يواجه قطاع الصناعة المصرية أزمة ضخمة، تفاقمت خلال الفترة الأخيرة، بسبب نقص السيولة الدولارية.

كانت الأزمة بدأت مطلع مارس/ آذار الماضي، حين أصر البنك المركزي على تطبيق الاعتمادات المستندية على كل الواردات والصادرات المصرية. وهو الأمر الذي واجهه بقوة القطاع الصناعي؛ لكن مع إصرار المركزي، تدخلت القيادة السياسية ووعدت بحل الأزمة وألزمت المركزي بالسماح باستثناء مستلزمات الإنتاج من الاعتمادات المستندية. إلا أن الوقت كان قد نفد، إذ كانت البلاد تواجه أزمة توفير سيولة دولارية، بعدما ارتفع العجز في صافي الأصول الدولارية في يونيو/ حزيران الماضي إلى 19.7 مليار دولار، ثم انخفض في يوليو/ تموز إلى 19.4 مليار دولار.

وفقًا لعدد من المصنعّين والخبراء، فإن هناك نحو 11 ألف مصنع متوقف في مصر، فيما يشي بأن الأزمة كبيرة. ويُقدر مجلس الوزراء عدد المنشآت الصناعية في مصر بحوالي 42 ألف منشأة، بإجمالي عاملين يصل إلى 3 ملايين.

كما تبلغ قيمة الإنتاج الصناعي، بحسب الأسعار الجارية، 942.4 مليار جنيه، بنسبة زيادة نحو 16.8%، حسب بيانات العام المالي 2019/2020. في حين تُشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن إجمالي منشآت الإنتاج الصناعي السلعي في القطاع الخاص نحو 44 ألف و327 منشأة. فيما بلغ إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي السلعي في منشآت القطاع الخاص نحو تريليون و578 مليار جنيه.

ووصل إجمالي عدد منشآت القطاع العام والأعمال العام إلى 331 منشأة، بقيمة إنتاج صناعي سلعي بلغ 303.5 مليار جنيه، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2021.

اقرأ أيضًا: بأمر “المركزي”.. الاعتماد المستندي يعطل صناعات السلع الوسيطة ويضر بالمستوردين

التكدس بالمواني

يُوضح محمد جنيدي، رئيس جمعية المستثمرين الصناعيين، أن عدد المصانع المتوقفة أو التي توقفت عن العمل خلال الفترة الماضية، بلغت قرابة 11 ألف مصنع، منها 4 آلاف مصنع بسبب الأزمة الأخيرة الخاصة بنقص الدولار.

ويضيف، لـ”مصر 360″، إن كل المصانع تُعاني بسبب نقص الخامات ومستلزمات الإنتاج. كاشفًا عن حجم المستلزمات المحجوزة في المواني، بسبب نقص الدولار، والتي يُقدرها بنحو 11 مليار دولار.

ويُشير جنيدي إلى أن هذه الأرقام تُوضح مدى عمق وتجذر المشكلة التي تواجه قطاع الصناعة في مصر، لافتًا إلى أن أكثر المصانع معاناة لأزمة نقص الخامات هي المصانع التي ترتفع فيها نسب المكون المستورد، وتقل نسبة المُدخل المحلي.

ويلفت رئيس جمعية المستثمرين الصناعيين إلى مطالبته أثناء اجتماع لجنة دعم الصادرات بوضع نسبة لتوطين تكنولوجيا التصنيع في مصر، حيث لم يتم تنفيذ هذا المطلّب. مشيرًا إلى أزمة في توفير سيولة لدعم الصادرات.

ويقول، إنه كان على تواصل مع رئيس هيئة الجمارك المصرية قبل يومين، والذي أخبره بوجود اجتماع بين وزيري المالية والصناعة والتجارة، ما نتج عنه بعض القرارات التي ستدخل موضع التنفيذ خلال الفترة المقبلة، وذلك لحل أزمة الخامات والمستلزمات العالقة بالمواني.

ويُتابع جنيدي، قائلاً: “بشكل أو بآخر هيطلعوا البضائع من المواني عبر ضمانات وخلافه حتى في حال عدم توفير الدولار”.

التوزيع النسبي للسلع المساهمة في قيمة الإنتاج الصناعي بالقطاع الخاص  
التوزيع النسبي للسلع المساهمة في قيمة الإنتاج الصناعي بالقطاع الخاص

 نقص السيولة الدولارية

يقول الدكتور محمد البهي، رئيس لجنة الضرائب وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، إن أزمة توقف المصانع ليست وليدة اللحظة. لكنها بدأت منذ 6 أشهر تقريبًا، منذ أن تم اتخاذ قرار بتعميم الاعتماد المستندي على كل مستلزمات الإنتاج الصناعي.

ويُضيف، لـ”مصر 360″، أنه يجب على الحكومة إدراك قيمة الوقت. لأن هذا الوقت يُكلف أموالًا على المصنعّين، ومازالت هناك بضائع عالقة وشحنات تنتظر الشحن من الخارج. موضحًا أنه لا توجد أي معلومات أو شفافية من الحكومة تجاه الأزمة.

ويُشير البهي إلى أن الحكومة لا تصارحهم بحقيقة وجود احتياطي دولاري أو سيولة دولارية لتنفيذ عمليات الشحن أو إدخال البضائع العالقة على أرصفة الشحن في المواني المصرية. لافتًا إلى أنه يأمل في اتخاذ بعض القرارات من جانب محافظ البنك المركزي الجديد.

وتم تعيين المصرفي حسن عبد الله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي في 18 أغسطس/ آب الماضي، بعد 7 أعوام قضاها طارق عامر محافظًا.

ويصف عضو اتحاد الصناعات، أزمة المصانع بأنها بدأت مثل “كرة الثلج” بسيطة، ثم كبرت حتى بات الجميع يُعاني من المشكلة نفسها بسبب نقص السيولة الدولارية، لافتًا إلى أنه لحل الأزمة ستحتاج لوقت وقرارات طويلة المدى. فضلًا عن ترتيب الأولويات، بداية من البضائع العالقة. لأن الكل يتحمل أرقامًا كبيرة بسبب الغرامات على تكدس الحاويات في المواني، ثم الصناعات ذات الأولوية والاستراتيجية مثل الأدوية والأغذية والصناعات المرتبطة مباشرة بحياة المواطن، وفقًا للبهي.

أزمة الاعتماد

كما يُوضح عضو اتحاد الصناعات، صعوبة تنفيذ قرار البنك المركزي بتطبيق قرار الاعتماد المستندي على كل الصادرات والواردات المصرية. الأمر الذي تم تداركه بعد تدخل القيادة السياسية، التي وجهت باستثناء مستلزمات الإنتاج للمصانع من الاعتماد المستندي.

وكان البنك المركزي المصري أصدر قرارًا في فبراير/ شباط الماضي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط، وذلك اعتبارًا من بداية شهر مارس/ آذار الماضي. لكن وحتى بعد تعديل قرار البنك المركزي، استفحلت أزمة نقص السيولة الدولارية في مصر. فلم تتح الفرصة لتنفيذ قرار استثناء مستلزمات الإنتاج من الاعتمادات المستندية، ولم ينفذ تطبيق الاعتمادات المستندية، وفقًا لعضو اتحاد الصناعات.

يُكمل البهي، أن قرار المركزي الذي صدر في غفلة من الزمن ولم يتم تطبيقه، إضافة للعناد من جانب مسئولي البنك المركزي حينها في إصلاحه. موضحًا أن البنوك حاليًا ترفض فتح اعتمادات مستندية أو تحويل دولاري بسبب نقص الدولار.

مؤشرات قطاع الصناعة
مؤشرات قطاع الصناعة

“التصديرية” لا تواجه مشكلة

يكشف المهندس مجدي طلبة، الرئيس السابق للمجلس التصديري للصناعات النسيجية والملابس الجاهزة، أن المصانع العاملة بغرض التصدير، لا تواجه مشكلات في توفير السيولة الدولارية، أو في فتح الاعتمادات المستندية.

اقرأ أيضًا: بعد خروج 22 مليار دولار من السوق.. لماذا انسحبت “الأموال الساخنة” من مصر؟

ويقول لـ”مصر 360″، إن مستلزمات الإنتاج للصناعة بغرض التصدير لا تواجه مشكلة في توفير الدولار أو تتعامل بالاعتمادات المستندية. لكن المُنتج الوحيد الذي يخضع للاعتمادات المستندية هو ماكينات الإنتاج وقطع الغيار.

ويُضيف طلبة: “عندنا حصيلتنا من الدولار ونستخدمها، ومحدش يقدر يقولنا لا تستخدموا السيولة بتاعتكوا”. مشيرًا إلى ضرورة تحديد المشكلة بالضبط، بدلًا من تفريع الأزمة في أكثر من جهة.

ويُشير إلى أنه يجب التعايش مع أزمة نقص الدولار في مصر. وهذا هو الواقع الذي لا يمكن تغييره. مطالبًا القطاع الصناعي بالوحدة ونقل وجهة نظر موحدة أمام صانع القرار لتحديد المشكلة.

أسباب أخرى

وبينما يرى المهندس علي حمزة، رئيس جمعية مستثمري أسيوط، أن توقف بعض المصانع له أسباب كثيرة، ولا يمكن جمعها في سبب واحد فقط. يقول لـ”مصر 360″، إن 75% من المصانع بأسيوط تعمل. مشيرًا إلى أن أبرز المشاكل التي تواجه المصانع هي التعسر المالي. خاصة في حال كان ملاك المصانع أخذوا قروضًا من البنوك وجاء موعد سدادها.

ويُتابع، بأن من بين الأسباب أيضًا عدم قدرة المصنع على تسويق منتجاته بسبب الدراسات العشوائية التي أجراها على السوق. مضيفًا أن الحكومة والبنك المركزي عملت بعض المبادرات لتسهيل عملية التصنيع. لكن لا يمكن القول بأن مشاكل وأزمات الصناعة تم حلها.

في النهاية، لابد من تضافر جهود قطاع الصناعة والحكومة لحل أزمة نقص السيولة الدولارية منعًا لإغلاق آلاف المصانع وتشريد أضعاف هذا الرقم من العاملين بالقطاع الصناعي.