أثار قانون العمل الجديد كثيرا من الجدل منذ إعلان نية حكومة إبراهيم محلب أوائل عام 2014 طرح مقترح مشروع قانون لتنظيم علاقات العمل يتواكب مع مستجدات سوق العمل. كما يستجيب للمتغيرات الاقتصادية ويعالج أوجه القصور بقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته. أو ما اصطلح على تسميته (ترقيعه) وما شاب مواد به من مخالفات دستورية ومخالفته معايير العمل الدولية.
ومع طرح مشروع قانون العمل نطرح أسئلة جوهرية حول مضمونه وفلسفته. وما إذا كان يحقق توازنا بين أطراف علاقات العمل.
تأتي هذه الأسئلة بعد أن أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون تمهيدا لمناقشته بمجلس النواب.
تحفظات على قانون العمل 12 لسنة 2003
على مدار سنوات واجه قانون العمل الحالي الكثير من الانتقادات من العمال وقيادتهم والمهتمين بالشأن العمالي. ذلك لانتقاصه الكثير من حقوق العمال. فضلا عن انحيازه لأصحاب الأعمال.
وسبق أن أعدت اللجنة التنسيقية للدفاع عن حقوق العمال مشروع قانون عمل بديل. وتقدمت به لمجلس الشعب إلا أنه تم إقرار مشروع الحكومة في عام 2003 برغم العوار الذي انتاب مواده وإهداره لحقوق العمال. ومن بينها عقود العمل محددة المدة والأجور ومشتملاتها ومواد تسهل الفصل التعسفي (استمارة 6). وتقييد الحق في الإضراب. غير مواد تختص بالإجازات وفض المنازعات.
كما واجه القانون طعونا في دستورية بعض مواده وبلغت ما يقارب 37 طعنا أمام المحكمة الدستورية. وقد مر القانون بمرحلتي تعديل. الأولى بعد سنتين من إصداره حيث صدر قانون 90 لسنة 2005 بشأن استبدال المواد 70 و71 و72 و248 من أحكام قانون العمل. و الثانية عام 2008 حيث استبدال أيضا المواد 70 و71 و72 وذلك بعد أحكام بعدم دستورية التعديل الذي تم في 2005 وظلت الحاجة ملحة لقانون عمل جديد.
رحلة متعثرة لمشروع قانون العمل الجديد
تعاقب على إعداد مسودة قانون العمل الجديد ومحاولة إقراره ثلاث حكومات في الفترة من 2014 حتى العام الحالي. نحو 9 سنوات حملت معها تغيرات في البنية السياسية والاقتصادية.
بدأت المحطة الأولى لرحلة إعداد القانون بمسودة قدمتها حكومة إبراهيم محلب عام 2014 وإصداره قرارا وزاريا بتشكيل لجنة للحوار المجتمعي حول المسودة. وواجه القرار انتقادات عنيفة من العمال وقيادتهم نظرا لغلبة التمثيل الحكومي في اللجنة.
وكانت ثاني المحطات خلال أغسطس/آب 2016 بإعلان حكومة شريف إسماعيل الانتهاء من صياغة مسودة أخرى للقانون. وقد تحاشت الحكومة حينها إجراء حوار مجتمعي وتمت إحالة المشروع مباشرة لمجلس الدولة تمهيدا لعرضه على مجلس النواب.
ورد حينها مجلس الدولة على مشروع القانون مقدما 60 ملاحظة. وذلك في ضوء أحكام الدستور و المحكمة الدستورية العليا والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل. مشيرًا إلى أن نصوص المشروع يجب أن تكون غايتها إقامة علاقة متوازنة بين أطراف العمل.
وهنا عاد المشروع إلى مجلس الوزراء ليزداد الموقف ضبابية وبقي حتى عام 2018.
ومع تولي حكومة مدبولي تصاعد الجدل حول قانون العمل الجديد نتيجة للحراك العمالي وقتها. وشرعت الحكومة في إعداد مسودة ثالثة أحالتها إلى مجلس النواب. وانتهت لجنة القوى العاملة من مناقشتها وإقرارها. إلا أنه تم إرجاء مناقشة المشروع ثم تم إحالته لمجلس الشيوخ. والذي حسم أمره بعد عدة جلسات لتظهر المسودة بشكل نهائي انتظارا لإقرارها من مجلس النواب.
ردود الفعل
تباينت ردود الفعل حيال مشروع قانون العمل الجديد فور إقراره من مجلس الشيوخ. تمهيدا لعرضه على مجلس النواب. حيث رأى كثير من العمال والخبراء أن المشروع هو “إعادة إنتاج للقانون الحالي المترهل”. والذي كان انحياز نصوصه لأصحاب الأعمال واضحا. ورغم بعض النصوص التي نالت استحسانهم فإن هناك مواد اعتبروها أشد خطورة على حقوق العمال ومكتسابتهم من القانون الحالي. كما أبدى أصحاب الأعمال في بداية الأمر استحسانا وقبولا للمشروع باعتباره يحقق التوازن والعدالة بين طرفي علاقة العمل.
النقابات العمالية ومشروع القانون
أصدرت دار الخدمات النقابية تعليقا على مشروع القانون تقرير ملاحظات بشأن الصياغة النهائية له. وخلص التقرير إلى أن مشروع القانون أبقى على الغالبية العظمى من أحكام القانون الحالي. كما قدم ملاحظات تخص عقود العمل والأجور والعمالة غير المنتظمة والحق في الإضراب.
انتقاص العلاوة الدورية
تنتقص المادة 3 من مشروع القانون من مكتسبات العمال بعدم وضع العلاوة الدورية 7%. والتي كانت موجودة في المادة الثالثة بقانون 12 لسنة 2003. بينما خفضت بالمشروع الجديد إلى 3% من الاشتراك التأميني بالمخالفة للمادة الثانية والمادة 12 من مشروع القانون.
كما ميّز القانون بين عمال خدم المنازل المصريين والأجانب. إذ إن المادة (4) من الأحكام العامة بالقانون لا تسري على خدم المنازل ومن في حكمهم. بالمخالفة للمادة 53 من الدستور.
فقدان الأمان الوظيفي
وجاء “عقد العمل الفردي” في المادة 69 من مشروع القانون لتنص على أن يبرم العقد غير محدد المدة أو لمدة محددة لا تقل عن سنة. وبذلك أطاح المشرع بأحلام العمال بالأمان الوظيفي. والأصل أن يكون العقد غير محدد المدة. فيما البند 3 من المادة 70 لا يحقق الاستقرار والأمان الوظيفي.
بينما جاءت المادة 28 من مشروع القانون لتنص على أن العقد المبرم لإنجاز عمل معين يجوز تجديده لمدة ست سنوات. ولا يجوز للعامل إنهاء العقد قبل إتمام إنجاز هذه الأعمال. وقد جعلت علاقة العمل سخرة للعامل ليستمر لمدة 6 سنوات دون استقرار في العمل. بينما المادة 138 تنص على أنه إذا أنهى صاحب العمل عقدا غير محدد المدة لسبب غير مشروع استحق العامل تعويضا بمقدار أجر شهرين عن كل سنة خدمة. وهذا ينتقص من مكتسبات العمال. إذ إن القانون الحالي أقر بما يقل عن شهرين من الأجر الشامل.
تقييد حق الإضراب
اكتفى مشروع القانون في شأن العمالة غير المنتظمة بالنص في المادة 31 منه على أن “تتولى الوزارة المختصة رسم سياسة ومتابعة تشغيل العمالة غير المنتظمة. وفي المادة 32 منه على أن “ينشأ صندوق لحماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص”.
كما يحظر المشروع ممارسة الإضراب في “المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل بها الإخلال بالأمن القومي. أو بالخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين. ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت.
وتنص المادة 121 من مشروع القانون في البند 8 على أنه يجوز فصل العامل إذا لم يراعِ الضوابط الواردة في المواد من 200 إلى 202 -الخاصة بالإضراب.
وعلى جانب آخر نال مشروع القانون استحسان الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. والذي رأى في المشروع تحقيق التوازن في علاقات العمل. وتحقيق مكاسب للعمال. إذ قال نائب رئيس الاتحاد العام و عضو مجلس الشيوخ خالد عيش إن مشروع القانون “يلبي تطلعات العمال في تحقيق العدالة و التوازن بين مصالحهم ومصالح أصحاب العمل. كما يعالج القصور بقانون العمل الحالي” حب قوله.
موقف أصحاب العمل
يبدو أن مشروع القانون لم ينل رضا أصحاب الأعمال أيضا. حيث أعلن اتحاد الصناعات رفضه للمشروع. ودعا إلى فتح حوار مجتمعي حوله. حيث جاء المشروع -حسب الاتحاد- “مغايرا لما تم الاتفاق عليه مع وزارة القوى العاملة” من تعديلات يرى الاتحاد أنها واجبة التنفيذ حرصا على الاستثمار. و لم يفصح الاتحاد عن أي تفاصيل حول تلك التعديلات ولم يشر إلى نصوص المواد التي آلت إلى إعلان رفضه لمشروع قانون العمل الجديد.
مستقبل القانون
في ظل الصراع بين أطراف العمل وأزمة اقتصادية ضخمة لا يلقى مشروع قانون العمل قبولا كبيرا. ما قد يدفع الحكومة إلى إجراء مزيد من النقاش و الدعوة إلى حوار مجتمعي حوله. ما قد يدفع إلى مراجعة بعض نصوصه. خاصة المتعلقة بالمعايير والاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر. لتبقى النقاط الخلافية بارزة في عقود العمل والحق فى الإضراب وهياكل الأجور والتأمينات الاجتماعية.