأخيرة المحمومة من الانسحاب الأمريكي. أكثر بكثير من عدد المقاعد الموجودة في الولايات المتحدة. لذلك، في غضون بضعة أشهر، استقبلت ألبانيا حوالي 2500 أفغاني. وقرر رئيس وزراء الدولة الصغيرة المتحمس للضعفاء في وقت مبكر أنه لن يضعهم في مخيم للاجئين. قال إنه أراد أن يمنحهم الكرامة والهدوء “وهو ما أردناه عندما كنا الأفغان ذات مرة”.

وبحلول ديسمبر/ كانون الأول، احتل أكثر من 1700 أفغاني 485 غرفة من أصل 657 غرفة في فندق “رافائيلو” بالبلدة. كما قال بليدار شيما، المدير العام للفندق، والذي وصفه بأنه “يشبه المجتمع الأفغاني المحتجز”.

لكن راما، الذي قال في البداية إن ألبانيا ستعمل “كمكان عبور لعدد معين من المهاجرين السياسيين الأفغان. الذين تعتبر الولايات المتحدة وجهتهم النهائية”. قال لاحقًا إنه “لم يكن هناك أبدًا جدول زمني متفق عليه لهؤلاء المغادرين”.

بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل هؤلاء الأفغان، زارت مراسلة الواشنطن بوست أبيجيل هوسلوهنر، بصحبة المصورة إلير تسوكو. مدينة شينجين، وهي بلدة منتجعية ذات رقعة طويلة وواسعة من الرمال على الساحل الشمالي لألبانيا. على بعد ما يزيد قليلاً عن ساعة بالسيارة من العاصمة تيرانا. وتضم فندقا شاطئيا يستخدم في استضافة اللاجئين الأفغان ممن تركتهم واشنطن.

إلى جوار الأحلام المحطمة والذكريات الحزينة لدى ساكني الفندق الفارين من جحيم كابول إلى سجن الانتظار. وجدت المراسلة الأمريكية أن الكثير من التمويلات لاستضافة هؤلاء قد توقفت. وأن مشروع الإنقاذ الأفغاني يدين للفندق الآن بأكثر من مليوني دولار لـ 380 شخصًا هم من بقوا بعد سفر عدد ممن انطبقت عليهم شروط عملية “الترحيب بالحلفاء”.

ليس لديهم طريق مضمون إلى أمريكا

نقلت أبيجيل عن مشروع الإنقاذ الأفغاني قوله إن الحكومة الأمريكية -التي وافقت في ديسمبر على مشروع قانون بقيمة 7 مليارات دولار لتمويل إعادة توطين الأفغان- يجب أن تكون مسؤولة عن فاتورة إقامة هؤلاء الأفغان. بينما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن ذلك “لن يحدث”.

ونقلت المراسلة عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: لا تتحمل الحكومة الأمريكية أي مسؤولية تجاه هؤلاء الأشخاص. دافع الضرائب في الولايات المتحدة لن يتولى المسؤولية.”

“ماذا علينا ان نفعل؟ هل يجب أن نعطيهم وجبة واحدة فقط في اليوم؟ ” قالها مدير الفندق الذي أضاف: “ذلك لن يكون عادلاً. إنهم ضحايا أيضًا”. ولكنه في الوقت نفسه لفت إلى أن “هناك أيضًا حد. ما المدة التي يمكن أن يتحملها شخص ما لمنح غرف الفندق مجانًا؟”

تقول إدارة بايدن إنها لم تشجع المجموعات الأمريكية أبدًا على نقل الأفغان إلى ألبانيا. وأنها بعثت برسالة واضحة في الخريف الماضي مفادها أن “أي كيان خاص يقوم بإجلاء الأفغان سيتحمل المسؤولية عنهم”. وأن هؤلاء الأفغان لن يكون لديهم طريق مضمون إلى الولايات المتحدة.

لكن النائبة إليسا سلوتكين -ديمقراطية من ميتشيجان- وهي مسئولة سابقة في وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون: “كنا نعمل جميعًا على اتصالاتنا في هذه الشبكات من الأشخاص داخل الحكومة وخارجها على حد سواء. والذين كانوا يتعاونون لإخراج الناس من كابول. كانت تلك الأيام شديدة الفوضى. كان لديك للتو أشخاص في جميع أنحاء العالم كانوا يحاولون فعل الشيء الصحيح لأجل الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم لمساعدتنا.”

بينما قالت إليزابيث جونز، منسقة الخارجية الأمريكية لجهود إعادة التوطين الأفغانية: “أخبرناهم أننا قررنا توسيع نطاق الأهلية للنظر في الدخول إلى الولايات المتحدة. سيصل فريق من المسؤولين إلى ألبانيا في سبتمبر/ أيلول، لبدء معالجة ما تبقى من الأفغان”. مشيرة إلى أن الإدارة تأمل أن يكون معظمهم في الولايات المتحدة بحلول يونيو/ حزيران 2023.