أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، ورقة بحثية جديدة، رصدت تطور وتاريخ العلاقة الإيجارية في مصر، بدءًا من تقييدها لصالح المستأجر، ومرورًا بقانون الإيجار الجديد لعام 1996 الذي أعاد الطبيعة المؤقتة لعقودها، وحتى القانون رقم 10 لسنة 2022 الذي نص على إخلاء وحدات الإيجار القديم الممنوحة للأشخاص الاعتباريين (الشركات والمؤسسات) خلال 5 سنوات، انتهاءً بمشكلة تطبيق هذا القانون على الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) وبيان مدى صعوبته، مستعرضًا تجارب وخبرات دولية مختلفة في سياسات الإيجار والإسكان، مقدمًا عددًا من التوصيات في سبيل حل تشوه ملف الإيجار وازدواجية القوانين الخاصة به.

للاطلاع على الورقة كاملة..

ارتكزت الورقة -التي قدمها الدكتور محمد سالم المتخصص في دراسات التنمية الاقتصادية- على السرد التاريخي لتعاطي القوانين المختلفة للعلاقة بين المالك والمستأجر، حيث أظهر تباينًا واضحًا في أنماط الإيجار في مصر، الأمر الذي نتج عنه عددًا من الآثار السلبية، حالت دون تحقيق العدالة في العلاقة الإيجارية. وقد حددها الباحث في الآتي:

1- شيوع تحول وحدات الإيجار القديم إلى أنشطة تجارية وإدارية غير رسمية.

2- فقدان جزء من الثروة العقارية لقيمتها وضياع موارد على موازنة الدولة.

3- تخوف الكثير من الملاك من عرض ممتلكاتهم للإيجار.

4- زيادة تكلفة الإيجار على الأسر وغياب أي ضوابط على أسعار العقارات.

فجوة الدخل والسكن

يتطرق الباحث في ورقته إلى مشروعات الإسكان التي توسعت فيها الدولة خلال الفترة الأخيرة، فيشير إلى أن سياسات الدولة في هذا الملف تسير وفق نظرية تحقيق الانضباط في آليات السوق عبر زيادة المعروض وخفض الأسعار، ودعم غير القادرين للحصول على مسكن ملائم، وتضييق الفجوة بين مستويات الدخل وأسعار السكن. لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى زيادة الفجوة بنسب أكبر من نسب زيادة الدعم الذي تقدمه الدولة في برامج الإسكان الاجتماعي.

وهنا، يستند إلى بحث الدخل والإنفاق والاستهالك الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، الذي أكد على أن الشرائح الأكثر فقرًا لا يتخطى إنفاقها على بند السكن نسبة 15 % من دخلها الشهري وليس النسبة من 35 إلى 40% التي حددها تعديل شروط التمويل العقاري الأخير. وهو ما يعني أن المستفيدين من برامج الإسكان الاجتماعي في الأغلب هم متوسطو الدخل. الأمر الذي لا يساهم في توفير السكن الملائم بأسعار متاحة، تضمن تخفيض الفجوة بين مستويات الدخل وأسعار السكن، كما تخطط الدولة.

وينتقل الباحث إلى رغبة الدولة في إنهاء أزمة الإيجار القديم، فيذكر أنه رغم تأييد رئيس الوزراء -في تصريحاته- لتحرير الإيجار القديم بشكل نهائي، مع التأكيد على الحفاظ على الفئات غير القادرة ودعمها، واستمرار الدولة في سياسات ومبادرات الإسكان الاجتماعي التي تستهدف الطبقة الوسطى بشكل أكبر، إلا أن الأحاديث عن تعديل قانون الإيجار القديم تراجعت كثيرًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية التي بدأت بالتزامن مع تلك الحرب، حتى وصلنا لتصريح وزير العدل الذي يشي بعودة ذلك الملف إلى وضع التجميد لحين تحسن الوضع الاقتصادي وتراجع مستويات التضخم الكبيرة التي يعيشها المواطنون المصريون حاليًا.

توصيات

يقول الباحث إنه للوصول إلى حلول متوازنة لهذه الأزمة يجب إجراء مسح اجتماعي شامل لجميع الوحدات والعقارات العاملة بنظام الإيجار القديم، بما يوضح خريطة مفصلة للوحدات، وحالتها الإنشائية، والمستوى المعيشي والاقتصادي للسكان المستفيدين منها، مع تصنيف أحوالهم وأوضاعهم الاجتماعية، خاصة كبار السن وأصحاب الوضع الصحي الذي يعوقهم عن الحركة والتنقل، بما يجعل البيانات والمعلومات دقيقة ومحدثة وترصد الواقع الاقتصادي والاجتماعي بشكل أقرب للواقع.

ويوصي كذلك بأن تشجع الحكومة نمط الإسكان الاجتماعي ودعم أصحاب الدخول المنخفضة في الحصول على وحدات سكنية بنظام الإيجار وليس التملك، والتمويل العقاري طويل الأمد وفق شروط ميسرة، ما يقلل من تكلفة الإيجار بشكل عملي على الأسر ذات الدخل المتوسط وأصحاب الدخل الأقل، ويخفض نسبة إنفاق تلك الأسر من دخلها الشهري على السكن. وبالتالي تصبح برامج الدولة دعمًا حقيقيًا لمحدودي الدخل في توفير السكن الملائم وليست فرصة دائمة لتحقيق أرباح لصالح شركات المقاولات والتطوير العقاري، وهيئة المجتمعات العمرانية، أو أصحاب المضاربات العقارية الذين يبدعون في أساليب التلاعب والتحايل على قواعد وشروط الإسكان الاجتماعي.

كما يشير الباحث -في توصياته- إلى ضرورة أن تكون هناك ضمانة للتقاضي السريع وحل النزاعات بين المالك والمستأجرين، إما بدعم تكوين جمعيات واتحادات مدنية للمالك والمستأجرين بشكل ينمي فكرة المفاوضة الجماعية داخل المجتمع، وإما بتخصيص محاكم لهذا المستوى من النزاعات المدنية تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأفراد ويخول لها سلطات وصلاحيات مناسبة تراعي التوازن والإنصاف.

كما أنه من الضروري أن توضع فترة انتقالية متوسطة المدى حتى يتم التحرير الكامل على غرار ما يحدث مع الأشخاص الاعتباريين خلال ٥ سنوات، لوضع الإمكانية والفرصة المناسبة أمام الأسر في توفيق أوضاعها وتدبير أمورها المعيشية إذا كان باستطاعتها الحصول على بدائل للسكن الحالي. على أن يستثنى من ذلك من تثبت عدم حاجته للوحدة من خلال فحص الممتلكات من سيارات أو عقارات أو غيرها من أشكال الثراء، أو ثبوت إغلاق الوحدة لأكثر من عام لغير غرض السفر.

ويشدد الباحث على ضرورة ضبط سوق الإيجارات بشكل عام، بحيث تصبح هناك معايير لتحديد القيمة الإيجارية وسقف للزيادة السنوية ملزم للجميع، مع وجود نظام للحماية القانونية لأطراف التعاقد المختلفة. وهو أمر يحتاج لكثير من النقاش الواسع في المجتمع حتى نصل لما يشبه توافق عام في هذا الملف الهام والمؤثر على معيشة المواطنين المصريين، على حد تعبير الباحث.