لم يتخيل الطفل “شنودة فاروق” البالغ من العمر 4 سنوات إن قوانين الأحوال الشخصية المصرية قد تخرجه من حضن والديه بالتبني إلى دار لرعاية الأيتام. خاصة وأن الطفل الذي فتح عينيه بين ذراعيهما لا يعرف من الدنيا إلا ما تلقاه في بيتهما من عطف وحنان.
الطفل “شنودة” تغير اسمه إلى “يوسف” بقرار من النيابة العامة المصرية. وقال والداه بالتبني إن قس الكنيسة التي ينتميان إليها عثر عليه رضيعا مجهول النسب في حمام الكنيسة فأهداه لهما بعد سنوات من انتظار الإنجاب. فما كان منهما إلا أن نسبا الطفل إليهما كابن وحيد لرجل ميسور الحال. لكن عائلة الأب التي تنتظر ميراثا كبيرا في المستقبل، قررت أن تخرج “شنودة” من جنته، واتهمت والديه باختطافه وتزوير نسبه.
أب شنودة بالتبني “فاروق فوزي” قال لوسائل إعلام مصرية إن النيابة العامة أجرت له ولزوجته تحليل إثبات نسب لتقرر بعدها أن النسب مزور. قبل أن يفرج عن الوالدين بعد التأكد من حسن نيتهما. بينما أودع الطفل دارا لرعاية الأيتام وتغير اسمه إلى “يوسف” ودينه إلى الإسلام على اعتبار إن مجهولي النسب دائما ما ينتسبون للدين الإسلامي ويسمون بأسماء إسلامية. ما أغضب شريحة كبيرة من المسيحيين المصريين ومنح القضية طابعا حقوقيا.
اقرأ أيضا.. “قانون الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية”.. إصلاح منتظر أم تغيير إرادة الرب؟
هل ينص القانون على اعتبار مجهول النسب مسلما؟
زينب خير الحقوقية المتخصصة في حقوق الطفل قالت لـ”مصر 360″: “ليس هناك أي نص في القانون المصري يجعل من الطفل مجهول النسب مسلما بالفطرة، مثلما يشاع بل هو عرف جرت العادة على اتباعه من قبل موظفي الرعاية الاجتماعية الذين يتسلمون الأطفال في دور الرعاية فيمنحونهم أسماء رباعية. مشيرة: في السابق كان الطفل مجهول النسب يحصل على اسم ثلاثي ثم تغير الوضع بعد ذلك للاسم الرباعي.
توضح خبيرة حقوق الطفل قضية “شنودة” قانونيا قائلة: “الأسرة خالفت القانون باستخراج شهادة ميلاد باسم الطفل ونسبته لها الأمر الذي دفع النيابة لحفظ القضية لأنها حالة إنسانية وربما لأن العائلة لديها جهل بالقانون”. مضيفة: “قبل أربع سنوات حين أقدمت الأسرة على احتضان الطفل شنودة كان نظام الاحتضان يواجه صعوبة شديدة حتى ظهرت لائحة العام الماضي لتنظم وضع احتضان الأطفال وبدأت الأسر المسيحية في احتضان أطفال من نزلاء دور الرعاية. ما يفسر إقدام أسرة شنودة على هذا المسلك”.
الحل لـ”الكارثة”
زينب خير تشدد: “المكان الطبيعي للطفل هو البيت وليس دار الرعاية فالدار مؤسسة يوضع فيها الطفل حتى يتسلمه أحد الأشخاص ويبدأ في كفالته أو احتضانه. بينما تتابع وزارة التضامن الاجتماعي هذه المسألة دون أن يلاحظ الطفل أية ظروف تتعلق بوضعه أو تاريخ نسبه. لأن ذلك يشكل خطرًا على حالته النفسية”.
وانتقدت زينب الادعاء بالقول إن القانون المصري يجعل أي طفل مجهول النسب مسلما. كما أكدت مجددا أن الأمر مجرد عرف جرى اتباعه ويتعلق بالمكان الذي عثر على الطفل فيه وليس بشكل مطلق.
كذلك يؤكد المستشار بشير عبد العال الرئيس السابق لمحكمة جنايات القاهرة والفقيه القانوني في مقال سابق له إن فقهاء الإسلام ذكروا إن الطفل المعثور عليه يكون مسلما، إلا إذا تم التقاطه من مكان لا يدين أهله بالإسلام ككنيسة مثلا أو بيعة أو قرية من قراهم، وحينئذ لا يكون مسلما وهو ما حدث في حالة الطفل شنودة.
خبيرة حقوق الطفل وضعت حلا قانونيا يراعي مصلحة الطفل الفضلى على حد تعبيرها وهو أن تسعى الكنيسة التي عثر فيها على الطفل إلى إثبات ذلك قانونيا بشهادة الكاهن أو من عثر على الطفل قبل أربع سنوات. ومن ثم يتم إيداع الطفل دار رعاية تابعة للكنيسة ثم تتسلمه أسرته التي احتضنته السنوات الماضية مرة أخرى. دون أن يؤثر الأمر على مسار الطفل المحتضن الذي ربما تعرض لصدمة نفسية جراء ما حدث له.
تكمل زينب: “في قضايا التبني أو الاحتضان نستند لقاعدة مفادها بأن مصلحة الطفل الفضلى وإعلاء هذه المصلحة هي الفلسفة الأساسية في قانون الطفل، ومن ثم تغيير اسم الطفل وإيداعه دار رعاية هي كارثة إنسانية وضد مصلحة الطفل وتتعارض مع أبسط حقوقه”. مشددة: “ما جرى يؤدي إلى تدمير نفسية الطفل وحياته ومخالف لفلسفة القانون”.
مسئولية المسيحيين والضغط المجتمعي
وفي نفس السياق يعيد مكاريوس لحظي المحامي والحقوقي الكرة إلى ملعب قانون الأحوال الشخصية للأقباط والذي تم تعديله عام 2008 حين قرر البابا شنودة الثالث إيقاف العمل بلائحة عام 1938 والتي كانت تبيح التبني للأسر المسيحية وهو أمر لا يخالف اللاهوت المسيحي.
يشير لحظي إلى أن كافة محاولات إصدار قوانين للأحوال الشخصية للمسيحيين كانت الطوائف المسيحية تطيح فيها ببند التبني. كما تتخلى عنه طوعا في ظل موائمات وتفاهمات مع الدولة لا سيما في العصور السابقة.
يفرق لحظي بين مفهوم الإسلام دين الدولة الذي يرفع في وجه المسيحيين حين يسعون لإصدار قوانين لهم قد يراها آخرون تخالف الشريعة الإسلامية. وبين مفهوم تطبيق الشريعة في القانون المصري. إذ يؤكد: “القانون المصري لا يطبق الشريعة بمعناها الكلاسيكي فلا تأمر المحاكم المصرية بقطع يد السارق. ومن ثم إصدار قوانين تبيح التبني للمسيحيين لا يتعارض مع الشريعة بمعناها المعمول به في القانون المصري” في إشارة من جانبه لما يعتبره مرونة في مفهوم تطبيق الشريعة.
الحقوقي أوضح كذلك أن المادة الثانية من الدستور تمنح غير المسلمين الحق في تطبيق شرائعهم الخاصة وهو ما يمكن الاستناد إليه عند محاولة إصدار قانون أحوال شخصية جديد.
في نفس السياق فإن قانون الأحوال الشخصية الجديد للأقباط، الذي عكفت الكنائس المصرية للاتفاق عليه وتم الانتهاء منه العام الماضي وتسليمه لوزارة العدل. خلا تماما من بند إباحة التبني الذي كان مقترحا في مسودات القانون السابقة ما دفع النائب إيهاب رمزي عضو مجلس النواب لتأكيد أن الطوائف أطاحت ببند التبني حتى لا تصطدم بالشريعة الإسلامية مما يضع “القانون” المتعثر أمام عقبات جديدة.