كتب – عاطف سعد:

تمد إيران جسور علاقاتها مع السعودية. وربما يسهم الحوار القائم بين الدولتين في حل الملفات الخلافية وتقليل حدة المواجهة.

اشترطت إيران على السعوديين الإقلاع عن أي قصف للحوثيين. وأن يتخذ مسار حل أزمة اليمن طريقا دبلوماسيا. بما يرفع الحصار عن الشعب اليمني. ويخفف حدة الأزمة الإنسانية القائمة.

وأعلنت إيران على لسان ناصر كنعاني -متحدث خارجيتها- عن أنها تنتظر التحرك السعودي أولًا ليكون هناك رد من جانبها. ويبدو أن الإيرانيين يحاولون إحياء علاقتهم مع السعودية فى ظل الإخفاق بمحادثات الملف النووي. وتراهن طهران على تحسين علاقاتها بالغرب أيضا رغم تعثر فرص إحياء الاتفاق النووي. وربما تكون العلاقة مع السعودية جزءا من هذا السياق.

قبل أسابيع قالت طهران إن جولة سادسة مؤجلة من المحادثات مع الرياض ستنعقد في بغداد. ولكنها ربطت المفاوضات مع الدولة الخليجية بتحسن الأوضاع في العراق الذي يشهد اضطرابات واسعة.

ودعت الرياض إلى تبني “نهج بناء” لتحسين العلاقات بين البلدين. وهي شروط مبطنة لتحسين شروط الجلوس على مائدة الوفاق.

بدأت جولات الحوار لإعادة العلاقات السعودية الإيرانية أولا بشكل فردي وبمستوى منخفض من التمثيل الدبلوماسي والسياسي. وبمشاركة مسئولي الأمن والاستخبارات. ليعقد البلدان جولات محادثات بعدها. وكانت الجولة الخامسة في العاصمة العراقية بغداد يوم الخميس 21 إبريل/نيسان 2022 -حسب متحدث الخارحية الإيرانية سعيد خطيب زادة- تمثل تمهيدًا لعودة العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت منذ  2016. بعد أن اقتحم محتجون إيرانيون سفارة المملكة في طهران عقب إعدام نمر باقر النمر رجل الدين الشيعي المعارض.

الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لدى استقباله في جدة مساء السبت 25 يونيو 2022 رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لدى استقباله في جدة مساء السبت 25 يونيو 2022 رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي

تفاؤل حذر

المحادثات التي وصفها “زادة” بـ”البناءة والإيجابية” آنذاك أحرزت تقدمًا في الملف الأمني. وأيضًا المحادثات الأولية جارية بين طهران والرياض لإرسال 40 ألف حاج إيراني لأداء فريضة الحج. فيما وعد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بمزيد من جولات المحادثات المثمرة بين البلدين تمهيدًا لاستئناف التمثيل الدبلوماسي لاحقًا وإنهاء القطيعة.

وبحسب مراقبين فإن جولات الحوار المقبلة قد تشهد تقدمًا -يفوق سابقاتها- خاصةً أن السعودية تتطلع لإعادة تشكيل علاقاتها مع جيرانها وفق رؤية جديدة ونهج سياسي مستمد من التطوير الفكري والتحديث. لكنه غالبًا مشروط بأن تغير طهران سياستها في المنطقة وتحجم أذرعها في اليمن ولبنان وسوريا. وقد ينهي أي تقارب بين البلدين حروبا تخوضها إيران في المنطقة بالوكالة. كونها الظهير الأول للحوثيين في اليمن وتحجيم ضرباتهم التي تستهدف مواقع سعودية من حين لآخر.

مرتكزات الحوار

يبدو أن ثمة دوافع قوية وحثيثة داخلية وخارجية تدفع كل طرف منهما إلى إنجاح هذا الحوار وتجاوز عقبة تجميد العلاقات. الذي كان سببًا في خفض التواصل بين مسئولي البلدين. ومن ثم اتساع فجوة الخلاف وحدة التنافس التي أوصلت المنطقة إلى حافة الهاوية مرارًا. كما كان له انعكاس سلبي على الأوضاع في بعض البلدان التي لا يمكن غض الطرف عن تأثرها بطبيعة العلاقات السعودية الإيرانية سلبًا وإيجابًا. في ظل التجاذبات والاستقطابات الطائفية والسياسية.

يقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أسامة الهتيمي إنه لا يمكن أن يقلل أحد من أهمية جولات الحوار السعودي الإيراني. والتي تستضيفها بغداد. فهي باب لاستئناف العلاقات الدبلوماسية منذ انقطاعها عام 2016.

وأضاف “الهتيمي” لـ”مصر 360″: “الملاحظ رغم التوتر الذي شهدته العلاقات بين الطرفين نتيجة التباين في ملفات ثنائية  إقليمية أن الجولات الأخيرة من الحوار قد تُفضي إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بالتزامن مع تطورات مهمة. منها  المفاوضات النووية والهدنة الهشة التي تم الاتفاق عليها في اليمن بين الفرقاء المتقاتلين.

توقيت الحوار وأهدافه

يقول الباحث يوسف بدر لـ”مصر 360″ إنه يمكن النظر إلى التوقيت الذي يجري فيه التباحث بين إيران والسعودية فيما تتأزم علاقات إيران بالغرب الأوروبي والولايات المتحدة على خلفية مفاوضات الملف النووي.

وتستثمر طهران في أي عوامل تدفعها لفتح قنوات الاتصال مع الرياض لتخفيف الضغط عليها. وذلك لما لـ”الرياض” من وضع في الغرب.

وأضاف: “عقب محادثات بغداد أكدت طهران إيجابية الاجتماع. وكشف وزير خارجية العراق عن مذكرة تقاهم من 10 بنود. ما يعني أن هناك خطوة أخرى قادمة قد تكون جولة سادسة على مستوى مسئولي الأمن القومي بين البلدين. أو مستوى وزراء الخارجية. وهذا سيتوقف على مدى سرعة واستجابة البلدين لطلبات وشروط بعضهما”.

تريد إيران الاستفادة من تنظيم مونديال قطر 2022 باستضافة جزء من المشجعين على جُزرها السياحية الجنوبية المطلة على مياه الخليج. وهذا لن يتم في ظل استمرار التوتر في مياه الخليج. كما أن السعودية لديها استثماراتها في الخليج. منها استثمارات مع الكويت -حقل درة للغاز- وهذا يحتاج إلى أجواء إيجابية مع إيران التي لديها حدود تحاذي هذا الحقل.

بينما الرياض -ومعها قوى المنطقة- تريد معالجة ملف التهديدات الإقليمية لإيران. خاصةً أن تهديدات الحوثيين في اليمن لا تزال قائمة ضد دول الخليج وبرعاية إيرانية.

ويرى الباحث يوسف بدر أن هذه القوى لا توافق على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في ظل استمرار هذه التهديدات. كما أن طهران لديها مطلب كبير من واشنطن وهو خارج الموضوع النووي ويتعلق برفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية. وهذا الأمر يثير مخاوف وغضب القوى الإقليمية. لذلك فإن طهران قد تعود إلى الحوار مع السعودية قريبًا لإشاعة جو من الهدوء في المنطقة بما يدعم حل العديد من الملفات المتشابكة والمتداخلة. بما فيها إحياء ملف المحادثات النووية مع الغرب.

هناك هدف رئيس بالنسبة لـ”طهران” تسعى لتحقيقه من هذه المحادثات. وهو إعادة فتح سفارتي البلدين. بما يشيع أجواء إيجابية لصالح الاقتصاد المتأزم في الداخل. وإحداث حالة هدوء واستقرار إقليمي لدعم تغيير الصورة الذهنية عن إيران دوليًا.

ويقول الباحث بمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية يوسف بدر: “لم يكن الحوار بين إيران والسعودية في العراق مفاجئًا. بل سبقته أربع جولات. وفي هذا الصدد تلعب سلطنة عُمان دور الوساطة في الملف اليمني وإيران. فضلا عن العراق الذي يستضيف هذه المحادثات ويقود الوساطة بين طهران والرياض.

التركيز على الملفات الأمنية

السعودية تركز على الملفات الأمنية في علاقاتها مع إيران بحسب الباحث أسامة الهتيمي. وهذا ما استحضرته المملكة خلال  دعوتها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لاستضافة العراق الحوار السعودي الإيراني. على أن يكون الحوار أولًا بين الأجهزة الأمنية التي يدرك الجميع أنها صاحبة القرار الأول في إيران.

لكن لم يعد خافيًا أن إيران لا يمكن بأي حال أن تستجيب للتطلعات العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص فيما يتعلق بتوظيف إيران التنظيمات الولائية في بعض  الدول العربية. أو تجاهل مسارات إيران المترتبة على مبدأ تصدير الثورة. وغير ذلك

من الإشكاليات التي لا تتعاطى معها إيران بمرونة. حيث تعتبرها جزءا من أيديولوجيتها التي لا يمكن التنازل عنها.

خاتمة

لا يمكن التعويل بشكل تام على أن جولة الحوار المنتظرة يمكن أن تحقق القدر المنشود من الاستقرار. خاصةً إذا كانت لا تعدو عن كونها جزءا من تكتيك إيراني يستهدف تأكيد قدرة طهران على معالجة القضايا الإقليمية دون ضغوط أمريكية أو غربية. ومن ثم التوصل لإقناع القوى الدولية بأنه لا ضرورة لإقحام قضايا أخرى في مفاوضات الملف النووي الإيراني. والتي يجب أن تقتصر على العودة للاتفاق الموقع في عام 2015.