في محاولة لكسب الصراع المتصاعد بشأن أزمة سد النهضة لصالحها . نظمت أديس أبابا “المؤتمر الإقليمي لدول أعالي حوض النيل” في الفترة 5-7 سبتمبر/أيلول الجاري. باستثناء مصر ورواندا حضرت دول الحوض المؤتمر بدعوة وجّهتها إثيوبيا. وذلك لزيادة تعزيز أعمال اللجنة المخططة للتنمية المشتركة لدول الحوض. وكذا الإسراع في التصديق على الاتفاقية الإطارية لنهر النيل (CFA).
في المقابل أشارت تقارير إلى محاولات مصرية للتقرب أكثر من أوغندا. حيث تعتزم القاهرة مساعدة كمبالا في تحقيق الأمن الغذائي. في محاولة لتوجيه ضربة للتحالف الأوغندي-الإثيوبي الخاص بقضية السد. حيث زار وفد أوغندي يوم 24 أغسطس/آب موقع السد الإثيوبي المثير للجدل على النيل الأزرق -أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل.
قبلها خلال الاجتماع السنوي لمجلس وزراء حوض النيل الذي عقد في تنزانيا 19 أغسطس/آب الماضي دعت إثيوبيا وأوغندا دول حوض النيل للانضمام إلى اتفاقية إطار التعاون -المعروفة أيضًا باسم اتفاقية عنتيبي– وبحسب بيان صادر عن الخارجية الإثيوبية “دعت إثيوبيا وأوغندا خلال المؤتمر دول حوض النيل التي لم توافق بعد على CFA للانضمام إليها لرفع مبادرة حوض النيل إلى هيئة حوض نهر النيل”.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تكرس عدوانها المائي.. مؤتمر إقليمي يستبعد مصر والمواثيق القانونية
وأضاف البيان: “باستثناء مصر اتفق جميع المشاركين في اجتماع مجلس وزراء حوض النيل -الذي عقد في دار السلام بتنزانيا- على العمل معًا لتحقيق هذه الغاية”.
التلاعب بالحقوق
تأسست مبادرة حوض النيل عام 2000 في تنزانيا بهدف تعزيز التعاون بين دول حوض النيل. لكن في يونيو/حزيران 2010 جمدت القاهرة عضويتها بعد توقيع أغلب الدول الأعضاء على الاتفاقية الإطارية في مدينة عنتيبي الأوغندية. والتي أعطت دول المنبع الحق في بناء سدود على نهر النيل دون إجراء ترتيبات مع دول المصب. ووقع على الاتفاقية (إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا). وبموجب الاتفاقية تنقضي الحصص التاريخية لمصر والسودان (55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان). كما تفتح الاتفاقية الباب لإعادة تقسيم المياه بين دول الحوض.
ورفضت كل من مصر والسودان الاتفاقية الموقعة في عام 2010. وفي عام 2016 عادت مصر مرة أخرى إلى مبادرة حوض النيل. في الوقت الذي تعمل فيه الدول الأعضاء على إنشاء لجنة حوض نهر النيل أكثر ديمومة لتحل محل مبادرة حوض النيل.
أيضا أعلنت إثيوبيا إكمال الملء الثالث لسد النهضة في أغسطس/آب الماضي دون تنسيق مع دولتي المصب -مصر والسودان- وهي الخطوة التي رفضتها الدولتان باعتبارها إصرارا واضحا على الإضرار بالأمن المائي لشعبي الدولتين.
ونقلت المونيتور/ Al Monitor عن الدكتور عباس شراقي -أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة قوله: “دعوة أوغندا وإثيوبيا لإنشاء لجنة حوض نهر النيل هي محاولة لتعبئة دول حوض النيل في كيان موحد بقيادة أديس أبابا”. وأضاف أن إثيوبيا “تحاول حشد دول حوض النيل. وبالتحديد دول المنبع لتظهر للعالم أن هذه الدول متحدة في مواقفها ضد مصر في أزمة سد النهضة”.
تفكيك التحالف الإثيوبي-الأوغندي
عندما زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوغندا في ديسمبر/كانون الأول 2016 أعلن خلال زيارته استعداد مصر لتنفيذ المزيد من المشاريع المشتركة في أوغندا. وفي مايو/أيار 2018 زار الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني القاهرة. حيث التقى بنظيره المصري.
وقتها وقع البلدان عدة اتفاقيات من بينها عقد بين وزارة الكهرباء المصرية ووزارة الطاقة الأوغندية لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 4 ميجاوات في أوغندا. كما وقعت الهيئة المصرية للتنمية الصناعية وهيئة الاستثمار الأوغندية مذكرة تفاهم لإنشاء وإدارة مناطق صناعية ومذكرة تفاهم للتعاون الزراعي.
وفي 25 أغسطس/آب 2022، التقى وفد أوغندي برئاسة وزير الزراعة والصناعة الحيوانية والثروة السمكية كاجيجي تومويبازي مع وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري السيد القصير في القاهرة. واتفق المسئولان على العمل معًا لتحسين الإنتاج الزراعي الأوغندي مع دعم مصر لأوغندا في تقنيات الري الحديثة.
ويشير تقرير المونيتور/ Al Monitor إلى أن مصر تعمل على كسر التحالف بين إثيوبيا وأوغندا عبر التقارب مع الأخيرة في عدة محاور. منها التعاون في مجال الأمن الغذائي. كما “عملت مصر لسنوات على تفكيك التحالف الأوغندي-الإثيوبي. فقد أبرمت القاهرة اتفاقية تعاون في مجال المخابرات الحربية مع كمبالا في عام 2021 لمكافحة الإرهاب والجرائم الأخرى”.
أيضا “تتولى مصر مشاريع الطرق والبنية التحتية في أوغندا عبر شركة المقاولون العرب للبناء. بما في ذلك بناء طريق Balisa Kamenkuli وطريق Masaka-Bukakata وطريق Baleisa Kumi. بالإضافة إلى إعادة تأهيل وتوسيع مستشفى Kayunga”.
وتدعم مصر أوغندا في جهودها لتطوير مواردها المائية عبر مشاريع الوقاية من الفيضانات في منطقة كاسيسي في غرب أوغندا. وبناء سبعة سدود وحفر 75 بئرا في المناطق النائية في أوغندا.
اقرأ أيضا: عقود وفاجنر واستثمار.. كيف تحاول ثلاث قوى عالمية السيطرة على أفريقيا؟
خطوات مضادة
دفعت جهود القاهرة المتصورة لتفكيك التحالف الأوغندي الإثيوبي أديس أبابا إلى اتخاذ خطوات مضادة لتعزيز التعاون مع كمبالا.
ففي أغسطس/آب 2021 زار رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أوغندا. والتقى بالرئيس موسيفيني وبحث الجانبان سبل زيادة التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
وخلال اجتماع مع وزير الدفاع الأوغندي فنسنت بامولانجاكي سمبيجا في 2 يونيو/حزيران 2022 أكدت سفيرة إثيوبيا في كمبالا ألمتسيهاي ميسريت اهتمام بلادها بتحسين العلاقات بين البلدين.
وبينما يستبعد المراقبون احتمالية لجوء مصر إلى استخدام القوة العسكرية لحل أزمة سد النهضة لأسباب منها حرص مصر على حفظ علاقاتها قوية مع دول أفريقيا. وأن القاهرة ليست ممن يرجحون الحل العسكري لحل مشكلاتها مع مختلف الدول. يتوقع أن تنتهج مصر الحل السياسي والاستمرار في التفاوض والضغط حتى الوصول إلى حل يُرضي جميع الأطراف.
ورغم أن المسار التفاوضي من العمليات التي تتطلب وقتا وجهودا طويلة. إضافة إلى التحلي بالصبر واستخدام أدوات التفاوض المناسبة. يلفت وزير الري الأسبق محمد نصر علام لـ”المونيتور” إلى أن مواقف أوغندا كانت تاريخيا داعمة لإثيوبيا رغم أن مصر من أكثر الدول التي دعمت أوغندا.
وأشار “علام” إلى أنه من خلال تقاربها مع إثيوبيا تبتز أوغندا مصر للحصول على مزيد من المساعدات والمشاريع”. مضيفًا أن القاهرة يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي وأن تحرص على عدم ترك أوغندا تتحرك نحو مزيد من التقارب مع إثيوبيا.