لا شك في أن العالم كان سيبدو أقل إنتاجية لو غابت كيانات تكنولوجية مثل: (Zoom- WhatsApp- Slack) وغيرها من الشركات التي بدأت ناشئة وتوسعت بنجاح. إلا أن الوضع ليس مماثلًا مع الجميع. خاصة إذا ما نظرنا إلى تحدي توفير السيولة لهذا النوع من الشركات، في ظل الأزمات المالية التي يشهدها العالم منذ تفشي جائحة كورونا وصولًا إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي لا تزال رحاها تدور.

ويزيد من أزمة هذه الشركات أن بنيت على شهرة أصحابها وخطاباتهم الدعائية لجذب التمويل، لا الالتزام بالقواعد والدراسات والعلم لجني الأرباح. حينها يحدث الإفلاس المفاجئ، كما في “فضيحة وايركارد”، التي وقعت عام 2020، حين أعلنت الشركة الناشئة “وايركارد”، وكانت واحدة من أكبر منصات المدفوعات الإلكترونية والتكنولوجيا المالية في ألمانيا، إفلاسها بعد فقدانها ما يقرب من 1.9 مليار يورو من حساباتها، في أزمة ابتلعت معها أيضًا شركة “إرنست أند يونج” الضخمة.

أن تكون ملكًا للحجارة

هذا بالضبط ما يحاول صناع مسلسل “King of Stonks ملك الحجارة” قوله في قصتهم الجديدة على “نتفلكس”. غالبًا ما تُستخدم لفظة “Stonks” للتعبير عن المواقف التي يعتقد فيها الشخص أنه يحقق ربحًا بذكاء، ولكنه لا يفعل أو لا يستطيع.

رغبة في التألق في عالم الشركات الناشئة، يقود طموح بطلا “King of Stonks” إلى الكذب والغشّ والتخطيط ليرتقيا بشركتهما شبه الرسمية.

منذ اللحظة الأولى يؤسس السيناريو حبكته على السلوك المخادع الذي يتبعه البطلان (ماغنوس وفيليكس)، وهما يحاولان الحصول على صفقة بالمليارات من الدولة باسم شركتهما الناشئة.

يتضح التعارض رويدًا بين فيليكس الذي يسعى بجدّية إلى القمة، وماغنوس الذي يشعر بالخواء. إلا أن كلاهما يسعيان للحصول على المال أولًا، وهو نقطة التلاقي بينهما، بينما يدركان جيدًا أنهما من الداخل على غير وفاق.

يخدغ “ماغنوس” صحفيًا يبحث عن معلومات حول الشركة الجديدة بدأب. بينما لا يهم “فيلكس” التهديد الذي يتعرض له لو لم يتراجع عن صفقته مع الوزير (الحكومة). يخبر من حوله أن “إطلاق النار لا يهم.. ما دامت الصفقة لن تتم فإنني في عداد الموتى عمومًا”. هكذا تصبح صفقة تمويل شركة التجارة الإلكترونية التي يريدان أن يؤسساها الأمل الوحيد، لا الدأب على إنجاحها.

يلاحق مخرج العمل الخطاب السريع للبطلين بقطعات مونتاج سريعة أقرب لأسلوب السينما، تركز على الأوجه التي يملؤها التوتر بسبب احتمالية خسارة الصفقة.. توتر يريد المخرج أن يورثه للمشاهد مع حركة للكاميرا.

صناعة الجمهور لا المشروع

يبدو الخطاب التلفزيوني شديد الوضوح في “ملك الحجارة” كعالم يحيا على المؤامرات والحيل، سعيًا إلى المال دون مشروع واضح، اعتمادًا على الشكل العام للحديث والهيئة. ويريد صناع العمل أن يظهروا أن هذا الأسلوب في جني المال سريعا يؤتي ثماره فعلًا، وسط كومات الجهل العام التي يسبح فيها المواطن العادي وأحيانًا تفعل حكومته أيضًا.

لا تفسيرات اقتصادية للعالم الذي يدور فيه مسلسل “ملك الحجارة”؛ فالحكاية كلها ترتكز على شخص مؤثر ومشهور نسبيًا يمثل بتعليمه وأفكاره وحركته طبقة محددة، ويجيد استخدام هذا التأثير الشكلي في الوصول إلى مبتغاه.

خطاب قائم على الشكل والتأثير الظاهري لا الإقناع بجدوى وأهمية المشروع. لا توجد هنا رؤية اقتصادية واضحة وإنما تأثير ثقافي شكلاني يجذب الجميع ويقنع الأهواء لا العقول.

نتفلكس أو تويتر وفيسبوك مثلًا كشركات خرجت من رحم فكرة الشركات الناشئة، هي أنماط نجحت بخطاب على المستوى الثقافي، يمكن اعتباره نمطيا محدودا، يمثل قطاع بعينه، ويروج لأفكار المسيطرين عليه، بينما يخدع الجميع أنه مشاع لعرض كل الخطابات الأخرى.

البيئة الحاضنة

المسلسل ذاته يترك مجازًا حول ذلك في حركة الأبطال الذين يواجهون العالم بالأسلوب ذاته. حتى الكاميرا تجعل الأبطال دائمًا في مواجهة مع العالم وخطابه لا يعنيهم كثيرًا.

هنا أزمة ثقافية بنيوية كبيرة، تكشف عن وجهة نظر تؤمن بأنه لا يهم أن تملك أي تصور عن وضع الناس على الأرض وكيف يمكن أن تقدم مشروعًا يخدم الجانبين: “جيبك ونفعهم”. الأهم أن تبهرهم، ولا يهم في سبيل ذلك أن تتظاهر بأي شيء من أجل أن تكسب تمويلًا أو إيمانًا بفكرتك.

الأزمة ثقافية قبل أن تكون اقتصادية، كما يريد صناع “King of Stonks ملك الحجارة” أن يخبروا المشاهد. وهذا تجده في العالم وتراه في أوسع صوره لدينا. آلاف المشروعات الواعدة وغير الواعدة، يضع أصحابها كل مجهودهم في أن تصبح هيئاتهم مهندمة. هم مهوسون فقط بتعلم وصناعة جمهور قبل تعلّم إدارة مشاريعهم.

هؤلاء ينجحون اقتصاديًا وفي مجالات أخرى لسبب أصيل هو غياب الوعي بإنتاج خطاب ثقافي حقيقي يفضح تلك الشكلانية ولا يجعلها مبهرة للمستثمر قبل الرجل العادي.