كتب- عبد الوهاب شعبان:

حين خففت دول العالم من الإجراءات الوقائية من “فيروس كورونا المستجد”، وأعادت حركة المطارات، كان وزير السياحة، والآثار السابق الدكتور خالد العناني يناقش –في الثامن من ديسمبر/كانون أول الماضي- مع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورؤساء لجان تسيير أعمال غرفتي “شركات، ووكالات السفر، والسياحة، والمنشآت الفندقية”، وبعض رؤساء الشركات العاملة في السياحة الثقافية سبل النهوض بالمنتج السياحي الثقافي، ومقترح استحداث تصاريح زيارة مجمعة للأماكن الأثرية المختلفة للرحلات السياحية، والنيلية.

وبعدها عندما اتجهت أنظار العالم إلى مصر عقب احتفالية “طريق الكباش”، والتي صاحبتها ردود أفعال عالمية مؤثرة، طرح “العناني”خطته لتنشيط السياحة تدريجيًا واضعًا السياحة الثقافية في ذيل الأولويات، بعد “السياحة الداخلية، والشاطئية”.

اقرأ أيضا.. مليارات الدولارات “المهدرة”.. لماذا تعطل كتالوج الحج الفاتيكاني لمسار العائلة المقدسة؟

وبحسب إحصائيات منظمة السياحة العالمية فإن السياحة الثقافية تمثل 37% من اهتمامات السائحين عالميًا. وفي مصر تجاوزت نسبة مقاصد المعالم الثقافية 80% من إجمالي السائحين عام 2010. لكنها في السنوات الأخيرة تراجعت إلى 8% لحساب السياحة الشاطئية، والترفيهية.

احتفالية طريق الكباش

وحتى الآن لا تزال محاولات لجنة تسويق السياحة الثقافية التابعة لوزارة السياحة تبحث طرقًا غير تقليدية لإعادة الحياة للسياحة الثقافية في مصر، حسب ما أعلنه مؤخرًا محمد عثمان رئيس اللجنة في معرض دعوته إلى حوار مهني بين أركان القطاع السياحي لوضع استراتيجية جديدة تستهدف رسم خريطة لفتح أسواق جديدة، وطرق أبواب عشاق السياحة الثقافية في مصر “اليابان نموذجًا”، لتقديم برامج تلبي رغبات الشرائح المختلفة.

بطرح سؤال عن “البراند الثقافي السياحي المصري” بما يوازي اقتصاديًا “علامة تجارية”، وتمايز لمدن، ومعالم الثقافة في مصر، في ضوء محاولات اللجان السياحية الثقافية المختلفة، لم يكن ثمة رأي واحد يرمي باتجاه الصناعة الأهم، والصادرات –غير المنظورة- عالية القيمة.

الكنز المفقود

يأخذك محرك البحث “جوجل” بعد كتابة “السياحة الثقافية في مصر” إلى صفحة الهيئة العامة للاستعلامات للتعريف بـ”أنواع السياحة في مصر”، وبعد صورة “الأهرامات” تظهر “ديباجة” اعتيادية مضمونها كالتالي: “تعد السياحة الثقافية، والأثرية من أهم، وأقدم أنواع السياحة في مصر إذ أن بها العديد من الآثار الفرعونية، اليونانية، الرومانية، والمتاحف، وقد صدرت مئات الكتب بلغات مختلفة، وكانت وسيلة لجذب السياح من كل أنحاء العالم”.

تعدد الصفحة التي بلا مقطع فيديو ترويجي مؤثر، ولا لغة رشيقة تخاطب العالم، معالم المدن-“المتاحف، المعابد، الأهرامات، والعيون” ذات البعد الثقافي الأثري فقط”القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، الأقصر، أسوان، صعيد مصر، سيناء، الفيوم، الواحات”، حتى النسق الجغرافي في سرد المعالم ليس على خريطة العرض.

وتغيب عن آلية عرض معالم السياحة الثقافية كذلك الحدائق، والتراث الروحي، والعادات، والتقاليد المحلية، والوطنية، إلى جانب الرموز الثقافية التاريخية المؤثرة من الأدباء، والزعماء، والشخصيات المحورية ذات الأثر الثقافي العالمي، والمهرجانات، والمعارض، وغيرها من أدوات الجذب، بما يعني إشكالية قائمة في تصدير “البراند الثقافي المصري”.

الهيئة العامة للاستعلامات

تفعيل التميز الثقافي

ورغم وفرة المعالم الثقافية الأثرية في مصر، وتنوع حقبها التاريخية من “الفرعوني”مرورًا بالقبطي، والروماني، وانتهاءً بـ”الإسلامي”، ما بين متاحف، وقصور، ومعابد، ومساجد، وعادات ثقافية دارجة، ومعاصرة، وقوى ناعمة، وفلكور شعبي، إلا أن صناعة التمايز غائبة، إلا فيما درج على أجندات السائحين بحكم العادة.

وحسب دراسة أجرتها الباحثة –نورهان محمد عبد العزيز-مدرس مساعد بكلية التخطيط العمراني- جامعة القاهرة -تحت عنوان “City Brand”وتنافسية المدن السياحية الثقافية- فإنه لإدراك “السائح” لمميزات، وتفرد المدينة عن المدن الأخرى، فإنه ينبغي أن تتكون لديه صورة مميزة “Brand Image”، لافتة إلى أن الزحف العمراني غير المنظم، والاختناقات المروية، والتعدي على المناطق التاريخية، وضياع الهوية، وتشابه المدن، ضمن أسباب تشوه الصورة البصرية العالمية للمدينة.

ارتكزت الباحثة على دراسة التميز السياحي الثقافي، وكيفية تفعيله بهدف تحسين صورة المدن المصرية “القاهرة، ورشيد”-نموذجًا-، من خلال التحكم في الصورة المميزة العالمية للمدن المصرية، وإمكانية المنافسة عالميًا بشخصية متفردة، وهوية تجذب انتباه العالم.

وعقدت الدراسة مقارنات بين مدن “أزمير، دبي، وباريس” كتجارب استطاعت صناعة “Brand” عالمي، مؤكدة ضرورة مراعاة صورة العمران التي تثبت في عين السائح، والأنشطة ذات الخصوصية المحلية التي تسهم في تثبيت هذه الصورة.

وانتهت إلى ضرورة ربط تميز المدينة السياحي بالتراث الثقافي، والاجتماعي، متسائلة: “كيف نصل إلى إطار يمكن من خلاله تفعيل فكر التميز “Brand” في مصر؟”.

كيف نصنع “Brand” مصري؟

محمد الحسانين عضو غرفة شركات السياحة

“سؤال صعب”، بهذا رد الخبير السياحي محمد الحسانين عضو غرفة شركات السياحة، ورئيس جمعية الحفاظ على السياحة الثقافية على استفسار “مصر360″: ما هو الـ”براند الثقافي السياحي” لمصر؟. لافتًا إلى أن السياحة الثقافية رغم كونها الأساس السياحي الأهم، لكنها تراجعت في العالم كله لصالح السياحة الترفيهية.

غير أن مكونات السياحة الثقافية “المكان، وكالات السفر، والشركات السياحية”، إلى جانب العناصر الثقافية، وما يصاحبها من عناصر ترفيهية لخدمة السائح، لا يمكنها أن تصنع فارقًا إلا إذا اتجهت الدولة للسياحة بشكل جدي-على حد قوله.

“الحسانين” الذي حصل مؤخرا على وسام الاستحقاق المدني برتبة “فارس” من قبل السفارة الإسبانية بالقاهرة، وساهم في زيارة نحو مليون سائح إسباني للقاهرة عبر محاضراته بالمركز الثقافي الإسباني يقول: “إننا نملك مقومات سياحية هائلة، لكننا لسنا بلدًا سياحيًا على المستوى المطلوب”.

واستشهد “الخبير السياحي” بـ”مسار العائلة المقدسة” كـ”براند سياحي مهم”، معربًا عن أسفه إزاء غياب العمل الجماعي باتجاه صناعة تميز مصري، واستطرد قائلًا: “فشل العمل بهذا المشروع لأن كل واحد يتصور أنه الوحيد القادر على جذب سائحين لمصر لزيارة المسار التاريخي”.

واستطرد قائلًا: “قبل البحث عن صناعة “تميز سياحي ثقافي” يجب أن نحل مشكلاتنا أولًا، ونضع حدًا للتضييق على شركات السياحة، والتواصل نظريًا، وعمليًا مع خبراء السياحة، بجانب دراسة الأسواق السياحية، ومواعيد، وجداول إجازات السائحين السنوية، والإعداد الداخلي للأماكن، والطرق، ومقتضيات الصناعة”.

أين الأزمة؟

بحسب تقرير لموقع “إفريكا إكسبونينت” فإن مصر هي أجمل دول العالم في السياحة الثقافية، لكن أزمة ما تقف حائلًا أمام صناعة تمايز ثقافي “Brand” عالمي، يضفي على المدن المصرية طابعًا ثقافيًا استثنائيًا، ويعظم هويتها، وعاداتها، وتقاليدها، وفنونها الفريدة، ويرجع ذلك حسبما أفاد –محمد عثمان- رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية- إلى الترويج لمصر عالميًا على أنها مقصد سياحي واحد هو “شرم الشيخ”، رغم امتداد المعالم الثقافية من القاهرة حتى “أسوان”.

وحسب خبراء فإن غياب دور السينما، والفنون، والإعلام عن تعزيز الهوية الثقافية، والعلامة التجارية “Brand” للمقاصد السياحية أحد أبرز أسباب تخبط السياحة الثقافية، إلى جانب فشل القائمين على السياحة في استغلال نجوم الأدب، والفن، والرياضة في الترويج لـ”براند ثقافي سياحي” مصري، -محمد صلاح لاعب ليفربول نموذجًا-أسوة بزيارة اللاعب البرتغالي “كريستيانو رونالدو” لمنطقة الأهرامات.

إلى جانب ذلك، فإن ثمة انعدام وعي بأهمية موارد السياحة الثقافية –التي من شأنها لفت أنظار العالم-في مقدمتها “الصناعات والحرف التقليدية”، وهي نتاج حضاري من التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية بما تحمله من قيم، والمجتمعات الأخرى، كما أنها مكون أصيل لذاكرة البلد الحضارية-حسب قولهم-.

عطفًا على إغفال دور مهرجانات الفرق التراثية، والمؤتمرات الترويجية للهوية الثقافية، نظرًا لأن السياحة الثقافية لم تعد تقتصر على المعالم الأثرية التاريخية، والمتاحف، وفقط.
ودعا الخبراء إلى ضرورة وضع قوانين، وسياسات سياحية للحفاظ على التراث الثقافي، والهوية المحلية، والتوازن بين الوظائف السكانية، والسياحية لأهالي المناطق الثقافية السياحية، مع توفير محيط ثقافي يأخذ بعين الاعتبار التراث المعماري، الاجتماعي، والتاريخي بصفة عامة، كخطوة باتجاه صناعة “التميز الثقافي السياحي”.

توقع:سنحققه 2026

متحف الحضارات

على صعيد متصل، نفى محمد عثمان رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية التابعة لوزارة السياحة غياب “براند ثقافي سياحي” عن الخريطة السياحية المصرية، لافتًا إلى أن “طريق الكباش” بعد حفل افتتاحه المهيب قبل عدة أشهر يعد “براندًا سياحيًا”، بجانب متحف الحضارات، لكن ذلك لا يعني عدم وجود مشكلات تواجه السياحة الثقافية -على حد قوله.

أضاف عثمان لـ”مصر360″ أن السياحة الثقافية ليس لها أجندة سياحية منفصلة، ولا ميزانية منفصلة، إلى جانب ثغرة، أو فجوة بين قطاعي الآثار، والسياحة، مؤكدًا أن ثمة معابد بالأقصر تحتاج إلى ترميم منذ فترة.

عطفًا على المعوقات السابقة، فإن ثمة قصور واضح في التسويق الإليكتروني، والمنصات، والأفلام الدعائية للمنتج الثقافي المصري، وعلى حد تعبيره-فإن من الضرورة الدخول إلى هذه المجالات سريعًا باعتبارها من أساسيات نجاح الخطط السياحية.

رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية أوضح أن استغلال أسماء القامات الثقافية، والأدبية المصرية الراحلة مثل “نجيب محفوظ، وطه حسين”، وغيرهما” كـ”براند مصري” في الترويج للسياحة الثقافية عالميًا يحتاج إلى أن يكون لهؤلاء متاحف يجري الترويج لها ، لأن الكتب لن تؤثر في الدعاية السياحية –حسب وصفه-. يذكر أن هناك متحفا باسم طه حسين.

بحلول عام 2026 وفق خطة تسويق السياحة الثقافية ستحقق مصر 30 مليار دولار سنويًا عبر زيارة 30 مليون سائح، وسيكون عندنا “براند ثقافي” مكتمل، واكتشافات أثرية ضخمة-حسبما يتوقع رئيس لجنة التسويق.