كتبت- مارسيل نظمي:

أثارت الأخبار المتداولة بشأن نادي “عيون مصر”، والصور المنتشرة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الجدل. خاصة بعد تصريحات نسبت لمصادر حكومية، تفيد بأن النادي تابعا للكنيسة المصرية وتحت إشراف وزارة الشباب والرياضة، قبل أن تنفي الوزارة التصريحات في بيان رسمي.

القس جرجس شفيق المسؤول الإداري لنادي عيون مصر (تحت التأسيس) قال إن فكرة النادي التابع لإيبارشية كنائس وسط القاهرة، هي البحث عن موهوبي كرة القدم الذين خذلتهم الأندية الكبرى لأسباب إما طائفية أو مادية.

شفيق قال لـ”مصر 360”: “الكنيسة داعمة لعيون مصر دون التدخل في إدارته، والنادي سيكون مثله مثل أي مدرسة أو مستشفى كنسي متاحا للجميع. كما سيقدم فرصة للمواهب الحقيقية بعيدا عن دينهم أو طائفتهم. كما أوضح أن 60% من الإداريين العاملين فيه من المصريين المسلمين، وفكرته بدأت منذ عام حين نظمت الكنيسة مهرجانا كرويا لفتيان المحافظات ومحبي كرة القدم”.

اقرأ أيضا.. الكنيسة والدولة.. من “العصا والجزرة” إلى المواطنة

نادي عيون مصر.. جدل لا يتوقف

في غضون ساعات من انتشار الخبر الخاص بالنادي على الصفحة الرسمية له في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بدأت حالة من الجدل لم تتوقف. انقسم المتجادلون لفريقين، أحدهما يؤيد الفكرة ويعتبرها فرصة لمد يد العون لمن لا فرصة له. من خلال تجربة ناشئة. بينما رأى أخرون أن الفكرة مرفوضة من الأساس. معتبرين أن تأسيس ناد تشرف عليه الكنيسة فرصة لتكريس مزيدا من التعصب.

على الجانب الرسمي، أكد الدكتور محمد فوزي، المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة، أن الوزارة تتعاون مع الكنيسة والأزهر، على صعيد الأنشطة الرياضية والشبابية. لكن في حدود القانون الذي يمنع تأسيس نادي على أساس ديني أو أي نشاط رياضي يتبع مؤسسة دينية. مؤكدا عدم وصول أي أوراق إلى وزارة الشباب والرياضة خاصة إشهار نادي “عيون مصر”.

ورغم النفي الرسمي، إلا أن الفكرة ألقت حجرا في مياه راكدة للحديث عن الطائفية في الرياضة وكرة القدم المصرية بالتحديد. وكيف أن وجود نادي يخضع إلى إدارة الكنيسة، من الممكن أن يكون امتدادا لطائفية موجودة بالفعل في الواقع.

الرياضة في مصر.. “أخبرنا بدينك أولا”

تعمل أندية الكنائس المصرية كخلية نحل لا تتوقف لإفراز مواهب كروية تشارك في دوريات تجوب المحافظات. من خلال عدة فرق تتطلع لإحراز انتصار حتى ولو على مستوى “دوري الكنائس”. خاصة بعد أن عجزوا عن تحقيقه في أغلب الأندية المصرية التي امتنع فيها عدد لا بأس به من المدربين عن ضم أسماء مسيحية حتى وإن كان بشكل غير رسمي أو معلن.

الأمر دفع قطاعا كبيرا من الآباء المسيحيين للتوقف عن تشجيع أبنائهم لحلم ممارسة الساحرة المستديرة. خاصة مع تكرار تجارب الرفض، واستبدالها برياضات أخرى. خوفا من الوقوع في موقف يطيح بأحلامهم كما حدث مع الطفلين “بيير زهير” وزميله “مينا عصام” اللذان انتشرت قصتهما عام 2016 حين استبعدهما أحد كباتن الأهلي التاريخيين من النادي بسبب اسميهما.

القصص لا حصر لها عن تضييقات تمارس ضد أطفال وشباب قيل لهم “أسمائكم المسيحية تحتاج للتغيير”. منها ما حدث مع الشاب السكندري “مينا البنداري”، الذي اضطر مرغما لترك ناديه في منطقة الشاطبي بالإسكندرية بسبب طلب الإدارة تغيير اسمه. وآخرون غيره انتهى بهم الحال للبحث عن بديل داخل أندية الكنيسة، أو قبول البقاء على دكة الاحتياطي في أندية الدوري على أفضل تقدير.

كرة القدم اللعبة الأبرز في إظهار هذا الجانب المظلم من الرياضة في مصر. لكن هذا لا ينفي حدوث مواقف مشابهة من الاستقطاب والانتقاء على أساس الدين في رياضات أخرى.

ميرفت خلف تروي موقف تعرضت له ابنتها عام 2017 من قبل لجنة مشكلة في إحدى المدارس الابتدائية أثناء اختيارها العشوائي لتلاميذ يخوضون اختبارات العدو السريع. ورغم نجاح ابنتها في المرحلتين الأولى والثانية من الاختبارات، وفوزها بالمركز الأول في التصفيات إلا أنها قالت إنها سمعت بنفسها عبارة “دي مسيحية” على لسان إحدى القائمات بتسجيل بيانات التلاميذ حين علمت اسمها الثلاثي. تقول ميرفت: “قالت جملتها للكابتن الذي صمت وأخبرني عن مستوى ابنتي الممتاز. ووعدني بالاتصال بالبنت وهو وعد لم يتحقق إلى الآن”.

عيون مصر.. مزيدا من السيطرة على الأقباط

الأنبا رافائيل مع وزير الشباب والرياضة
الأنبا رافائيل مع وزير الشباب والرياضة

قبل 25 يناير 2011 ومنذ السبعينيات كان هناك اتفاقا غير معلن بين الأنظمة السياسية المتتالية من ناحية، والقيادات الكنسية من ناحية أخرى على بقاء المسيحيين ككتلة واحدة داخل أسوار الكنيسة. الأمر له عدة مميزات للسلطة أهمها سهولة السيطرة خاصة في أوقات الانتخابات وإصدار القوانين والتشريعات. لكن ذلك التحالف غير المعلن ساهم في شحن أجواء طائفية. ومع الوقت أصبحت الكنيسة بديلا للمجتمع وتوسعت الأنشطة الرياضية والفنية والروحية داخل الكنائس. بداية من المسرح والكورال وحتى المسابقات الرياضية.

بحسب مصادر، فأن نادي “عيون مصر” جاء استكمالا لهذه الفكرة، ورغم تأكيد المسؤول الإداري للنادي فتح أبوابه للجميع دون استثناء. إلا أن الأزمة ترسخ لمزيد من الانعزالية، حين يختار المسيحي الحل الأسهل في توفير مساحة آمنة له بدلا من الوقوف بندية أمام المؤسسات المدنية، والمطالبة بحقوقه الغائبة. الأمر يبني مجتمعا موازيا لا يعرف شيء عن الآخر ولا يشاركه في المنافسة. بحسب ما قال الكاتب والباحث القبطي جمال أسعد.

أسعد رفض فكرة نادي “عيون مصر” بشكل كامل، وقال لـ”مصر 360″: “تدشين نادي كنسي ردة طائفية وتكريسا للفرقة. كما أنه يعتبر إسقاطا للدولة المدنية ومحاصرة للمواطنة داخل أسوار الكنائس”.

نادي عيون مصر.. “طائفية مضادة”

أسعد أوضح أن عواقب تأسيس ذلك النادي المتوقعة مستقبلا تزيد عن كل إيجابياته المعلنة. فإذا كانت فكرته تجنب الشباب المصري المسيحي ضياع الفرص في النوادي العامة على أرضية دينية أو طائفية. فالأجواء العامة لا تتحمل مزيدا من الهجرة إلى الكنيسة لنرى على نفس الشاكلة نادي للأزهر ونادي للسلفيين وآخر للبروتستانت. كما أن تصدر الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة، الذي قد يمكن وصفه بصاحب الأفكار الأكثر رجعية للصورة، أمرا لا يبشر بأي نتائج إيجابية لهذه الفكرة. بحسب ما قال.

الرأي نفسه شاركه فيه الباحث في الشأن القبطي، سليمان شفيق، الذي قال إنه حتى مع انتشار الأندية التابعة لجمعيات الشبان المسيحيين، تظل فكرة نادي “عيون مصر” لها خطورتها. إذ أنها ترجع في الأساس إلى كونها تغذي الفكر المتطرف على مستوى النشاط الرياضي. الأمر موجود بالفعل ولا ينكره أحد. لكن تأسيس نادي رسمي بهذا الشكل يغذيه أكثر.

وأضاف لـ”مصر 360″: “الممارسات الطائفية معلومة للجميع واستهدفت هدم مواهب شابة بناء على هويتهم الدينية، ورغم نفي وزارة الشباب والرياضة إقامة النادي على أساس ديني. إلا أن الدين سيظل حاضرا أمام أي شاب موهوب مسيحي الديانة يريد الاشتراك في النادي. وبناء عليه سنصبح أمام جيل من اللاعبين المسيحيين المنعزلين عن المنافسة في الأندية الكبرى. يقابله شباب مسلم في الأندية المواجهة. لتتحول المدرجات إلى ساحة طائفية بامتياز خلال سنوات قليلة”.

نادي الكنيسة.. طائفية مضادة

الناشط القبطي رامي كامل أكد في منشور له على صفحته الخاصة بموقع “فيسبوك”، أنه أول من دعم تأسيس نادٍ رياضي يفتح أبوابه لكل المصريين ويقدم فرصة بديلة للأقباط المحرومين من الانضمام للأندية الجماهيرية. خاصة أن الطائفية موجودة بالفعل في إدارة الرياضة بشكل عام في مصر.

وقال لـ”مصر 360”: “خلال قرابة قرن من الزمان أرسلت مصر حوالي 30 بعثة رياضية للمشاركة في الأولمبياد شارك بها حوالي 5 آلاف لاعب وإداري بين ألعاب فردية وجماعية. المفاجأة أن عدد اللاعبين المسيحيين في كل ذلك بلغ 50 لاعبا وإداريا قبطيا فقط بنسبة لا تتجاوز الـ1%!!”. كما أضاف أنه من بين حوالي 13 ألف لاعب وإداري مسجلين في اتحاد كرة القدم، يصل عدد الأقباط فيهم إلى أقل من 20 قبطيا بنسبة لا تصل إلى 2 من كل ألف.

كما أضاف: “اثنان من رجال الأعمال الأقباط أسسا ناديين رياضيين وهما سميح ساويرس مؤسس نادي الجونة، وماجد سامي شقيق القس بطرس سامي مؤسس نادي وادي دجلة. لكن من إجمالي أعضاء الناديين الذين تجاوز 600 ألف وصلت نسبة تمثيل الأعضاء الأقباط فيهما إلى 60%، لا يوجد لاعب مسيحي واحد في الناديين”.

في المقابل يرى أستاذ علم الاجتماع علي الجبلي، أن الأنشطة المبنية على الفرز الطائفي بشكل عام، أو التي تتصدر فيها الصورة المؤسسات الدينية تمثل ردة للوراء. كما تسير في خط الاتجاه العالمي الذي يسعى طوال الوقت للتفرقة بين أي ثنائية مختلفة “رجل/ إمرأة، مسيحي/ مسلم”. وقال لـ”مصر 360″: “على الجميع الانتباه لمثل هذه التحركات التي تفرق أكثر من أن تجمع. حتى وإن كان منبعها الرغبة في المساواة”.

وتبنى “الجبلي” الحديث على أرضية واحدة وهي المواطنة، قائلا: “ما يهمنا هو ضرورة حث الدولة ومؤسساتها على ترسيخ المواطنة وعدم التفرقة بين المواطنين على أسس دينية. بالإضافة إلى تجفيف منابع التطرف في مهدها في جميع القطاعات والرياضة جزء منها”. كذلك أوضح أنه على وزارة الشباب والرياضة الانتباه إلى تلك الممارسات الطائفية التي تحدث في الأندية.