في 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، احتفلت مصر بالعيد الـ70 لصدور قانون الإصلاح الزراعي الأول الذي أعطى للحكومة الحق في مصادرة أراضي من تزيد ملكيته الزراعية عن 200 فدان، ومن ثم توزيعها على الفلاحين بحد أدنى فدانين ولا تزيد عن 5 أفدنة للفلاح الواحد، تبعا لجودة الأرض الزراعية.

تبع القانون الأول للإصلاح الزراعي الذي صدر في 9 سبتمبر/ أيلول 1952 برقم 178، قانونان آخران صدر الأول في عام 1961 برقم 127 والذي نزل بالملكية إلى 100 فدان فقط للشخص، على أن تؤول المساحة الزائدة لهيئة الإصلاح الزراعي.

وصدر الثاني في عام 1969 برقم 50، والذي نزل بالحد الأقصى للملكية إلى 50 فدانا فقط للفرد، وحددها بـ100 فدان لكامل الأسرة. وبين هذا وذاك، صدر قانون آخر برقم 15 لسنة 1963، والذي نزع ملكية الأراضي من الأجانب في حال تملكهم أراضي زراعية.

لكن ورغم كل تلك القوانين؛ إلا أن حجم استفادة الفلاحين المصريين منها كانت في حدود نسبة 14% فقط من إجمالي مساحة الأرض الزراعية طوال عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1956- 1970). ثم انخفضت النسبة إلى 0.5% فقط في عهد الرئيس أنور السادات (1970- 1981)، ثم انتهت تماما مع عصر حسني مبارك (1981- 2011).

اقرأ أيضا.. بأية حال يعود عيد الفلاح.. حضر الفقر وغابت وعود الرئيس

قبل عام 1952

فلاحون مصريون قبل عام 1952

حتى عام 1952، وقبل صدور قانون الإصلاح الزراعي الأول، كانت مساحة الأرض الزراعية في مصر، 5 ملايين و984 ألف فدان، يمتلك منهم صغار الفلاحين ممن تقل ملكيتهم عن 5 أفدنة حوالي 2 مليون و122 ألف فدان بنسبة 35.4% من مساحة الأرض الزراعية.

فيما يمتلك الفلاحون من متوسطي الملكية بين 5 أفدنة إلى 20 فدانا، مليون و818 ألف فدان بنسبة 30.4% من مساحة الأرض الزراعية. ما يعني أن نحو 65.8% من مساحة الأرض الزراعية في مصر كان يمتلكها فلاحون تقل أو تصل ملكيتهم إلى 20 فدانا.

فيما تصل المساحة المملوكة للملاك بين 50 فدانا إلى 200 فدان فأكثر إلى 2 مليون و44 ألف فدان بنسبة 34.2% من مساحة الأرض الزراعية وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ملاك الأرض الزراعية قبل عام 1952

زمن ناصر حتى 1970

ثم وبعد 18 عاما من صدور القوانين الثلاثة للإصلاح الزراعي، بلغ إجمالي ما تم توزيعه من أراضي على الفلاحين نحو 817 ألفا و538 فدانا بنسبة 14.2% من إجمالي مساحة الأرض الزراعية البالغة 5 ملايين و756 ألفا و465 فدانا.

وكان نص قانون الإصلاح الزراعي الأول في عام 1952 على أن توزّع الأرض المصادرة في كل قرية على صغار الفلاحين. بحيث يكون لكل منهم ملكية صغيرة لا تقل عن فدانين ولا تزيد على خمسة أفدنة تبعا لجودة الأرض. وحدد القانون اشتراطات من تُوزع عليهم الأراضي المصادرة.

اشتراطات من يُوزع عليه أراضي الإصلاح الزراعي:

اشتراطات من توزع عليه الأرض الزراعية

وتُظهر البيانات، أن إجمالي عدد الأسر المستفيدة من الأراضي الموزعة من الإصلاح الزراعي بلغت 341 ألفا و982 أسرة. وفرضا أن متوسط عدد الأسرة 7 أفراد، سيصل عدد الأفراد المنتفعين من الأراضي الموزعة سيكون نحو 2 مليون و393 ألف و874 مواطن. وبهذا ستبلغ نسبة المنتفعين 7.3% من إجمالي عدد سكان مصر البالغ 33.06 مليون مواطن، حسب التعداد السكاني عام 1970.

وتكشف بيانات الزمام والملكية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 1970، أن كبرى المحافظات التي تم توزيع أراضي فيها على الفلاحين كانت البحيرة بمساحة 185 ألفا و572 فدانا، وفي المرتبة الثانية محافظة الدقهلية بمساحة 122 ألفا و774 فدانا، وفي المرتبة الثالثة محافظة الشرقية بمساحة 90 ألفا و678 فدانا، وفي المرتبة الرابعة محافظة كفرالشيخ بمساحة 70 ألفا و620 فدان، وفي المرتبة الخامسة المنيا بمساحة 64 ألفا و972 فدانا.

وتُظهر بيانات النشرة الصادرة عام 1970، ارتفاع ملاك الأراضي الزراعية في فئة الأقل من 5 أفدنة بنسبة 28.5%، بحجم زيادة بلغ 846 ألفا و795 فدانا، حيث ارتفعت مساحة الملكية من 2 مليون و112 ألف فدان إلى 2 مليون و968 ألفا و795 فدانا.

عبد الناصر يوزع عقود الأراضي على الفلاحين
عبد الناصر يوزع عقود الأراضي على الفلاحين

كما تُوضح البيانات، أن عدد الملاك الأقل من 5 أفدنة زاد بأقل قليلا عن مليون حائز. بينما انخفض عدد الملاك في الفئة من 5 إلى 10 أفدنة إلى 90 ألفا، بعدما كان 126 ألف مالك قبل عام 1952، كما انخفضت ملكيتهم بحوالي 560 ألف و200 فدان.

وتراجع حجم ملكية الملاك من الفئة الأكثر من 100 فدان إلى 384.4 ألف فدان بعدما كانت مليون و637 ألف فدان قبل عام 1952. كما اختفت تماما الملكية لأكثر من 200 فدان بفعل القانون الأخير الصادر عام 1969. وانخفضت أعداد الملاك في تلك الفئة إلى 1367 فردا، بعدما كان عددهم 5 آلاف حائز قبل عام 1952.

وتكشف البيانات، أنه في فئة الملاك بين 20 فدانا إلى أقل من 100 فدان، زاد عدد الملاك عام 1970 إلى نحو 75 ألف و544 حائز، بعدما كان 28 ألف حائز قبل عام 1952، كما زادت نسبة أملاكهم من الأرض الزراعية إلى مليون و858 ألف فدان، بعدما كان مليون و84 ألف فدان، بزيادة 774.7 ألف فدان عما كان عليه الوضع قبل عام 1952.

عهد السادات 1970-1981

خلال الفترة بين عام 1970 وحتى عام 1981 بلغت مساحة الأرض الزراعية التي تم توزيعها على الفلاحين 35 ألف و343 فدانا فقط، بنسبة تقترب من 0.5% من إجمالي مساحة الأرض الزراعية البالغة 5 ملايين و875 ألف و852 فدانا.

وتُظهر بيانات نشرة الزمام والملكية الصادرة عام 1981، أن مساحة الأرض الزراعية زادت إلى 852 ألف و781 فدانا، كأقصى زيادة حققتها قوانين الإصلاح الزراعي منذ أن تم إقرارها عام 1952 وحتى عام 1981.

وزاد عدد الأسر المستفيدة من قوانين الإصلاح الزراعي بنحو 44 ألفا و836 أسرة، حيث ارتفع عددهم إلى 359 ألفا و818 أسرة من 314 ألفا و982 أسرة عام 1970.

الرئيس السادات مع عدد من الفلاحين

عصر مبارك 1981-2011

تُظهر نشرة الزمام والملكية الصادرة عام 1990، أنه خلال الفترة بين عام 1981 إلى 1990 تراجعت مساحة الأراضي التي نُزعت لصالح الإصلاح الزراعي بنحو 138 ألفا و573 فدانا، حيث تراجعت إجمالي مساحتها إلى 714 ألفا و208 أفدنة من إجمالي مساحة الأرض التي زادت إلى 7 ملايين و653 ألفا و264 فدانا.

طوال تلك السنوات كانت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي التي أُنشأت عام 1963 بالقرار الجمهوري رقم 1587، هي المسؤولة عن توزيع الأراضي على الفلاحين، إضافة لكونها التي تُحصّل منهم الإيجارات والرسوم والضرائب على أراضيهم.

وفي عام 2000، تراجع إجمالي الأراضي التابعة لهيئة الإصلاح الزراعي إلى 450 ألفا و840 فدانا، بنسبة انخفاض 36.8%، حيث تقلصت المساحة بنحو 263 ألفا و368 فدانا خلال 10 أعوام فقط، وفقًا لنشرة الزمام والملكية الصادرة عام 2000.

وبعد ذلك بـ10 أعوام أيضا، استمر الانخفاض في مساحة الأراضي التابعة للإصلاح الزراعي حيث بلغت 418 ألفا و443 فدانا، بتراجع بمساحة 32 ألفا و397 فدانا، وفقًا لنشرة الزمام والملكية الصادرة عام 2010. ما يعني أنه خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، انخفض حجم أراضي الإصلاح الزراعي بمساحة 434 ألفا و338 فدانا، بنسبة تزيد عن 50.9% من أقصى مساحة بلغتها الأراضي التي طُبقت عليها قوانين الإصلاح الزراعي.

ما بعد ثورة يناير

وبعد مرور 10 أعوام على ثورة 25 يناير، تراجعت أراضي الإصلاح الزراعي بمساحة 78 ألفا و588 فدانا، حيث انخفضت إلى 339 ألفا و855 فدانا، وفقا لنشرة الزمام والملكية لعام 2020. ولا يعزى تراجع مساحة أراضي الإصلاح الزراعي إلى تملّك الفلاحين لأراضيهم، لكن جزءا  كبيرا منها كانت تستغله الحكومات المتعاقبة في إنشاء البنى التحتية بالقرى والعزب، فضلاً عن بيع بعض من هذه الأراضي.

مساحات الأرض المملوكة للفلاحين بعد عام 1952

الخلاصة

وكانت الأراضي المُوزعة يُطلق عليها الفلاحون “أرض الإصلاح” نسبة لها، وطوال السنوات ظلت الهيئة مالكا لجزء كبير من هذه الأراضي، خاصة وأنها كانت تعطيها للفلاح بنظام حق الانتفاع أو الإيجار مقابل ضريبة “خدمات” وفقا لبنود تأسيسها.

وضريبة الخدمات تلك يدفعها الفلاح سنويا لهيئة الإصلاح الزراعي، مع الحق في انتقال الأرض لورثة المُستفيد الأصلي في إطار حق الانتفاع، لكن في المقابل كثيرا ما تعالت أصوات الفلاحين بحقهم في تملّك تلك الأراضي.

في النهاية، تُبين البيانات أن حجم تأثير قوانين الإصلاح الزراعي كانت محدودة للغاية قياسا بمساحة الأرض الزراعية. إذ لم يستفد منها صغار الفلاحين، كما يُشار دوما إلى ذلك، ناهيك عن كونها تسببت في ظهور طبقة من أغنياء الفلاحين الذين حازوا ملكيات تتراوح بين 20 إلى أقل من 100 فدان.

يمكن القول إن سياسة الإصلاح الزراعي كان هدفها الرئيسي هو تفتيت طبقة كبار الملاك ممن حازوا على أكثر من 200 فدان. لكنها لم تتبن سياسة تُمكّن صغار الفلاحين من زيادة مساحة أراضيهم، أو المساهمة في سياسة الاستصلاح الزراعي، الذي زاد بفضل جهود الجمعيات التعاونية التي أنشأها الفلاحون فيما بينهم.