لم يكن الإعلان الأخير لشركة عقارية إماراتية كانت مصرية حتى عدة أسابيع فقط، بشأن طرح وحدات بالدولار الأول ولن يكون الأخير من نوعه. إذ إن تلك الظاهرة تنتشر دائما حينما تحدث أزمة عملة أجنبية في مصر. ليبدأ أصحاب العقارات الفاخرة في عرضها للإيجار أو البيع بالدولار بدلا من الجنيه للأجانب والعرب، رغبة في جني مكاسب مضاعفة من ارتفاع سعر صرف العملة.

صحيح أن الشركة المذكورة تراجعت وقالت إن الإعلان كان موجها للمصريين في الخارج، وتم تعميمه بالخطأ. لكن منذ خمسة أشهر، انتشرت عبر المنصات الإعلانية المتخصصة في العقارات، إعلانات لتأجير وحدات سكنية في الأحياء الراقية خاصة سرايات المعادي والزمالك والمهندسين بالعملة الأمريكية. يأتي هذا رغم وجود نص قانوني واضح، يجرم التعامل بغير الجنيه المصري في السوق المحلية.

إذ تنص المادة رقم 126 من قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 على معاقبة الأشخاص المستخدمين لأي عملة أجنبية بدلا من عملة الدولة في شراء وبيع السلع والخدمات داخل مصر.

كما يعرف غالبية العاملين في القطاع العقاري خاصة السماسرة تلك المادة جيدا. لكن ضعف الغرامة المالية الموقعة على ذلك التصرف لا يضمن الرادع. إذ لا تقل الغرامة عن 10 آلاف جنيه مصري (520 دولار) ولا تتجاوز 20 ألفًا (قرابة ألف دولار).

اقرأ أيضا.. الاقتصاد المصري في 2022: رفع الفائدة يهدد النمو.. وإلغاء الدعم قادم

مخاطر البيع بالدولار

الإعلان الذي تسبب في أزمة قبل أن تتراجع الشركة الملعنة عنه

في 2015، حينما استفحلت ظاهرة التعامل بالدولار في السوق المحلية بدلا من الجنيه، عقدت اللجنة الوزارية الاقتصادية اجتماعا برئاسة إبراهيم محلب رئيس الحكومة حينها. وقتها أكدت اللجنة عدم تحصيل قيمة أي سلعة أو خدمة داخل مصر بعملات أجنبية بدلا من الجنيه. بينما صدرت دعوات للأجهزة الرقابية للدولة بإحصاء العمليات التجارية والاقتصادية التي تتم بعملات أجنبية داخل السوق من قبل بعض الشركات.

خطورة البيع بالدولار في السوق المحلية تكمن في إضعاف الثقة في الجنيه على المستوى النفسي. بالإضافة إلى تمهيد نشوء مشكلة “الدولرة” التي تعني استخدام سكان دولة ما العملة الأمريكية في تعاملاتهم، بدلا من عملتهم الوطنية. لكنها تعطي إيحاءً حتى ولو كان غير صحيح بعدم قدرة البنوك المركزية على التحكم في السياسة النقدية للدولة.

“الدولة تبيع بالدولار”

مشروع بيت الوطن مخصص للمصريين في الخارج بالعملات الأجنبية

رئيس إحدى شركات التسويق العقاري ابدى دهشته من رفض طرح وحدات عقارية بالعملة الأجنبية. كما اعتبر ما قال إنه “حساسية العملة” أمرا من الماضي. خاصة أن وزارة الإسكان ذاتها طرحت مشروع بيت الوطن بالدولار، بأسعار تتراوح بين 165 و600 دولار للمتر، بحسب ما قال.

يضيف لـ”مصر 360″ أن الدولة كررت الأمر ذاته في مشروع مجرى العيون. إذ طرحت 79 عمارة بإجمالي 1924 وحدة سكنية بسعر يعادل 885 دولار أمريكي للمتر الواحد. وبالتالي من حق القطاع الخاص أيضا أن يتعامل بالعملة الصعبة، بحسب ما قال.

المحامي خالد علي، أقام في يونيو/حزيران الماضي، دعوى برقم 58014 أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في هذا الشأن. علي قال في الدعوى إن اشتراط حجز وسداد قيمة الوحدة بالدولار يخالف قانون العقوبات المصري، ويفتقد للسبب المشروع. ذلك أن تحويلات المصريين المقيمين بالخارج هي من أهم مصادر الدخل القومي والعملات الأجنبية، ومدخراتهم تحول إلى داخل البلاد بشكل طبيعي. بالتالي فإن اشتراط السداد بالدولار لن يضيف جديدا على تحويلات المصريين بالخارج، لكنه يحرم المقيمين من المنافسة على الوحدات.

بينما يؤكد رئيس الشركة القائمة على المشروع فإن الحكومة تتجه نحو تصدير العقار حاليا بمستهدف يصل إلى 3 مليارات دولار سنويا. في محاولة لدعم الاحتياطي النقدي. والبيع بالدولار وسيلة تخدم الدولة، خاصة أن تلك المبالغ سيتم تحويلها إلى الجنيه المصري.

بحسب منظمة الهجرة الدولية يوجود نحو 9 ملايين لاجئ في مصر بما يعادل 8.7% من عدد سكان البلاد. أغلبهم من البلدان المجاورة التي تعاني مشكلات سياسية وأمنية. وهم -بحسب البعض- فرصة للبيع بالدولار وفقا للشركات العقارية.

ووفقا لغرفة التطوير العقاري، فإن نحو 500 ألف مقيم أجنبي بمصر لديهم القدرة المالية على شراء وحدة سكنية مقابل 5 ملايين جنيه. كما استهدفتهم الدولة أخيرا عبر قانون منح الإقامة مقابل شراء وحدة سكنية.

سلوك قديم

يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، رئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إن البيع بالدولار في مصر كان دارجا في عهد حكومة عاطف صدقي. حدث ذلك بحسب فهمي، حينما وجدت قوائم انتظار لبعض السلع يتم اختصارها لمن يملك دولار إلى الحصول على السلعة فورا. كذلك لاقت تلك السياسة بعض النجاح فيما يتعلق بأزمة نقص العملة.

وبحسب فهمي كانت الفترة من نهاية السبعينيات حتى مطلع الثمانينيات، المثال الأكثر وضوحا لبيع العديد من السلع الأساسية بالدولار داخل الدولة. حتى وصل الأمر لأن يبحث المواطنون المصريون عن العملة الأجنبية لشراء بعض السلع المعمرة مثل السيارات والثلاجات.

ويضيف فهمي: “كان المواطن لا يستطيع الحصول على ثلاجة من شركة إيديال إلا إذا حجزها له قريب أو حبيب مسافر للخليج بالعملة الصعبة، وبرقم جواز سفره من السوق الحرة”.

ظهرت تلك الظاهرة بعد حرب أکتوبر 1973، وانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من مشكلات في التطبيق. الأمر انعكس على قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية.

حينها قررت الحکومة المصرية إنشاء ما أطلق عليه “السوق الموازية للصرف الأجنبي”. ما أضفى نوعا من الشرعية على تداول العملات بين المصارف بسعر غير السعر الرسمي الذي يحدده البنك المرکزي. وحتى إبريل 1981 ظلت قيمة الجنيه المصري أکبر من قيمة الدولار، حتى اقتربت قيمة العملتين من حد التعادل.

يوضح فهمي: “البيع بالدولار ربما يكون أمرا مقبولا للأجانب المقيمين في مصر أو اللاجئين لحل الأزمة الدولارية في السوق حاليا. خاصة إذا فكرنا من منطق الضرورات تبيح المحظورات لكن بشرط أن يطلب الزبون الشراء بالدولار وليس مقدم الخدمة أو السلعة. وإلا يتم التمييز لصالحه حال وجود عميل يطلب الخدمة ذاتها بالجنيه”.