صار سؤال الجوائز الأدبية أشبه بفقرة ثابتة في الحوارات الصحفية مع الروائيين. يأتي السؤال الثابت بشكلين، سواء معا أو بشكل منفصل، أولهما عن علاقة الروائي بالجوائز، والثاني عن أثر تلك الجوائز على باقي الأنواع الإبداعية. وهي أسئلة مهمة لا شك، إلا أن صاحبها يغفل أنها سئلت للمرة المليون، وأجاب عنه الروائي للمرة المليون. وهو ما يعني أن ذلك السؤال لم يعد يطرح كي يجاب، بل لإتمام عدد معين من الأسئلة والكلمات، حتى صار شبيها بالسؤال العتيق: أين ترعرعت يا سيدتي؟

لكن في الحقيقة لا أرى في الهوس بتكرار السؤال سوى إهانة صنعها الروائيون أنفسهم، اختزال لهدف الفن في جائزة، وهوسهم هم أنفسهم بها، سواء بالإقبال الشديد عليها أو بافتعال مشاجرات كبرى بعد الإعلان عن نتائجها، أو التهوين من شأنها، بوصفها “شوية فلوس” وكل أصناف المزايدات الأخلاقية الرخيصة، رغم أنها ببساطة وباستثناء تلك التي تقدم لكاتب يملك تاريخا كبيرا ليست سوى دفعة معنوية للكاتب لفترة محدودة، سيثبت الزمن إن كان يستحق تلك الدفعة أم لا.

الأمر الذي يضبط دفة هذا الهوس في رأيي ويعيد فكرة الجوائز إلى نصابها كفكرة عادية ومقبولة، وغير مضخمة في العقول، هو الشيء الغائب عن كتاب كثيرين في رأيي لدرجة محزنة، الشعور بالكرامة، كرامة الانتماء لشيء عريق ومهيب كالأدب وتراثه، ولا أقول الإيجو المنتفخ بلا دليل، لأن الزمن لم يحسم شيئا لأحد بعد. مما جعل الشجار والصوت العالي أو التقليل من عنب الجائزة بوصفه “حصرم”، هو الأمر السائد، هذا محزن.

الكاتب من وجهة نظري هو شخص يتحلى بالكرامة، وتتحقق تلك الكرامة فقط عندما يدرك أنه يكتب في الأساس من أجل وجه الكتابة، أما الجوائز فهي مجرد صدف حلوة في الطريق، أما عندما يصير كل همه هو افتعال معارك من أجل جائزة أو سفر أو حضور ندوة، أو مؤتمر أو الظهور على غلاف مجلة أدبية لا يقرأها أحد، فذلك يعني أنه اختار الثمرة الضئيلة التي تلائم في الأساس شعوره بما يفعل، ربما لإيمانه الأساسي أن ما يفعله في الأساس ليس مجيدا بما يكفي، بل وليس هاما، لذا يحول شعوره بالضآلة إلى معركة، الشعور بأهمية ما نفعل عليه أن يترسخ بالداخل أولا وبقوة.

أيضا الجملة التي يكررها البعض على سبيل الإهانة (أن الجوائز “شوية فلوس” فلا تظن يا من حصلت عليها أنك صرت شيئا)، هذا في رأيي بالضبط يمثل تفكير الجوعى، عندما يحتاج الكاتب إلى “شوية فلوس” من أجل العيش فهو لا ينتظر جائزة، بل يعمل، ليس على العالم أن يطعمه أو يضمن الاستقرار له أو لعائلته كي يتفرغ للكتابة، وعندما يفوز بجائزة فهو لا يأخذ منحة من سلطان يرمي بصرة دنانير، هذا تفكير جوعى محرومين عفا عليه الزمن.

الجائزة ليست أكثر من فرصة قد تأتي أو لا تأتي للإضاءة على جهد، على هذا الهوس وتلك التفاهة أن تنضبط، وهو أمر لن يحدث إلا بتمسك الكاتب باحترامه الداخلي لنفسه، وهو أمر في ظني لن يحدث بدوره، إن كانت عينه تشتهي أشياء غير الكتابة، مهما ادعى الترفع.