فيما تتأرحج وتتذبذب فرص إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بين القرب الشديد والاستبعاد، مع شيوع وغلبة روح التفاؤل بشأن إمكانية التوصل اليه في القريب العاجل، خاصة بعد التسريبات الأخيرة بشأن التوصل لمسودة اتفاق شبه نهائية، بعد تنازلات من جانب واشنطن وطهران. بدأت الأنظار تتجه إلى ارتدادات الاتفاق المتوقعة حال توقيعه على المنطقة. والعلاقات الدولية.

من بين التساؤلات المطروحة، ما يتعلق بمستقبل العلاقة بين مصر وإيران، خاصة في ظل تكرار رسائل طهران، لاستعادة العلاقات مع القاهرة. كذلك التغيّرات التي تشهدها الخريطة السياسية في المنطقة في ظل انفتاح خليجي وبالتحديد من جانب الإمارات والكويت والسعودية تجاه طهران مؤخرا.

اقرأ أيضا.. إيران وأذرعها والنفخ في نار الصراع اليمني

سياسة الاتفاق الضمني بعدم الإضرار

طوال السنوات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ظلت العلاقة بين القاهرة وطهران منحصرة في المستوى الأمني فقط من أجل التنسيق في الملفات المتشابكة في المنطقة. في ظل اتفاق ضمني بعدم إضرار طرف بمصالح الطرف الآخر، خاصة في الملفات المشتركة، مثل ملف اليمن. كذلك عدم المساس بأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لارتباطها بشكل مباشر بالملاحة في قناة السويس. وملف فلسطين والتعامل مع فصائل المقاومة في قطاع غزة التي تدعمها طهران بشكل معلن. كذلك في العراق حيث تعمل عدة شركات مصرية في مجال إعادة الإعمار في المناطق التي دمرتها الحرب مع داعش. وفي غضون ذلك صوتت مصر لصالح طهران ورفضت قرارا أمميا يتعلق بحقوق الإنسان في إيران. ومن بعد ذلك جاء الموقف المصري الرافض للانخراط في حلف عسكري وأمني. سعت إسرائيل لتشكيله مع عدد من القوى العربية يستهدف النفوذ الإيراني بالأساس.

محددات مستوى العلاقة

الاتفاق الضمني في العلاقات بين البلدين، يظل مرهونا بمجموعة من المحددات الإقليمية والدولية، حتى يتحول إلى قاعدة انطلاق نحو علاقات أوسع بين القاهرة وطهران يتم خلالها تطبيع العلاقة تدريجيا.

نجاح الاتفاق و”تعويم” النظام الإيراني

اتفاق لوزان النووي 2015

أول تلك المحددات في الوقت الراهن، يتمثل في الاتفاق النووي، ومدى نجاح جهود إحيائه مجددا بعدما انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018.

في هذا الإطار يرى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، أن توقيع اتفاق جديد بين واشنطن وطهران سيعيد “تعويم” النظام الإيراني في المنطقة. وبالتالي ستكون هناك ارتدادات منها ما هو سلبي وما هو إيجابي على مصر.

ووفق حديث “فهمي” لـ”مصر360″، فإن الاتفاق حال توقيعه قد ينعكس باستئناف العلاقات بين مصر وإيران، وسيكون ذلك مرهونا بتحقيق المصالح الخاصة لمصر. وعلى رأسها الوضع في قطاع غزة. بينما يتعلق بدعم طهران لفصائل المقاومة على الحدود الشرقية.

في مقابل ذلك اعتبر فهمي أن الرسائل الإيرانية الأخيرة للقاهرة والتي جاءت مواكبة للتقدم في مفاوضات الاتفاق النووي مع واشنطن، بشأن تطبيع العلاقات واستئنافها ليست جديدة. لكنها تأتي ضمن سياسة “صفر مشكلات” التي تتبعها إيران مؤخرا. على غرار ما تقوم به تركيا. موضحا أن إيران تدرك مدى أهمية مصر في الإقليم، ومدى ثقلها.

ما يجعل الاتفاق النووي محددا رئيسيا ضمن محددات استعادة العلاقات المصرية الإيرانية، هو مدى ارتباط تلك العلاقة بالحصول على ضوء أخضر أمريكي في ظل الشراكة الاستراتيجية المصرية الأمريكية. ما يعني أن توقيع الاتفاق النهائي سيكون بمثابة إشارة لعودة تدريجية للعلاقات ترتبط بشكل أساسي بمجموعة أخرى من العوامل.

التقارب الخليجي الإيراني

العلاقات الإيرانية الإماراتية

“العلاقة بين مصر وإيران تمر عبر الخليج”.. قاعدة وضعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حتى قبل أن يجلس على كرسي الرئاسة. بالتحديد خلال فترة ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2014.

بمحاذاة ذلك لم يغلق السيسي الباب في وجه إيران، بل تركه مواربا، حينما أكد أن “كل ما تسعى إليه مصر مع إيران هو علاقة عادلة”. تلك القاعدة التي أرساها السيسي، توضح مدى تأثير الموقف الخليجي على قرار استئناف العلاقات بين مصر وإيران.

وأمام هذا المشهد المعقد حرصت مصر على نوع من التوازن والمناورة المقصودة في العلاقات مع الخليج، بالشكل الذي يؤكد الدور الوظيفي المحوري لها في الإقليم. كما يسمح لها في الوقت ذاته بقدر من الحركة مع إيران ما دام أن العلاقات بين طهران والخليج كانت غير إيجابية.

ولكن مؤخرا تشهد منطقة الخليج إعادة ترسيم خارطتها الدبلوماسية مع إيران باستعادة بلدين خليجيين هما الكويت والإمارات علاقاتهما الدبلوماسية مع طهران بعد نحو سبع سنوات من خفض التمثيل الدبلوماسي. كان ذلك عقب اقتحام محتجين إيرانيين السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد عام 2016. على خلفية قرار سعودي بإعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر.

https://www.youtube.com/watch?v=Zv4ZOweOys0

مفاوضات مباشرة سعودية إيرانية

وبالتوازي مع ذلك تراجعت الهجمات على منشآت النفط السعودية من قبل وكلاء إيران في المنطقة بشكل كبير مقارنة بالفترة التي أعقبت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. كما تراجعت هجمات وكلاء إيران على المصالح الأمريكية في العراق مقارنة بنفس الفترة.

في غضون ذلك، شرعت طهران في مفاوضات مباشرة مع الرياض بوساطة عراقية للتخفيف من حدة التوتر معها، ووصلت إلى مراحل متقدمة في الآونة الأخيرة. ويتحدّث الإيرانيون بثقة الآن عن إمكانية إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. بالإضافة إلى ذلك، أثمرت الحوارات السعودية الإيرانية عن هدنة في اليمن لا تزال صامدة.

في هذا الإطار يرى الدكتور طارق فهمي أن القرار المصري بشأن العلاقات الخارجية، هو من رأس صانع القرار المصري بما يتوافق مع مصالح مصر. ورغم ذلك لم يستبعد أن مصر حال اتخذت قرارا باستعادة العلاقات مع إيران، سيراعي بدون شك أبعاد الأمن القومي العربي. حيث سيكون على إيران الالتزام بمجموعة من الشروط على رأسها التوقف عن التدخل في شئون العديد من البلدان العربية.

ومع التغيّرات الجديدة التي تشهدها المنطقة يمكن القول إن أمام مصر فرصة مواتية قريبا لأن تكون جسر تواصل وتأمين بين دول الخليج العربية وإيران. لتضيف إلى مساحات نفوذها في الإقليم خاصة في ظل الرغبة الملحة من جانب طهران لاستعادة علاقات كاملة مع مصر إدراكا لحجمها الكبير.

ماذا عن إسرائيل؟

الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي

وفي مقابل المحددين الأمريكي والخليجي، وتأثيراتهما على استعادة العلاقات بين مصر وإيران، على ضوء فرص اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي. يظهر محدد آخر لا يمكن إغفاله يتعلق بالدور الإسرائيلي في المنطقة، وإمكانية تأثيره على مسار استعادة العلاقات بين القاهرة وطهران.

إذ أن تل أبيب لا تزال تعارض بشدة إعادة إحياء الاتفاق النووي لاعتبارات أمنية وجيوسياسية. كما تريد من الولايات المتحدة منح أولوية للخيارات العسكرية للتعامل مع إيران بدلا من العودة للاتفاق النووي. وهو الخيار الذي من شأنه خلط أوراق اللعبة في المنطقة برمتها. ما سينعكس بالطبع على ملف العلاقات المصرية الإيرانية، نظرا لما يسببه من ضغوط تستدعي المزيد من المناورات. كما فعلت مصر مؤخرا عندما ناورت من أجل عدم التورط في المشاركة في حلف عسكري ضد إيران، قادت تل أبيب الدعوة لتشكيله.

وما يزيد من فرص تمرير الاتفاق النووي، وبالتبعية ما يرتبط به من ارتدادات متعلقة بالعلاقات المصرية الإيرانية، الموقف الإيراني غير المتشدد حتى الآن.

مرونة إيران غير المتوقعة

مفاوضات إيران والاتحاد الأوروبي

فرغم أن العودة إلى خطة العمل المشتركة التي أبرمتها إيران والقوى الغربية في عام 2015 قبل أن ينسحب منها الرئيس دونالد ترامب بعد 3 سنوات؛ كانت أحد الوعود الانتخابية العريضة للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن. إلا أن إسرائيل كانت تراهن على أن رغبة بايدن ستصطدم بـ”إيران مختلفة عن 2015″ وأكثر تشددا في ظل رئاسة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي. لكن المرونة الإيرانية غير المتوقعة في المفاوضات مع القوى الغربية سهّلت وصولها إلى مراحل متقدمة في الأسابيع الأخيرة. حيث أسقط الإيرانيون أحد شروطهم الرئيسية للعودة إلى الاتفاق النووي بعدما تراجعوا عن مطلب إزالة الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب الأمريكية. كما سعوا خلال فترة المفاوضات، إلى تهدئة التوتر الإقليمي مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لتوفير الظروف المناسبة لإنجاح المفاوضات.

ما يعزز دور المحدد الإسرائيلي، هو تقاطعه بشكل مباشر مع المصالح المصرية المباشرة المتمثلة في الدور المصري في القضية الفلسطينية. ولعبها دور الوساطة بين فصائل المقاومة. وحكومة الاحتلال بشأن المحافظة على استقرار الأوضاع على حدودها الشرقية وبالتحديد في قطاع غزة. وهي الأوضاع المرتبطة أيضا بأدوار إيران في المنطقة حيث دعمها لفصائل المقاومة في القطاع.

الخلاصة يمكن القول، إن توقيع الاتفاق النووي لو تم، سيزيد فرص تحسن مستوى العلاقات بين مصر وإيران خاصة في ظل التوافق في بعض المواقف بين القاهرة وطهران خلال الفترات الماضية. والتي كان من بينها الرؤية الخاصة بالأوضاع في سوريا. ذلك بخلاف تزايد فرص التعاون الاقتصادي في ظل حاجة البلدين لذلك، أمام انتقال أدوات التنافس بين دول المنطقة من المفهوم الجيوسياسي القديم إلى مفهوم جيو اقتصادي.