في ديسمبر/كانون الأول 2016 وقّع البنك المركزي المصري اتفاقية مع بنك الشعب الصيني لـ”مبادلة العملات” بقيمة 18 مليار يوان. بما يوازي 2.62 مليار دولار حينها. على أن تكون مدتها 3 أعوام.
وفي مارس/آذار الماضي مددّ البنك المركزي اتفاقية مبادلة العملات مع بنك الشعب الصيني لمدة 3 أعوام بقيمة 20 مليار يوان. بما يوازي 2.8 مليار دولار.
وتُظهر مراجعات لبيانات نشرة القطاع الخارجي الصادرة عن البنك المركزي أنه منذ عام 2017 تم إدراج بند اسمه “اتفاقية مبادلة العملات مع الصين”.
وفي 2017 كانت قيمة بند اتفاقية مبادلة العملات ما يوازي 2.646 مليار دولار. أما في 2018 فقد زاد بند مبادلة العملات إلى ما يوازي 2.715 مليار دولار. وبلغ قيمة بند مبادلة العملات مع الصين ما يوازي 2.616 مليار دولار في 2019. وفي 2020 بلغ قيمة بند اتفاقية مبادلة العملات ما يوازي 2.542 مليار دولار -وفقًا لبيانات البنك المركزي.
وخلال 2021 بلغ بند اتفاقية مبادلة ما يوازي 2.746 مليار دولار. وفي 2022 بلغ بند مبادلة العملات 2.837 مليار دولار.
واتفق المحللون على أن الاتفاقية -رغم وجاهتها كونها تعمل على خفض الطلب على الدولار- فإنها لن تكون في صالح الجنيه المصري. باعتبار أن مصر هي الطرف الأضعف في تلك المعادلة، لأن الميزان التجاري يصب في صالح الصين.
ماهية الاتفاقية؟
اتفاقيات مبادلة العملة التي تعرف بالإنجليزية currency swap هي عملية تبادلية لتداول العملات المحلية الخاصة بالبلدين في عمليات تمويل التجارة والاستثمارات. على أن تكون أسعار تلك العملات محددة مسبقًا لسعر صرف يتفق عليه البلدان. دون استخدام أي عملة أخرى في تقييم سعر صرف العملة.
وتدور الفكرة الأساسية لاتفاقية المبادلة على أنها عقد بين شريكين. الأول بنك الشعب الصيني والثاني البنك المركزي المصري. وتنص الاتفاقية على مبادلة كمية معينة من اليوان الصيني مقابل الجنيه بسعر صرف يُحدد ويُنص عليه في الاتفاقية. مع الاتفاق على عكس العملية بعد فترة زمنية محددة. وفي حالة مصر هي 3 أعوام. لكن حتى الآن لم يتم عكس العملية ويستمر البنك المركزي المصري في مبادلة اليوان.
وعلى أساس الاتفاقية يتسلم البنك المركزي المصري كمية اليوان المتفق عليها ثم يقوم بإقراضها إلى البنوك المحلية في مصر مقابل سعر فائدة يتم الاتفاق عليه. على أن يقوم البنك المركزي برد اليوان والحصول على الجنيه الذى قدمه للبنك الصيني. وهو الأمر الذي قد ينطوي على مخاطر سعر الصرف في فترة نهاية الاستحقاق المحددة بـ”ثلاث سنوات”.
وتتعدد أشكال الاتفاق على أسعار سداد قيمة العملة في وقت الاستحقاق. إذ توجد اتفاقيات تضع أسعارا محددة سلفا لسعر صرف تلك العملات عند ردها في نهاية فترة الاستحقاق. وأخرى تربطها بسعر السوق وقت تنفيذ العملية. فيما يذهب البعض الآخر لتحديدها بناء على معادلة احتساب سعر الفائدة على كل من العملتين لضمان تقليل المخاطر.
وبرنامج مبادلة العملات أبرمته الصين مع نحو 40 دولة بمبالغ وصلت إلى نحو 4 تريليون يوان. ما يعادل 590 مليار دولار حتى الآن.
الطرف المُستفيد
يقول الدكتور علي الإدريسي -أستاذ الاقتصاد بالجمعية العامة للاقتصاد والتشريع- إن المبادلة بدأت في الانتشار بسبب تأثير مجموعة البريكس “تجمع اقتصادي يضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا” في التجارة الدولية. والتي كانت تريد التعامل بعيدًا عن الدولار منعًا لسيطرته.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أن الصين هي المستفيد الأكبر من اتفاقية تبادل العملات مع مصر. لأن مصر هي الطرف الأضعف هنا. باعتبار أن الميزان التجاري يصب في صالح الصين وليس مصر. وفي هذه الحالة يكون الطلب على اليوان الصيني أكبر من الجنيه المصري بكثير.
وعلى مدار 25 عامًا مضت زادت واردات مصر من الصين بمعدل سنوي بلغ 14.4%. حتى بلغت في نهاية عام 2020 نحو 13.3 مليار دولار.
في المقابل وخلال الفترة نفسها ورغم نمو صادرات مصر بمعدل 17.9% فإن صادراتها بالكاد تبلغ 754 مليون دولار.
وعبر تتبع بيانات حركة التجارة بين مصر والصين خلال سنوات 2018 و2019 و2020 فقد كان الميزان التجاري لصالح الصين دائما. حيث بلغ إجمالي الصادرات المصرية 2.32 مليار دولار. مقابل واردات صينية بلغت 34.2 مليار دولار.
بذلك مثلت الصادرات نسبة 6.7% فقط من إجمالي واردات مصر من الصين. وبلغ حجمها في الميزان التجاري خلال تلك الفترة 31.8 مليار دولار.
المكسب للعملة المطلوبة
ويُوضح الإدريسي أنه في تلك الحالة يكون المكسب حليفا للعملة التي تُطلب بشكل أكبر. وبطبيعة الحال فاليوان هو الحصان الرابح. لافتًا إلى أن الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد المصري مئات المرات. إذ تعدّ الصين المصدّر الأول على مستوى العالم وثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة.
ويُشير إلى أن الأهم في كل العملية هو خفض الطلب على الدولار. في ضوء أن معظم احتياجات مصر يتم استيرادها بالدولار. لافتًا إلى نجاح استراتيجية مبادلة الديون مع الصين لأنها شجعت الحكومة على إصدار سندات باليوان الصيني يُطلق عليها “الباندا”.
ويعتقد أن هذا قد يخلق طلبًا رائجًا على سندات الباندا الصينية في أوقات لاحقة. باعتبار أن نحو ثلث واردات مصر من الصين. فضلاً عن تأثيره على المدى البعيد على الدين الخارجي الذي قد يسمح بخفضه عبر تقليل الطلب على الدولار.
ارتفاع مخزون اليوان
قبل عام 2016 لم يكن لدى البنك المركزي أي مخزون من العملة الصينية “اليوان” وفقًا لمراجعات أجريناها على النشرة الخارجية للبنك المركزي. لكن بدءا من عام 2017 ظهر في بيانات البنك المركزي وجود مخزون تدرج مما يوازي 2.6 مليار دولار إلى نحو 3.7 مليار دولار في عام 2022.
خفض الطلب على الدولار
يقول أحمد شيحة -عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية المصرية- إن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين ضخم جدًّا. وبالتالي اتفاقية مبادلة العملات ستجعل المستوردين يتخلون عن الدولار تدريجيًا. خاصة إذا ما فُتح الباب بشكل أكبر أمام المستوردين للعمل باليوان.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أن المستوردين المصريين يعملون بالفعل بهذه الاتفاقية. ويجب تشجيعها وتعميمها مع شركاء تجاريين آخرين مثل السعودية وتركيا. مشيرًا إلى أن الشركات الصينية وافقت على التعامل باليوان بدلاً من الدولار.
ويُكمل أن التعامل يلغي مسألة الاعتماد على تقييم سعر العملة الصينية “اليوان” وفقًا للدولار. لكن يتم التقييم وفقًا لسعر صرف اليوان أمام الجنيه. لافتًا إلى أن الاتفاقية أيضًا تسمح للسائح الصيني بالتعامل باليوان الصيني بدلاً من الدولار. وتسمح للشركات الصينية أيضًا التعامل باليوان في معاملاتها التجارية.
فائدة لمصر
ويرى عضو شعبة المستوردين أن ذلك يُمثل استغناء عن الدولار في معاملة تجارية مع أهم شريك لمصر والذي يُوفر كثيرا من المنتجات المستوردة. لافتًا إلى أنه قد يعمل على خفض الطلب على الدولار. فضلاً عن عدم تعطل الشحنات بسبب عدم وجود دولار في مصر.
وتعاني مصر عجزًا في توفير الدولار منذ ما يقرب من 6 أشهر. وبحسب بيانات البنك المركزي المصري زاد عجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية بنسبة 21% بنهاية يونيو/حزيران الماضي.
وسجل صافي الأصول الأجنبية “سالب” للشهر الخامس على التوالي. حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية بنهاية يونيو/حزيران الماضي نحو (- 370.1 مليار جنيه مصري) ما يُعادل “- 19.68 مليار دولار”. مقابل (- 305 مليار جنيه). ما يعادل “- 16.41 مليار دولار” بنهاية مايو/أيار الماضي.
ويتم احتساب صافي الأصول الأجنبية للبنوك المحلية بعد خصم التزامات القطاع المصرفي. بما فيها البنك المركزي المصري تجاه غير المقيمين من إجمالي أصول القطاع بالعملة الأجنبية.
هل ارتفعت ديون مصر للصين بعد الاتفاقية؟
تُبين بيانات البنك المركزي أنه رغم ثبات نسبة الديون باليوان عند معدل 2.9% من إجمالي حجم الدين المصري فإن حجم الديون الصينية زادت بنحو 2.5 مليار دولار من العام المالي 2017/ 2018 حتى العام المالي 2021/ 2022.
وبلغت الديون الصينية في العام المالي 2017/ 2018 نحو 5.1 مليار دولار. ثم ارتفعت في موازنة العام 2019/ 2020 إلى 6.9 مليار دولار. وفي موازنة 2021/2022 ارتفعت الديون إلى 7.6 مليار دولار.
وحاليًا تُمثل الديون الصينية نسبة 4.8% من إجمالي حجم الديون المستحقة على مصر البالغة 157.8 مليار دولار -وفقًا للبنك المركزي في يونيو الماضي.
وحتى الآن لا تُمثل الديون الصينية مخاطر حقيقية على مصر قياسًا بحجم الدين الخارجي البالغ 157.8 مليار دولار. لكن بحسب دراسة نشرتها جامعة جونز هوبكنز فإن الصين استولت على بعض الأصول الاستراتيجية للدول التي تتخلف عن سداد ديونها.
وتقول الدراسة المنشورة العام الماضي إن الاستيلاء يتم عن طريق عقود إيجار تتم لإدارة أصول الدول المتخلفة عن السداد. مثلما حدث في سريلانكا حين حصلت الصين على عقد إيجار ميناء “هامبانتوتا” لمدة 99 سنة. أو مثلما حدث في باكستان حين حصلت الصين على عقد إيجار لمدة 44 عامًا لميناء جوادار.
وتُشير الدراسة إلى أن دول شرق أفريقيا اقترضت من الصين نحو 29 مليار دولار منذ عام 2000. وأنه منذ تلك الفترة أطلقت الصين برنامجًا لإعادة جدولة الديون مع أفريقيا. وفي 2014 أصدرت برنامجين لإلغاء الديون على بعض الدول الأفريقية.