يعتبر ملف المسيحيين في مصر من الملفات الشائكة حين يتم تناوله بشكل اجتماعي، ويصبح أكثر خطورة حين يتم استغلاله سياسيا، المسيحيون في مصر أقلية دينية لها وضع خاص حافظت الأنظمة المتعاقبة على عدم المساس به، كما أصر الحكام على تسييس الملف للحصول على مكاسب خارجية مع اهتمام الغرب بوضع الأقليات.
بمرور الوقت نشأت علاقة مصلحة متبادلة باتفاق غير مكتوب بين الدولة والكنيسة يقضي بتقديم الدولة خدمات الحماية والتأمين للكنيسة المصرية ورعاياها من المسيحيين، واحترام سلطة الكنيسة الدينية، وفي مقابل ذلك تعمل الكنيسة على دعم الدولة داخليا وخارجيا والسيطرة على المسيحيين بكل السلطة الروحية التي لديها، ومواجهة أي خرق يتم لهذا الاتفاق.
لم يمنع هذا الاتفاق من حدوث بعض الخلافات بين الدولة والكنيسة خصوصا في عصر السادات، والذي شهد صداما حادا بين رئيس الجمهورية وبطريرك الكنيسة، ولكن عاد مبارك الى تهدئته واستيعاب تبعاته فيما بعد.
رغم كل ما يمكن اعتباره من مظاهر الطائفية والتمييز الديني في المجتمع، إلا أن طرفي الاتفاق لا يزالان على تمسكهما به، فالاتفاق يفصل بين السلطتين ويحول دون الصدام المحتمل بينهما، ولكنه أيضا يمنع أي تطور في ملف التمييز الديني عموما، كما يمنع أي خطوات من شأنها حل المسألة الطائفية من جذورها، عبر تشريعات وسياسات توفر فرصا عادلة لجميع المواطنين بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية.
ربما كان هذا هو السبب الرئيسي في عدم تفعيل المادة 53 من دستور 2014، والتي تنص على إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز، وهو ما لم يتم حتى الآن وبقيت المادة ضمن مواد أخرى، عبارات تزين الدستور فقط.
رغم أن النظام الحالي قدم امتيازات عديدة وغير مسبوقة للمسيحيين، إلا أن أي منها لم يهدف إلى مناهضة التمييز وتوفير العدالة، بقدر ما كان يهدف إلى إرضاء الكنيسة.
اعتمدت الدولة مبدأ المساومات في التعامل مع الملف، كلما قدمت الكنيسة خدمات مناسبة، يأتي الرد في صورة خدمات مقابلة، بهذه الطريقة يتم التعامل مع ملف تغيير الديانة من مسيحي إلى مسلم والعكس، كما يجري بذات الشكل منح التراخيص للكنائس، فلا تقدم الدولة قانونا واضحا للزواج المدني يمنح حق الزواج دون النظر إلى الديانة، كما تعطل قانون دور العبادة الموحد، الذي يضع شروطا واضحة ومحددة لدور العبادة بغض النظر عما إذا كان لمسجد أو كنيسة.
بنفس المنطق الذي اعتمدته الدولة دائما في التعامل مع الملف القبطي، جاء خبر إنشاء ناد رياضي للمسيحيين يشرف عليه أحد رجال الكنيسة، بهدف توفير فرص للرياضيين من أبناء الكنيسة لممارسة الرياضة الاحترافية، كما جاء بالخبر أن النادي سوف يشارك في بطولة دوري كرة القدم المصري بفريق من أبناء النادي.
القرار الحكومي بالموافقة وهو بالتأكيد لم يصدر من وزارة الرياضة وحدها، ولكنه مر على العديد من القيادات التنفيذية والأمنية، لم يكن حلا لأزمة قائمة بالفعل بقدر ما كان مجاملة للكنيسة، بالتأكيد هناك أزمة تمييز سلبي ضد المسيحيين في المجتمع، تزداد حدة في الرياضة على اعتبار أنها صعبة القياس، فمن الصعب تحديد أن رفض لاعب ما في أحد الأندية جاء بسبب ضعف مستوى اللاعب أو خانة الديانة في بطاقته الشخصية.
حينما قرأت الخبر، فكرت في كل ما نسمعه من خطابات كراهية داخل المجتمع الكروي، والتي يغذيها الإعلام وتتصدر لها شخصيات تتربح من هذه الخلافات، ماذا لو وجدت هذه الخطابات مادة جديدة للتعصب الكروي في فريق كرة قدم للمسيحيين، كيف سيكون هتاف الجمهور المقابل في المباريات، وبماذا سيرد جمهور النادي، ألم يشعر السادة المسئولون ممن مر عليهم القرار بالرعب مما يمكن أن يسببه القرار من تغذية لخطاب الكراهية؟!
لن تحل المسألة الطائفية في مصر، إلا بمواجهة التمييز وليس تكريسه عبر المزيد من التمييز وإن كان إيجابيا، إذا كنا نرى أن هناك مشكلة بالفعل، فيجب حلها من جذورها عبر إزالة مسببات الاحتقان، بدلا من التعامل الشكلي ومحاولات استرضاء الكنيسة بخطوات تسكب مزيدا من الزيت على النار.