بينما يبقى الشرق الأوسط في خانة رد الفعل بالنسبة للصراعات الدولية والمعارك بالوكالة بين القوى العظمى. وفي حين تستعد أوروبا للارتجاف من البرودة القادمة، بعد أن توقفت خطوط الطاقة القادمة من روسيا. قد تكون المنطقة نفسها، بسبب التغيرات المناخية القاسية، قوة عظمى في مجال الطاقة الشمسية.
في الوقت الحالي، تقود الصين صناعة الخلايا الشمسية. حيث تمثل الشركات الصينية ما يزيد عن ثلثي صناعة البولي سيليكون، و90 % من رقائق أشباه الموصلات المستخدمة في صنع الخلايا. وهو ما يضع العالم تحت رحمتها في حال ارتباك خطوط الإنتاج. مثلما أدت سلسلة من الانفجارات في مصنع شينجيانج في يوليو/ تموز 2020 إلى ارتفاع الأسعار العالمية للبولي سيليكون بنسبة تزيد عن 50%.
الآن، توجد مساحة لدول الشرق الأوسط للمنافسة. تدفعها الرغبة في إيقاف انبعاثات الكربون خلال الفترة التي اتفق عليها قادة الدول المشاركون في مؤتمرات المناخ. فقد تعهدت الإمارات بمبلغ 160 مليار دولار للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وتزامن التزام المملكة العربية السعودية المتجدد بنسبة 50% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. مع توقيع سبع اتفاقيات لشراء الطاقة لمحطات الطاقة الشمسية الجديدة.
أيضا، هناك الأردن، التي التزمت بتوفير 50% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. وهي تستفيد من ثالث أعلى إمكانات للطاقة الشمسية في العالم، بمتوسط إشعاع شمسي يتراوح بين 4 و8 كيلو واط/ متر مربع. كما تسعى إسرائيل المتمثل بدورها إلى الحصول على 40% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. عبر تركيب ما بين 18 إلى 23 جيجاوات من الألواح الشمسية.
اقرأ أيضا: معهد الشرق الأوسط: مصر قوة إقليمية في عصر تحول الطاقة
صدارة صينية
منذ الحظر النفطي في السبعينيات خلال حرب أكتوبر 1973، هدفت سياسة الطاقة الغربية إلى الهروب من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. ولكن، بينما منتجي النفط الرئيسيين في المنطقة هم حفنة صغيرة من البلدان. على النقيض من ذلك، يمكن إنتاج الطاقة الشمسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو ما يسمح بتعدد المنتجين، وبالتالي، يقلل من قوة القلة لإنشاء كيان يتحكم بالأسعار مثل منظمة أوبك النفطية.
يلفت تقرير أعّده جدعون برومبرج وندى مجدلاني ويانا أبو طالب. وهم إسرائيليون وفلسطينيون وأردنيون مشاركون في منظمة إيكو بيس الشرق الأوسط/ EcoPeace Middle East -وهي منظمة تعمل من أجل السلام من خلال التعاون البيئي- إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لا يعملان بشكل صحيح مع بلدان المنطقة في مجال الطاقة الشمسية، بينما تتصدر الصين.
يقول: إن قروض التنمية الخارجية الصينية تقزم الآن تلك التي تقدمها بنوك التنمية المتعددة الأطراف المدعومة من الغرب. في حين أن الإقراض العام الصيني يفضل منذ فترة طويلة مشاريع الطاقة التي تعمل بالفحم والطاقة الكهرومائية، فقد زاد الآن بشكل كبير من دعم الطاقة الخضراء.
وأضاف: شكل استثمار الصين في مصادر الطاقة المتجددة 57% من تمويل الطاقة الخارجي في عام 2020. ارتفاعًا من 50% في عام 2019. وفي عام 2021، خصص بنك التنمية الصيني (CDB) 78 مليار دولار لمشاريع الطاقة المتجددة.
الغرب البطيء
يشير التقرير إلى أن التحركات الصينية في المنطقة تعدت خطوات الغرب البطيئة ببضع مراحل. حيث تشارك الصين في مشاريع طاقة شمسية في مصر والمغرب والسعودية والأردن وإيران.
فقد استحوذ صندوق طريق الحرير الصيني على حصة رفيعة المستوى في المرحلة الرابعة من مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي. كما وافق البنك الآسيوي (الصيني) للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) على قرض بقيمة 60 مليون دولار لبناء محطة بقدرة 500 ميجاوات في عمان. ووقعت شركة باور تشاينا والعراق اتفاقية لتطوير ما يصل إلى 2 جيجاوات من محطات الطاقة الشمسية.
مع هذا، تعتبر سلاسل إمداد الطاقة النظيفة من أولويات صانعي السياسة الغربيين. في ديسمبر/ كانون الأول 2021 ، وافقت DFC -وهي ذراع تمويل الصادرات الأمريكية- على تمويل ديون تصل إلى 500 مليون دولار – وهي أكبر معاملة تمويل ديون فردية- لشركة First Solar، Inc. وذلك لدعم منشأة الشركة المتكاملة لتصنيع وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الهند.
يقول التقرير: يجب تكرار مثل هذه المبادرة في الشرق الأوسط. ويجب أن تكون هدفًا رئيسيًا لمبادرة مجموعة السبع “إعادة بناء عالم أفضل” التي تم الاتفاق عليها العام الماضي.
ولفت إلى أن “هناك حاجة إلى قروض غربية مماثلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يجب أن تخلق صفقة المياه مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 سوقًا لـ 5-7 جيجاوات. كما أشارت استراتيجية الطاقة الأخيرة للمفوضية الأوروبية إلى إمكانية استيراد الطاقة النظيفة في المستقبل من الشرق الأوسط”.
اقرأ أيضا: شركات الطاقة الشمسية تتعثر في “نفق نقص المكونات”.. أية مسئولية للحكومة؟
التوقعات
تشير التوقعات الأساسية إلى استمرار هيمنة الصين على طلب وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية. بنحو 80 جيجاوات متوقعة هذا العام. ما يعادل 36% من الإجمالي العالمي.
ويأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بنحو 49 جيجاوات (22%)، مع سعي الكتلة لتعزيز الطاقة المتجددة من أجل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.
وفي المرتبة الثالثة، تأتي الولايات المتحدة بنحو 26 جيجاوات (12%) هذا العام، دون تغيير تقريبًا عن العام الماضي. مع توقعات أن يفشل المعروض باللحاق بالطلب، في ظل قيود السياسات الخاصة. خاصة بعدما فتحت وزارة التجارة الأمريكية تحقيقًا في واردات الألواح من جنوب شرق آسيا بمزاعم التحايل على التعريفات الجمركية.
وترى شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، في تقرير صادر مؤخرًا، أن نحو 17.5 جيجاوات من مشروعات الطاقة الشمسية في أمريكا المخطط لها خلال 2022 عُرضة للخطر، بسبب تحقيق وزارة التجارة.
مصر خيارات ومعوقات
بفضل موقعها وبنيتها التحتية، تمتلك مصر عددًا من خيارات تصدير الطاقة، وعلى عكس ما يظن البعض بشأن الخطط المصرية، فإنها لا تقتصر على الغاز. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت الدولة من قدرتها على توليد الكهرباء إلى 59 جيجاوات، على الرغم من ذروة الطلب المحلي التي تجاوزت 32 جيجاوات فقط.
هذه السعة الاحتياطية الضخمة -التي حدثت بفضل انخفاض الطلب الناجم عن إصلاح دعم الطاقة وبرامج كفاءة الطاقة في جانب العرض- تسمح لمصر بالتوسع بسرعة في توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز للتصدير. ويشمل المستوردون المحتملون للكهرباء كل من ليبيا والسودان والأردن عبر الربط البيني الحالي، واليونان عبر كابل مخطط، وقبرص عبر خط الربط الأوروبي- الأفريقي، وهو قيد الإنشاء حاليًا. كما يتم بناء شبكة ربط بيني بين مصر والسعودية.
تتمتع مصر أيضًا بإمكانيات كبيرة لتوسيع طاقتها المتجددة، بما يتجاوز 6 جيجاوات من قدرة التوليد المتواضعة اليوم. والتي تشمل مزارع الطاقة الشمسية في بنبان، ومزارع الرياح بالقرب من الغردقة، والطاقة الكهرومائية من السد العالي بأسوان. يمكن أن يسمح هذا التوسع بتصدير الكهرباء الخضراء إلى الأسواق الأوروبية عبر الكابلات المخطط لها. بالإضافة إلى ذلك، سيمكنها من إنتاج الهيدروجين الأخضر للتصدير، عن طريق توفير الكهرباء للتحليل الكهربائي من مصادر الطاقة المتجددة.
وبينما وقعت القاهرة -بالفعل- عددًا من الاتفاقيات مع مستثمرين أجانب. لتطوير منشآت إنتاج الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، بالقرب من قناة السويس. طرحت وزارة الكهرباء مجموعة من المشاريع على القطاع الخاص، ومنها تنفيذ محطة بنبان الشمسية العملاقة.
لكن، عقب تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء، ومع عدم قدرة الحكومة على تصديره حتى الآن، توقفت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة عن طرح مشروعات جديدة خاصة بالطاقة الشمسية.
ومن ثم حاولت الشركات سد هذا الفراغ بسياسة إقناع المصانع -وعدد من كبار مستهلكي الكهرباء- بربحية التحول إلى الطاقة النظيفة. ذلك في محاولة لإنشاء محطات شمسية صغيرة خاصة بهم، وبتمويلات ودفعات أقساط مُيسرة. وقد واجهت هذه السياسة تحديات أعاقت عمل المستثمرين، لعل أكبرها أزمة نقص مكونات المشروعات.