من الأشياء الجيدة في قائمة أفضل مائة فيلم كوميدي في السينما المصرية التي أعلنتها جمعية “كتاب ونقاد السينما المنظمة لمهرجان الإسكندرية السينمائي –والمثيرة للجدل رغم ذلك- أنها قد أنصفت السيناريست يوسف معاطي بتواجد 3 من أفلامه، وكلها مع عادل إمام وهي أفلام السفارة في العمارة، وعريس من جهة أمنية ومرجان أحمد مرجان.
جرى عرف الكتابة في السينما على التقليل من أهمية يوسف معاطي، وأن يذكر فقط بالاسم عندما يقدم عملا متوسط المستوى، أو في أوقات مطالبة عادل إمام بقطع الشراكة الطويلة بينهما، والتي بدأت سينمائيا بالفيلم الذي يستطعم إيفيهاته محبي الكوميديا الجريئة مثلي، “الواد محروس بتاع الوزير”، لتستمر الشراكة بينهما أكثر من عقدين، لتنقذ عادل من الإطاحة به من على عرش السينما وتمد عمره السينمائي عشر سنوات على الأقل، تعقبها عشر سنوات أخرى في التليفزيون بأعمال متوسطة المستوى، لكنها نجحت في إبقائه على الساحة بعد تحوله من “نجم شباك” إلى “براند” لن تزعجك مشاهدته مجانا على التليفزيون، وستفعلها فقط بحس الوفاء لصديق قديم، حتى تضجر من تحمل الإيقاع المترهل للمخرج رامي إمام، والذي أخرج الأعمال الأخيرة لأبيه في التليفزيون، فتلعن هذا الوفاء وتشفق على تاريخ الأب الذي يضيعه الابن بارتكانه إلى نجومية أبيه، دون تطوير قدراته الإخراجية التي بدت واعدة في أفلام “بوحه” و”غبي منه فيه”.
يذكر أن مرجان أحمد مرجان عند عرضه، لم يكتف بإبقاء عادل كمنافس قوي وسط النجوم الشباب بل تربع على عرش الإيرادات، وباستثناء أحمد حلمي، كانت مرحلة تراجع هنيدي ومحمد سعد والشك فيما ظنه الجميع وقتها أنهما يستطيعان التربع طويلا كملوك للشباك كما فعل عادل طيلة عقدين، إلا أنهما لم يملكا لا ذكاءه ولا ثقافته وقدرته المستمرة على تطوير مشروعه الفني. وكأنهما عادل ويوسف، قد وجدا أخيرا التوليفة القادرة على النجاح، كوميديا رائقة مخطط لها جيدا في كل مشهد، ومخرج شاب وذكي ويملك الكثير من الخبرة بالعمل في العديد من الأفلام كمخرج مساعد متميز وهو علي إدريس، وإحاطة عادل إمام العجوز بأكبر قدر ممكن من الشباب الموهوب كبسمة وأحمد مكي وشريف سلامة، فضلا عن انتقاله أخيرا إلى مرحلة الأب، وكذلك استعادة النوستالجيا بوجود مرفت أمين التي شاركته فيلمان من أشهر أفلامه البحث عن فضيحة وواحدة بواحدة الشهير بالفنكوش.
يوسف معاطي من القلة النادرة في عصره، الذي كان يكتب الكوميديا بمنطق الخطة، مشهد محسوب بدقة، يتصاعد دراميا من أجل تحقيق الإيفيه الذكي والخاطف، كوميديا تنبع من الموقف المرسوم جيدا، لا حاجة فيه لارتجال الممثل، ربما بسبب ألفته الطويلة أولا مع كتابة المسرح والإسكتش أيضا، وهو السبب عينه الذي تفقد فيه بعض أفلامه التماسك باستثناء أفلام قليلة، وأضم إليها الدادة دودي، والثلاثة يشتغلونها، الذي وضع ياسمين عبد العزيز على خريطة النجومية السينمائية كفنانة كوميدية رغم صعوبة ذلك بالنسبة للسيدات في مجال السينما، فأحيانا ينسى الفيلم الغرض منه ويميل إلى الاستطراد في تتابع الاسكتشات قبل الدخول في موضوعه، حتى يبدو الموضوع الرئيسي دخيلا عليه، كفيلم رمضان مبروك أبو العلمين حمودة، الذي يظل فيلما ظريفا مسليا رغم استطراده الطويل قبل عرض أزمة تعرفه على المطربة، ورغم الملاحظات على رجعية فكرته، كما أنه منح هنيدي فرصة لتقديم أداء مغاير تظهر فيه قدرات أكبر كممثل قادر على التقمص، لا مجرد رجل مرح خفيف الظل قادر على الارتجال.
بعض أسباب التقليل من موهبة يوسف معاطي مفهومة بالنسبة لي، وبعضها غير مفهوم، مثلا هجوم البعض عليه بسبب سخريته من المثقفين في مشاهد مثل “الحلزونة يا ما الحلزونة” و”مدينة البهائم” والرفيقة “دادة أم عطيات”، فتلك الصورة رغم المبالغة في تقديمها موجودة بالفعل وهي محط سخرية المثقفين في الأساس؛ لأنها لا تشبه المثقف، بل صورته المدعاة والمنحطة.
لكن هناك أسبابا مفهومة تماما، ومعاطي نفسه مسؤول عنها، منها ميله إلى السبوبة والنحت وأيضا مساهمته التي لا تغتفر في تقديم صورة مستساغة للمتحرش، والتي قدمها في التعاون الشبابي الأول والمرتبك معه في فيلم التجربة الدانماركية، وأنهى بها التعاون السينمائي مع عادل إمام في فيلم بوبوس الذي واجه فشلا ذريعا في شباك التذاكر، وكان -في رأيي- سبب إنهاء آخر أمل لعادل إمام في المنافسة السينمائية وإدراكه أن كل محاولات إنعاشه قد باءت بالفشل، وأن الخلطة التي ساهمت في إبقائه لم تعد صالحة في مواجهة الزمن، قبل أن يتجها معا إلى حشو الدراما التليفزيونية التي لن يبقى منها في الذاكرة الكثير.
على الرغم من ذلك لا أميل إلى إهدار حق معاطي في تقديم أفلام كوميدية رائعة ستبقى طويلا، وأثبت الزمن –ورأي 32 ناقدا على الأقل- صلاحيتها، مع فهم أن تصوراتنا ونحن لا نعمل تحت رحمة شروط السوق أو متطلباته تظل مثالية فقط، طالما لم نختبر أنفسنا ضمن تلك الشروط، كما يظل شيئا لافتا للنظر، هو أن الأخبار أو التحليلات التي رافقت إعلان القائمة، تجاهلت أن تذكر وجود يوسف معاطي في ثلاثة أفلام منها، كأن العقاب مازال مستمرا.