يحتفل الفلاحون المصريون في التاسع من سبتمبر/أيلول من كل عام بعيد الفلاح، الذي يوافق يوم صدور قانون الإصلاح الزراعي عام 1953. عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إعادة توزيع الثروة الزراعية والأراضي بين المزارعين والفلاحين، عقب مصادرتها من ملّاكها الإقطاعيين. لكن اليوم يأتي عيد الفلاح في ظل واقع مرير يعيشه المزارع المصري، يعاني فيه الفقر وإهمال الدولة. بالإضافة إلى رؤية ضبابية غير واضحة للمستقبل.

منذ منتصف السبعينيات بدأ الفلاحون المصريون في خسارة مكتسباتهم التي حققوها بفعل ثورة 23 يوليو/ تموز 1956 وصولا إلى القانون 96 لسنة 1992. القانون الذي اعتبر تعديا على قانون الإصلاح الزراعي. إذ أنهى عقود إيجار أراضي الإصلاح للفلاحين وسحب حيازاتهم الزراعية التي اكتسبوها بعد 1952.

في آخر لقاء جمعه بممثلي الفلاحين سنة 2014، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: “اصبروا وتعالوا بعد سنتين حاسبوني”. بعدها أصدر الرئيس السيسي قرارين جمهوريين. أولهما التكافل الزراعي لحماية الفلاح من المخاطر أثناء الزراعة لأول مرة. والثاني التأمين الصحي على الفلاحين. وقتها أشار الرئيس إلى أن الحكومة تعمل على تشريعات تحسن أوضاع الفلاح ومنها المعاشات. لكن ورغم مرور 8 سنوات لم يتحقق من تلك الوعود أي شيء على أرض الواقع. بل أن خط التواصل بين الفلاح والدولة أصبح شبه مقطوع.

اقرأ أيضا.. “مش صديق الفلاح”.. مشروع الموازنة يخفض دعم المزارع 120 مليون جنيه

تعديل مسمى “الفلاح”.. مخالفات بالجملة

فلاح مصري في أرضه الزراعية

في عام 2007 أعادت إدارة التعاون الزراعي بوزارة الزراعة تعريف مسمى “الفلاح”. إذ عدلته من “حائز ما لا يزيد عن 10 أفدنة ملكا أو استئجارا” إلى “مالك ما لا يقل عن 3 أفدنة”. وتم ربط التعريف بالحصول على الدعم الحكومي من البذور، والأسمدة، والمبيدات والأعلاف، واللقاحات البيطرية والأمصال. جاء ذلك رغم أن 75% من فلاحي مصر يقعون في تلك الشريحة وفقا لبشير صقر، الباحث المتخصص في شئون الزراعة والفلاحين.

“صقر” قال إنه بعد توزيع الأراضي على الفلاحين اعتبرت العوائد السنوية التي يحققها الفلاح قسطا من ثمن الأرض يدفع لمدة 40 عاما. مقابل ذلك التزمت الدولة بتحرير عقود تملك الأرض للمنتفعين من الفلاحين بعد انتهاء الأقساط. لكن الحكومة لم تفعّل تلك العقود وتنصلت من التزاماتها بحسب الباحث في شئون الزراعة المصرية. كما اعتبر هذا الإجراء تنفيذا لسياسة عامة جديدة نحو الفلاحين عموما، وفلاحي الإصلاح الزراعي خصوصا. مشيرا إلى أن الدولة قطعت الصلة بينها وبين منتجي الغذاء بشكل لن تتبدد آثاره إلا بإجراء مضاد وبأثر رجعي.

“كل وزراء الزراعة في مصر بلا استثناء اعتبارا من نهاية عام 1997 خالفوا قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، وخاصة المادة (90) التي توجب إدراج الأرض في سجلات الجمعية التعاونية الزراعية باسم زارع الأرض وليس باسم مالكها التي تعطيه حق الحصول على خدماتها المتنوعة”. يضيف صقر.

ولأن هناك الكثير من الملاك الذين لا يمكن وصفهم حسب تعديلات جديدة بالفلاحين ما أدى لعدم استفادة أعداد هائلة من الفلاحين، منذ نوفمبر 1997 بخدمات الجمعيات الزراعية. كما باتت وسائل الإنتاج تصرف للملاك الذين يبيعونها في السوق السوداء ويحققون من ورائها أرباحا خيالية.

ووفق محمد فرج، رئيس اتحاد الفلاحين، فإن الدولة رفعت أيديها عن دعم آليات الإنتاج وتركت المزارع فريسة للسوق الحر والاحتكار والتلاعب في أسعار المبيدات والأسمدة. ما أثر بالسلب على حجم الإنتاج وزاد من أعباء الفلاحين. كما دفع الفلاح إلى الاقتراض من البنك الزراعي لمواجهة فروق الأسعار. لكن الغالبية العظمى منهم عجزوا عن السداد وتعرضوا للحبس أو الهروب من المهنة والديون.

تسريح عمال وتخفيض رواتب

فلاحون يقدمون مقترحاتهم في الجمعية الزراعية

يقول الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن حجم العمالة الزراعية في مصر يمثل 19% من إجمالي قوة العمل أو ما يقترب قليلا من 5 ملايين عامل. كما يشير الجهاز إلى أن الرقعة السكانية في الريف وأغلبها من الفلاحين، آخذة في التآكل.

رئيس اتحاد الفلاحين، قال إن حالة التدهور في الزراعة المصرية وصلت إلى الشركات الحكومية العاملة في المجال. كما تعاني أغلب شركات استصلاح الأراضي العاملة في الإنتاج الزراعي أو الشركات التي تعمل في الأنشطة المصحابة للزراعة من الخسائر الكبيرة. على سبيل المثال سرحت الشركة العامة للأبحاث والمياه الجوفية “ريجوا” عددا كبيرا من العمال بعد إعلان عدم قدرتها على دفع رواتبهم.

رئيس اتحاد الفلاحين طالب بتفعيل المادة 29 من الدستور المصري خاصة بعد إلغاء نسبة 50% عمال وفلاحين من البرلمان. إذ تنص على حماية الرقعة الزراعية واستدامتها والتوسع فيها.

الحاجة لنظام تأميني

في الوقت الذي تعتبر فيه مهنة الزراعة إحدى المهن الشاقة التي لا يستطيع العامل الاستمرار فيها بعد بلوغ سن الـ60. ما يتطلب وضع نظام تأميني يضمن مصدرا للعلاج والدواء في حالة العجز عن العمل أو بلوغ سن المعاش. إلا أن الفلاحين في مصر غابت عنهم التغطية التأمينية بشكل فعلي. رغم وجود البنية القانونية.

محمد محيي الدين نائب رئيس النقابة العامة للزراعة والري والصيد والثروة الحيوانية، يقول إنه رغم صدور القانون رقم 204 لسنة 2014 الخاص بالتأمين الصحي على الفلاحين. لكن حتى الآن لم يتم تطبيقه بشكل فعلي. كما أشار إلى أن العاملين بالقطاع الزراعي والحرف التابعة لها يمثلون 18 حرفة يدفعون اشتراكات مقابل شهادة إثبات المهنة. يمكن استثمارها لتنفيذ خدمات صحية وعلاجية لأعضائها بحسب ما قال محيي الدين.

كما طالب محيي الدين، وزارة التضامن الاجتماعي بإنشاء صندوق لتخصيص معاش للفلاحين عن طريق تحصيل رسوم على الصادارات والواردات الزراعية. كذلك اقتطاع جزء من الضرائب على الأطيان الزراعية لصالح صرف معاش تضامني للفلاحين.

عبد الفتاح شرارة أمين صندوق الجمعية المركزية الزراعية في الغربية، قال إن وزارة الزراعة جمعت 200 جنيه من كل مزارع لتسجيله في مشروع التأمين الصحي. لكن حتى الآن لم يتم إنجاز الأمر على الأرض.

أما المهندس عيد مرسال رئيس النقابة العامة للزراعة والري قال لـ”مصر 360″ إن نظام التأمين الصحي الجديد سيشمل في مظلته جميع العاملين في مهنة الزراعة عندما يتم تعميمه على جميع المحافظات. كما أشار إلى أن الدولة تصمم حاليا نظاما للحماية الاجتماعية للفلاح والعمالة غير المنتظمة. لكنه لم يتم الانتهاء منه إلى الآن.

من يضعف التمثيل النقابي؟

من ناحية أخرى يعتبر تعدد النقابات الفئوية التي تعبر عن الفلاحين أحد أسباب ضعف المطالب وتضاربها من وجهة نظر البعض. فاتحاد الفلاحين يضم 6 نقابات وهناك حوالي 52 نقابة أخرى تتحدث باسم الفلاح. الأمر يؤدي إلى تشتيت الجهود المبذولة لتحقيق أي مطالب خاصة بهم.

عبد الفتاح شرارة أمين صندوق الجمعية المركزية الزراعية بمحافظة الغربية، طالب بإعادة النظر في ذلك العدد من النقابات وتوحيدها لتكثيف الجهود لصالح الفلاح المصري.

تحتاج الزراعة إلى نهضة سياسية وتنظيم ومشاركة في صنع وتحديد السياسات الزراعية. ويرى عدد من الخبراء أن الدولة أضعفت عن عمد دور النقابات العمالية الزراعية للسيطرة عليها.

البرلمان

يرجع عدد من الفلاحين والخبراء حالة التدهور في القطاع إلى غياب من يمثلهم ويتبنى قضاياهم في المجالس التشريعية “مجلسي النواب والشيوخ”. خاصة بعد إلغاء دستور 2014 وتعديلاته، التمييز النسبي الـ50% عمال و50% فلاحين.

الأمر الذي حفز النقابة المستقلة للفلاحين لتبني 9 مطالب في العيد الـ70 للفلاح المصري، كان على رأسها عودة تمثيل الفلاحين في البرلمان.

ضعف التعاونيات

إحدى مديريات الزراعة

في السبعينيات أصدر الرئيس الراحل أنور السادات، قرارا بضم رأس مال الجمعيات الزراعية إلى بنك التنمية والائتمان الزراعي. بعدها وجد الفلاح نفسه مضطرا للاقتراض بفائدة 12 أو 14 بالمئة بدلا من 3 أو 4 في المئة. الأمر أدى لتعثر آلاف الفلاحين عن السداد والحجز على أموالهم وأراضيهم وفاء للدين.

حاليا تتاجر الجمعيات الزراعية في السلع المعمرة مثل البطاطين والأجهزة المنزلية لتدبير رواتب العاملين فيها. كما تركت مهمتها الأساسية في دعم ومساعدة النشاط الزراعي لللفلاحين. إذ تخلت عن توفير الأسمدة والتقاوي والمبيدات المدعمة ما أثر بالسلب على المزارعين.

خبراء أكدوا أن الفلاح يعاني حاليا بسبب تخلي الدولة عنه. كما أن الغالبية العظمى منهم تركوا الأرض بورا معظم أيام السنة بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج. كما باع جزء آخر منهم مواشيه بسبب ارتفاع أسعار العلف. في الوقت الذي وصل فيه إيجار الفدان الزراعي الواحد إلى 12 ألف جنيه.

خبراء الزراعة طالبوا بضخ دماء جديدة في الاتحاد التعاوني الذي لم يتغير بعض أعضاء مجلس الإدارة فيه لعشرات السنوات  بسبب التربيطات الانتخابية. بالإضافة إلى تعديل قانون التعاونيات رقم 122 لسنة 1980 والمعدل برقم 204 لسنة 2014. بالإضافة إلى تشكيل مجالس إدارة جديدة.

“حياة كريمة” وأوضاع الفلاح

تستهدف مبادرة حياة كريمة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في المرحلة الأولى إنشاء 320 جمعية زراعية، و305 مراكز للإرشاد الزراعي. بالإضافة إلى 316 وحدة بيطرية و46 مركز تجميع ألبان بتكلفة 2 مليار جنيه في 20 محافظة.

“الفلاح المصري يحتاج إلى نظام تعاوني قوي وجمعية تعاونية في كل قرية. بالإضافة إلى توفير مستلزمات الإنتاج وكفاءة في تسليم وشراء المحاصيل. وتعيين عدد كبير من المرشدين الزراعيين لمساعدة الفلاح وتوجيهه لاستخدام أنسب الطرق في الزراعة. فهل ستوفر حياة كريمة كل ذلك”.. يقول الخبير الزراعي إسماعيل الجزيري لـ”مصر 360″.

نقيب الفلاحين حسين أبو صدام يشير أيضا إلى اهتمام الدولة بالأرض الزراعية ويقول إن الرقعة الزراعية زادت من خلال التوسع الأفقي الناتج عن الاستصلاح الزراعي من خلال مشروعات قومية عملاقة كمشروع الدلتا الجديدة ومشروع المليون ونصف المليون فدان. بالإضافة إلى البدء الفعلي في إنتاج تقاوي الخضر محليا ضمن المشروع القومي لإنتاج التقاوي وأنشئت الصوامع الحديثة لحفظ الغلال.

يضيف أبو صدام أن الدولة تعمل على تقنين أراضي واضعي اليد والبدء الفعلي في تطوير القرى المصرية عن طريق مبادرة “حياة كريمة” ومشروع الأيادي المنتجة. كما أدخلت نظم زراعة حديثة يتم تنفيذها بالفعل في المشروع القومي لزراعة 100 ألف فدان مع بدء تفعيل نظام الزراعة التعاقدية في بعض المحاصيل.

ويذكر أبو صدام أن مشروع شباب الخريجين في الشرقية وكفرالشيخ والنوبارية وسيناء حقق نجاحا كبيرا. كما طالب بتعميمه في باقي المحافظات التي لها ظهير صحراوي للخروج من أزمة ضيق الرقعة الزراعية في قرى الدلتا القديمة.

مطالب الفلاحين

مبادرة حياة كريمة في المحافظات

بحسب حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، فإن أهم مطالب الفلاحين المصريين تنحصر في إنشاء صندوق التكافل الزراعي وإعادة هيكلة الإرشاد الزراعي بما يواكب العصر الحالي. بالإضافة إلى النظر بجدية في تخفيف أسعار الطاقة الخاصة بالإنتاج الزراعي. كذلك إعادة هيكلة منظومة توزيع ودعم الأسمدة مع إعادة صياغة الكتب الزراعية الدراسية بما يواكب الحاضر والاهتمام بالمدارس الزراعية.

كذلك أوصى بإنشاء مجلس قومي للفلاحين يتبع مباشرة رئاسة الجمهورية. وسرعة إقرار قانون النقابة المهنية للفلاحين وعمل بعثات دولية للفلاحين لرؤية ومواكبة التطور الزراعي في الدول المتقدمة زراعيا.

بالإضافة إلى ذلك لا بد من سن قوانين وتشريعات تخدم القطاع الزراعي والبيئة الزراعية. فمساحة الريف القديم البالغة 7 آلاف قرية مازالت نفس المساحة. رغم زيادة عدد السكان بالأضعاف ما سمح بالتمدد والتعدي بالمباني على الرقعة الخضراء.