“اطلب دلوقتي وادفع بالآجل.. إحنا في ضهرك”؛ بتلك العبارة جذبت شركة “كابيتر” منصة للتجارة الإلكترونية، آلاف الزبائن من صغار التجار، بلعب دور الوسيط بينهم وبين الشركات المنتجة. قبل أن تقع هي نفسها في خضم أزمة غير متوقعة هددت وجودها بعد أقل من عامين على التأسيس.
ما هي “كابيتر”؟
تأسست “كابيتر” منتصف عام 2020 كوسيط بين صغار التجار والشركات المصنعة، وأطلقت موقعًا إلكترونيًا، يروج لنحو 22 ألف منتج، باستثمارات جمعتها بتمويلات واستثمارات من شركات مصرية وعربية وعالمية.
سمعة مؤسسي الشركة كانت السبب في حصولهما على التمويل الضخم؛ فمحمود نوح كان أحد مؤسسي “سويفل” لخدمات النقل. كما شارك في تأسيس شركة الهندسة المعمارية البحرية في دبي، وهو رئيس قسم الملاحة في شركة ملاحة بدبي. بينما شقيقه أحمد نوح عمل معه في معظم تجارته، بالإضافة إلى شركة للتجارة العالمية موجودة بالإمارات. وكلاهما تخرج في ” الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري”.
وقد حصلت شركتهما “كابيتر”، في مايو/ أيار الماضي، على جائزة bt100 الخاصة بتكريم القطاعات الاقتصادية. ذلك لمساهمتها بدور فعّال في تخطي مصر تبعات جائحة كورونا، ومساندة الاقتصاد في أزمة التضخم العالمي.
التوسع غير المدروس
“كابيتر” تمثل مثالًا صارخًا على مشكلة الإدارة بالشركات الناشئة؛ فالأخوان محمود وأحمد نوح سيطرا على إدارتها، ليشغل الأول منصب الرئيس التنفيذي، والثاني الرئيس التنفيذي للعمليات. وقد تبنيا خطة توسعية، لا تتناسب مع قدراتهما المالية. إذ توسعت الشركة -وفق خطة الأخوان نوح- في الفروع، فأنشأت ثلاثة مخازن جديدة في الإسكندرية والبحيرة والمنصورة إلى جانب محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية والبحيرة. ووضعت خطة لتغطية جميع محافظات مصر بنهاية العام المقبل.
فما كان من نتاج هذا التوسع غير المدروس سوى التعثر المالي والتوجه نحو الاقتراض البنكي وإنفاق المبالغ المقترضة و”هروب المساهمين” -كما يقول عملاؤهم- أو مغادرتهم مصر من أجل محاولة بيعها -كما يقول الأخوان نوح المتواجدان في الخارج حاليًا-.
في هذه الأزمة، تخلى مجلس إدارة الشركة عن “الأخوان”، وأعلن عزلهما من مناصبهما التنفيذية بقرار يسري مفعوله بصورة فورية، اعتبارًا من يوم 9 سبتمبر/ أيلول الجاري.
البيان، الذي أصدرته الشركة ووصلت “مصر 360” نسخة منه، برر الإقالة بعدم وفاء محمود وأحمد نوح كشركاء مؤسسين بالتزاماتهم وواجباتهم التنفيذية تجاه الشركة. وكذا عدم الحضور أمام ممثلي مجلس الإدارة والمساهمين والمستثمرين خلال زياراتهم المتكررة لمقرها، لإتمام إجراءات الفحص النافي للجهالة، لعملية دمج محتملة مع كيان آخر.
وأعلن مجلس الإدارة تعيين ماجد الغزولي، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، رئيسًا تنفيذيًا مؤقتًا، حتى حضور محمود وأحمد نوح فعليًا وشخصيًا للاجتماع مع مجلس الإدارة والمساهمين والمستثمرين، وتهدئة المخاوف بين الموظفين والموردين والدائنين وأصحاب المصلحة. بينما تعمل القيادة الجديدة حاليًا على إدارة العمليات ومواصلة المحادثات مع الكيان المخطط له الاندماج مع الشركة، والذي لا يزال يبدي اهتمامًا بأصول “كابيتر”.
خيار وحيد
ليس أمام الشركة حاليًا سوى الاندماج وربما تغيير العلامة التجارية، فسمعتها أصبحت على المحك، وصفحتها على “فيسبوك” تعج بالسخرية اللاذعة عن الأموال التي جمعها الأخوان “نوح” وتجربتهما “الرائدة في الفرار بأموال الشركة إلى الخارج”، على حد قول الزائرين.
قبل شهور من الأزمة الحالية، أطلقت الشركَة قطاعًا جديدًا لتجار المنتجات الإلكترونية للهواتف المحمولة والاكسسوارات الخاصة بها لعملائها في ثلاث محافظات. وقد أتاحت نحو 5 آلاف منتج لخدمة أكثر من 15 ألف تاجر يعمل في هذا القطاع.
دخلت الشركة كحلقة وصل بين صغار التجار في قطاع الهواتف المحمولة ومستلزماتها والشركات والمصنعين والوكلاء. ووفرت حلول الدفع الإلكتروني والتحصيل النقدي. كما كانت تخطط أيضًا لتقديم خدمات قطاع الإلكترونيات في المزيد من المحافظات بالصعيد والدلتا.
ووضعت “كابيتر” خطة تستهدف إضافة المزيد من المنتجات الإلكترونية إلى المنصة. بما يشمل التكييفات والمبردات والسخانات بحلول الربع الأول من العام المقبل. ذلك ضمن خطة توسعية، ودون تخوف من أزمات الصناعة العالمية من رقائق إلكترونية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
حسابات المخاطر والأزمات
يظهر سوق الإلكترونيات تحديدًا أزمة غياب دراسة الجدوى داخل “كابيتر”. إذ اعتمدت الشركة في تصوراتها على التقارير الصادرة عن مؤسسة البيانات الدولية (IDC). وترى أن سوق الهواتف المحمولة في مصر أظهر نموًا جيدًا بلغت نسبته 10.6% بمعدل سنوي عام 2020 وإجمالي 11.9 مليون جهاز تم بيعه.
تللك الأرقام لا يمكن تعميمها في بناء خطة مستدامة. ففترة كورونا والحظر والعمل المنزلي فرضت نموًا لقطاع الإلكترونيات. لكن التضخم بعدها وأزمات الدولار، غيرت تلك النتائج؛ فمبيعات المحمول بمصر تراجعت خلال مايو/ أيار الماضي، بنسبة بلغت %41 لتصل إلى 765 ألف هاتف، مقابل مليون و295 ألف وحدة في الشهر نفسه من العام الماضي 2021.
حصلت ” كابيتر” عام 2020 قبل بدء عملها على تمويل بنحو 6 ملايين دولار. وأجرت خلال العام الماضي جولة تمويلية بقيمة 33 مليون دولار، ليصبح إجمالي ما جمعته سواء قروض أو استثمارات 39 مليون دولار. وهي المبالغ التي تم اتهام مؤسسي الشركة بالهروب بها. بينما يؤكدان إنفاقها على الأعمال خلال العامين الماضيين.
تشخيص ما وقع
بحسب مصادر بالشركة، فإن المؤسسين حصلا على قروض شخصية من البنوك على أن يتم سدادها لاحقًا ببيع الشركة لمستثمر سعودي أو أردني. لكن العرضين المقدمين كانا أقل بكثير من قيمة “كابيتر”. وبالتالي غادر الأخوان نوح هروبًا من المطالبة بالأموال وليس بها.
صحيح أن الشركة واجهت كغيرها من الشركات تحديات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. لكنها واجهت أيضًا آفة الشركات الناشئة المتمثلة في قدرة الإدارات على تلبية قفزات النمو الذي يحتاج إلى أسلوب حكيم في تدبير وصرف الأموال حتى تستوعب الأزمات. فنمو متسارع مع تباطؤ عالمي في الاقتصاد وغياب ضخ أموال يصل بالشركات الناشئة إلى المصير ذاته الذي تواجهه “كابيتر” حاليًا.
مدير قطاع سابق في “كابيتر” استقال منذ أربعة أشهر، يقول إن الشركة وظفت ما يقرب من 1000 موظف. وهم حاليًا في مفترق طرق، وبعضهم فقد مصدر دخله.
رقم الألف موظف يكشف الكثير عن فكرة الإدارة بالشركة التي منحت نفسها لقب القابضة. إذ أن ذلك العدد أكبر من عملاق الدفع المحلي فوري، الذي لديه 800 موظف فقط، وهو يعادل تقريبًا عدد موظفي “أي فاينانس”، التي تمثل ذراع الدولة في التحول الرقمي.