كتب- عاطف سعد:

“تريد قطر أن تتجاوز الماضي وتتطلع نحو المستقبل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهو أمر أساسي لإطلاق إمكانات الشباب في المنطقة ونتطلع أن تبقى قنوات الاتصال مفتوحة”.. كانت تلك تصريحات أمير قطر تميم بن حمد في حوار مطول مع مجلة “لوبوان” الفرنسية. التصريحات كشفت الكثير من توجهات الدوحة في محاولة لقيادة تقارب واسع بين باقي دول الخليج وإيران، الهدف منه استعادة دورها المفقود منذ سنوات القطيعة مع الرباعي العربي بقيادة مصر والسعودية.

أمير قطر تحدث عن علاقة بلاده بإيران ووصفها بـ”القوية” والتي كانت أحد أسباب القطيعة بينها وبين المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر خاصةً منذ عام 2017. قائلًا: “إيران بلد مهم جدًا بالنسبة إلينا.. لدينا علاقة تاريخية، وأكثر من ذلك. نحن تشارك في حقل الغاز الرئيسي الذي لدينا مع إيران”.

اقرأ أيضا.. وساطة قطرية لإنقاذ مفاوضات الاتفاق النووي.. فرص النجاح وعوامل القوة

انفتاح سياسي ومصالح

الأمير تميم والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران

التصريحات القطرية حملت بين طياتها مغازلة للسياسيين في دول الخليج العربي بأهمية الانفتاح الدبلوماسي والسياسي مع الدولة الإيرانية وضرورة الحوار. كما أكدت أن التباينات موجودة لدى الجميع. لكن يتوجب الجلوس معًا ومناقشتها مع الإيرانيين بشكل مباشر دون أي تدخل خارجي.

تتمتع قطر بعلاقات جيدة مع إيران التي تشترك معها في أكبر حقل للغاز في العالم وهو “بارس الجنوبي” الذي تطلق عليه طهران اسم “حقل الشمال”. كما زار أمير قطر إيران في مايو/آيار الماضي بدعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي زار الدوحة في فبراير/شباط الماضي. والتقى تميم بن حمد وشارك في مؤتمر قمة للدول المصدرة للغاز.

العصا والجزرة

حديث أمير قطر إلى المجلة الفرنسية حمل مغازلة للجيران في الخليج نحو طريق المصالحة والوئام مع طهران. كما تضمن تحذيرات مبطنة حول رؤيته لأحوال المنطقة العربية في المستقبل ما لم تكن هناك علاقات قوية مع إيران . بالإضافة إلى تلميحه إنها عرضة لاندلاع انتفاضات جديدة على غرار ما شهدته في 2011.

تميم قال للمجلة الفرنسية: “لا تزال الجذور العميقة المسببة للربيع العربي موجودة، كالفقر والبطالة، والخريجين العاطلين عن العمل. هل وجدنا حلولا لهذه المشكلات؟”. ورد على نفسه: “لا، لقد تفاقمت.. إذا لم نجد الحلول. ستتكرر الأحداث التي أدت لها هذه الأسباب في المقام الأول”. كذلك اعتبر أمير قطر أن “الطريقة الأمثل لتفادي الاضطرابات في المستقبل هي تنفيذ الإصلاحات بشكل تدريجي”.

وقال تميم بن حمد: “يتعين علينا أن نعطي شعوبنا أملا حقيقيا وليس مجرد كلمات، وأن نؤمن الوظائف والفرص. وأن نسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم واختلافاتهم”. لا شك أنها تصريحات تثير المخاوف لدى جيرانه الخليجيين من مصير كالذي شهدته دول عربية لا يزال بعضها يعيشه مثل سوريا واليمن وليبيا.

طهران والرياض والحوثيون

وزراء دول المقاطعة العربية لقطر

نسجت قطر على مدى السنوات الماضية علاقات متينة مع إيران، وبلغت هذه العلاقات في الأشهر الماضية مستوى جديدًا. كما شهدت مشاركة قيادات من الحرس الثوري الإيراني في معرض للدفاع احتضنته الدوحة خلال شهر مارس/ آذار الماضي. كذلك أثارت تلك المشاركة للحرس الذي يصنف إرهابيًا في أمريكا وعدد من دول الخليج جدلًا واسعًا.

ويتوسع الحرس الثوري الإيراني، الذي يخضع مباشرة للمرشد الأعلى لإيران في المنطقة عبر وكلاء في عدة دول. أهم هذه الدول اليمن حيث شنت جماعة الحوثي خلال الأشهر الماضية وابلا من الضربات على منشآت النفط السعودية.

ورغم الخصومة الحادة بين إيران والسعودية بعد دعم طهران للحوثيين في اليمن. لكن البلدين أجريا خلال الأشهر الأخيرة خمس جولات ضمن محادثات استضافها العراق منذ العام 2021. يحدث هذا وسط ترتيبات لجولة سادسة قريبا في ظل آمال عريضة في إحراز مزيد من التقارب السياسي بين البلدين وعودة التمثيل الدبلوماسي والتعاون والعلاقات الكاملة.

دعم إيران

فيما يخص الجانب الإيراني، قال أمير قطر: “لم نتلق طلبًا بشكل رسمي، لكننا على تواصل مستمر مع حلفائنا الأمريكيين ومع الإيرانيين على حد سواء. لأن إيران دولة مجاورة.. من واجبنا ومصلحتنا أن نقوم بكل ما في وسعنا لجمع الأطراف معًا وتشجيعهم على التوصل إلى تسوية سلمية”. ويقصد بعدم تلقي دعوة من ايران، أي استجابة من طهران على الموافقة أن تقوم قطر بدور الوسيط.

وأضاف: “نحن لا نضع حدودًا أمام أنفسنا عند اختيار أطراف الحوار شريطة إيمانهم بالتعايش السلمي. لكننا لسنا مستعدين للتحاور مع من يعارض ذلك، ولسنا مستعدين بطبيعة الحال للتحاور مع الإرهابيين والجماعات العنيفة”.

يقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أسامة الهتيمي إن الموقف القطري من إيران يجسد حالة الاستقطاب -وإن كانت قد خفت حدته مؤخرا- داخل الصف العربي بشأن التعاطي مع الملف الإيراني. وهي الثغرة المهمة والأخطر التي تستغلها طهران لإحداث عملية اختراق تمكنها من تحقيق الكثير من أهدافها السياسية في المنطقة. مستغلة غياب مشروع عربي قوي موحد لوقف طموحها.

وأضاف لـ”مصر 360″ أن ما أعلنه أمير قطر حول متانة علاقة بلاده بإيران يعكس واقعًا رصده المهتمون بالعلاقات العربية الإيرانية خاصةً خلال السنوات الأخيرة. ففي الوقت الذي قاطعت فيه أربع دول عربية بينهم ثلاث دول خليجية قطر في الوقت ذاته وجدنا إيران تعلن وبشكل واضح وقوفها بجوار الجانب القطري ودعمها له. حيث قدمت له كل ما يحتاجه من سلع واحتياجات متنوعة كان يعتمد في استيراد أغلبها على الدول المقاطعة. وهو الموقف الذي لا يمكن أن تتنكر له قطر أو أن تتجاوزه خاصةً مع إمكانية أن تتوتر العلاقات مرة أخرى بين الطرفين.

التوقيت

كذلك فإن الدعوة للحوار مع إيران تتناغم مع ما يجري في الوقت الحالي. إذ دخلت المملكة العربية السعودية بالفعل في حوار جاد جرت بشأنه نحو خمسة جولات بين مسئولين إيرانيين وسعوديين في العاصمة العراقية بغداد، فيما أن كل من الإمارات والكويت استأنفا علاقاتهما الدبلوماسية مع طهران. فقد أعادت الإمارات مؤخرا سفيرها في طهران بعد مرحلة من الجمود في العلاقات تضامنا مع السعودية إثر الاعتداء على سفاراتها في طهران عام 2016 نتيجة تظاهرات احتجاجية على إعدام المعارض الشيعي السعودي نمر النمر. ومن ثم فإن مثل هذه الدعوة يدرك أمير قطر أنها لن تكون استفزازية لأي من الدول الخليجية إذ مثل هذا الحوار يجري بالفعل.

سياسات مزدوجة

بيان العلا وانتهاء مقاطعة قطر

يقول الباحث في مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية محمود رأفت، إنه طالما كانت المواقف السياسية القطرية دبلوماسية وهادئة تجاه إيران بعكس بعض الدول الخليجية الأخرى. لكنها مع ذلك اضطرت في يناير 2016 وبعد اقتحام السفارة السعودية في طهران لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وسحبت سفيرها لدى طهران لكنها رفضت أيضا حينها قطع العلاقات بشكل كامل.

وأضاف رأفت في تصريحات لـ”مصر 360″: “على الأرض كان لقطر سياسات أخرى. فعلى سبيل المثال في سوريا كانت الدوحة تدعم وعلى مدار سنوات بعض فصائل الثورة السورية التي حاربت على الأرض ميليشيات متعددة الجنسيات موالية للحرس الثوري الإيراني وهو أمر معلوم للقاصي والداني. ومع ذلك فإن قطر استغلت ذلك دبلوماسيا لتكون وسيطا بين تلك الفصائل السورية المعارضة والميليشيات الموالية لإيران التي يقودها الحرس الثوري في سوريا. ما نتج عنه على سبيل المثال إبرام بعض الاتفاقات”.

وتابع قائلا إنه بشكل عام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أراد تحييد بلاده عن أي صراعات إقليمية محتملة. خصوصا في ظل استمرار موقف إيران في المفاوضات مع الغرب المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. فالشيخ تميم كذلك يرفض الدخول في تحالفات ضد إيران، وقطر عملت منذ حصارها ومقاطعتها وانسحابها من تحالف دعم الشرعية في اليمن على نسج علاقات مع إيران أكثر عمقا خاصة من الناحية الاقتصادية. وتلك العلاقة ظهرت حتى في ضعف تغطية فضائية الجزيرة القطرية للاحتجاجات الدامية التي شهدتها إيران ضد نظام الملالي في قم وطهران.

مصلحة قطر

ذهب رأفت إلى أن الجهود التي تقودها الدوحة للتقارب بين إيران وبعض بلدان الخليج لن تنجح الآن كما لم تنجح سابقا. فما يسميه المخططات الإيرانية وتمدد الميليشيات متعددة الجنسيات التابعة للحرس الثوري الإيراني سيقوض تلك الجهود حتما. خاصةً أن إيران مستمرة في التمدد في العراق وسوريا ولبنان، ومستمرة في دعم الحوثيين في اليمن بشكل خطير. وهي لن تقبل بأي تنازل عما تعتبره “نجاحات” تعتقد أنها حققتها في بلداننا العربية في السنوات الماضية.

قطر تدرك جيدا أن جهودها في رأب الصدع بين إيران وبلدان الخليج لن تنجح، ومع هذا ستستمر قطر في تلك الجهود لأنها تريد أن تحيد نفسها عن أي صراعات مستقبلية محتملة في المنطقة.

وفيما يخص أي وساطة قطرية محتملة بين إيران من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى، فهي مستبعدة بشكل كامل.