كانت برامج مبادلة الديون جزءًا من حل لجأت إليه مصر لمواجهة أزمة ضربتها نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. وقد نفذتها مع 5 من الدول الأعضاء بنادي باريس: فرنسا، سويسرا، ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا.

تُعرّف منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونتكاد UNCTAD)، برامج مبادلة الديون، بأنها إحدى الأدوات التي تتبعها الدول المُثقلة بالديون. وتحدث عادة حين لا يتوقع الدائنون استرداد القيمة الأسمية الكاملة للديون، مع الاستعداد لقبولها.

وتلك البرامج تتطلب إقناع الدول الدائنة بإمكانية تخصيص جزء من الديون لبرامج إنشاء مشروعات في الدول المديِنة. لكنها تتطلب دراسات جدوى قوية وقدرة مالية والتزام كامل بالشفافية والمصداقية من الدولة المديونة.

في هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز برامج مبادلة الديون التي وقعت مصر اتفاقياتها مع البلدان الأوربية. فضلًا عن مناقشة طرق إحياء هذه البرامج كجزء من حل أزمة الديون التي تُعاني منها مصر حاليًا.

تُظهر بيانات تقرير الوضع الخارجي للبنك المركزي، أن الدين الخارجي لمصر بلغ 157.8 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي. منها 42 مليار دولار ديون قصيرة الأجل. وهي التي يحل موعد سدادها خلال عام وأقل من عامين فقط، و115 مليار دولار ديون متوسطة وطويلة الأجل. وهي التي تزيد عن عامين.

المؤسسات والدول الدائنة لمصر
المؤسسات والدول الدائنة لمصر

البرنامج الفرنسي

في عام 1994، وقعت مصر وفرنسا اتفاقية تقضي بمبادلة 58 مليون فرنك سويسري، يُمثل جزءًا من أعباء خدمة الدين المستحق لفرنسا على مصر عن الفترة من إبريل/ نيسان 1994 وحتى يناير/ كانون الثاني 1998.

ووفقًا للبرنامج، أُعفيِت مصر من سداد أقساط بقيمة المبلغ مقابل حصول الصندوق الاجتماعي للتنمية الفرنسي عليها لتمويل مشروعات في مصر، أبرزها إحياء تراث الحرف اليدوية، وتأهيل وتدريب الشباب لتوفير فرص عمل.

وفي عام 1999، وقعت مصر اتفاقية أخرى مع فرنسا لتحويل ديون بقيمة 300 مليون فرنك فرنسي. وفي 2012 تم مد العمل بالاتفاق.

اقرأ أيضًا: مبادلة الديون.. وسيلة للتحايل على أعباء السداد لا تخلو من مخاطر

السويسري

وقعت مصر اتفاقية مع سويسرا عام 1995 لمبادلة 150 مليون فرنك سويسري، تُمثل جزءًا من خدمة الديون السويسرية على مصر. ونص الاتفاق على تخصيص نسبة 40% من المعادل لقيمة هذا المبلغ بالجنيه المصري لوزارة المالية لدعم الموازنة العامة، وتوجيه نحو 60% من القيمة المتبقية، وتصل لحوالي 90 مليون فرنك سويسري، لتأسيس الصندوق المصري السويسري للتنمية.

وقد تولى هذا الصندوق تمويل مشروعات تنموية في مجالات تعمل على توفير فرص العمل وزيادة الدخل. ومع نهاية إغلاقه كان قد نفذ مشروعات بقيمة تصل إلى 668 مليون جنيه بنهاية إبريل/ نيسان 2010.

الألماني

يعود برنامج مبادلة الديون الألماني إلى عام 2001، حين وقعت مصر اتفاقية تقضي بمبادلة حوالي 204.5 مليون يورو، تُمثل جزءًا من أعباء الديون المصرية لألمانيا عن الفترة من 2002 وحتى 2016.

نص الاتفاق على استخدام 50% منها لتمويل مشروعات للحد من الفقر وحماية البيئة والتعليم الأساسي، وتخصيص نسبة 50% لوزارة المالية لدعم الموازنة العامة

وتم تنفيذ البرنامج على 8 مراحل، نُفذت خلاله مشروعات لشق طرق في القرى وإنشاء محطات لمياه الشرب ومد شبكات الصرف الصحي وتغطية المجاري المائية وإنشاء مدارس وغيرها.

الإيطالي

وقعت مصر مع إيطاليا ثلاث اتفاقيات لمبادلة الديون بإجمالي نحو 349 مليون دولار؛ الأولى عام 2001 تقضي بمبادلة 149 مليون دولار، والثانية في 2007 لمبادلة 100 مليون دولار، والثالثة سنة 2012 وتقضي بمبادلة 100 مليون دولار.

وتُدير الاتفاقيات المذكورة لجنة تسمى “لجنة إدارة المقابل المحلي للديون الإيطالية”. وقد تم إنشاء حساب خاص بكل قسط في موعد استحقاقه ليستخدم في تمويل المشروعات التي توافق عليها اللجنة.

وبحسب بيانات اللجنة، مولت حوالي 54 مشروعًا في المحافظات المختلفة بقيمة الاتفاقية الأولى. فيما يجرى حاليًا تنفيذ 26 مشروعًا وفقًا للاتفاقية الثانية بمبالغ تتجاوز 494 مليون جنيهًا.

البرنامج البلجيكي

يعود تاريخ توقيع الاتفاق إلى عام 2012، وهو الأحدث، بموجبه تم توقيع اتفاقية لمبادلة 2.24 مليون يورو، خُصصت لدعم مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وكانت مصر حصلت على قروض من بلجيكا بلغ إجماليها نحو 610 مليون فرنك بلجيكي حتى عام 1991 على أن تُسدد على فترة 30 عامًا.

كما تم ترميم قصر إمبان بحي مصر الجديدة من خلال برنامج مبادلة الديون هذا، وتكلف الترميم حوالي 16 مليون جنيهًا.

المبادلة وبيع الأصول

يرى الدكتور علي الإدريسي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن برامج مبادلة الديون يمكن أن تحل محل بيع الأصول التي تحدث حاليًا، والتي لا تضيف للاقتصاد المصري شيئًا، إذ أن بيع الأصول عملية لا تتعدى “تغيير لافتات”، على حد وصفه، ومجرد تغيير في الأسهم ونقل للملكية، دون استثمار حقيقي.

ويضيف -في تصريحاته لـ”مصر 360”- أن عملية مبادلة الديون قد تخلق استثمارًا، بشرط إعطاء حوافز للدول أو المؤسسات الدائنة لتنفيذ استثمارات، على سبيل المثال بالحصول على الأراضي مجانًا، والإعفاء من الضرائب، والتعاون مع العمالة الرخيصة وغيرها من الحوافز.

ويُشير الإدريسي إلى أن “صندوق مصر السيادي” سيكون له دور مهم في إتمام عملية مبادلة الديون باستثمارات، وبالأخص خلال المرحلة الحالية. كما يمكن التعاون مع وزارتي التعاون الدولي والمالية لإتمام هذه العملية.

يشير عضو جمعية الاقتصاد والتشريع، فإن برامج مبادلة الديون السابقة التي نفذتها مصر نجحت في تخفيف وطأة الديون بشكل ما. كما راكمت لدينا خبرات يمكن الاستعانة بها في عملية جديدة. بينما ينصح بإدخال الدول أو المؤسسات الدائنة كشركاء في شركات وقطاعات يساهمون في زيادة رأسمالها. أو إتاحة الفرص أمامهم لإنشاء مصانع تدخل الحكومة شريكًا فيها مع منحهم امتيازات إعفاء من الضرائب والرسوم وخلافه. وبالتالي، السماح بزيادة نسب التشغيل وتراكم رأس المال.

معدل ارتفاع فوائد وأقساط ديون مصر
معدل ارتفاع فوائد وأقساط ديون مصر

يلفت الإدريسي أيضًا إلى إمكانية استهداف الدول الخليجية تحديدًا ببرامج مبادلة الديون، لما لها من شهية تجاه شراء الأصول المصرية.

ويقترح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إعطاء الأراضي الصناعية التي تم ترفيقها للدول الدائنة بنظام حق الانتفاع، والذي يخلق أصولًا جديدة، ويُدخل صناعات مختلفة إلى مصر بنظم تكنولوجية حديثة.

هل حاليًا ممكنة؟

يعتقد الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن الوضع الحالي للاقتصاد المصري مأزوم. وبالتالي فإن ما حدث مسبقًا في مسألة مبادلات الديون، سيكون من الصعب تحقيقه حاليًا.

ويقول -في حديثه لـ”مصر 360″- إن مسألة مبادلة الديون عبر بيع أصول كما تحدث بعض المسئولين في أوقات سابقة من هذا العام، لن تُضيف شيئًا للاقتصاد، بل ستُشكل عبئًا عليه.

ويُوضح فهمي أن التصنيف الائتماني لمصر لما تراجع لمستوى b+ مع نظرة سلبية بدلًا من إيجابية خلال الأشهر الماضية، حدّ من قدرتها على بيع سندات أو أذون خزانة. ذلك رغم عدم تخلف مصر عن سداد أي أقساط أو فوائد للديون حتى الآن.

هذا الوضع الحرج أجبر مصر على السماح للدول الخليجية بمزيد من الاستحواذ على الأصول في قطاعات عدة. لأن مشكلة السيولة الدولارية ضاغطة على الاقتصاد المصري. ما يجعل الحكومة تقبل أي سعر يُعرض عليها، وفق أستاذ الاقتصاد، الذي ينصح بعدم التوسع في عملية بيع الأصول. لأن الأسعار المعروضة في الأصول المباعة أقل من القيمة الحقيقية لها.. “بلاش تبيع حاجة بخسارة”.

ويُدلل على حديثه، بأن العملة هي مرآة الاقتصاد، وحاليًا الجنيه في أضعف حالاته أمام الدولار. فيما تُشير بعض المؤسسات الاقتصادية إلى السعر الحقيقي للجنيه أمام الدولار بأنه يتراوح بين 21 إلى 23 جنيهًا. ومنذ بداية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري تراجع الجنيه أمام الدولار بشكل واضح.

حجم انخفاض الجنيه من مارس إلى سبتمبر
حجم انخفاض الجنيه من مارس إلى سبتمبر