على مقهى بأحد أحياء الجيزة دار نقاش حاد بين مجموعة أصدقاء من مشجعي الأهلي حول مدى الملاءمة الفنية للمدرب الجنوب الأفريقي بيتسو موسيماني “سابقا” للنادي الأحمر. فبينما رأى فريق أنه من أفضل المدربين الذين قدموا إلى القلعة الحمراء اعتبره الفريق الآخر أحد أسوأ المدربين وأنه من أسباب تداعي الحالة الفنية للأهلي حاليا.

كان ما يجري من نقاش حاد طبيعيا للغاية لأي مشجع كروي. ولكن ما جرى بعد ذلك أنه تطور إلى تراشق لفظي بين الأصدقاء. وفيه حاول كل طرف الانتصار لرأيه والتقليل من رأي الآخر باعتباره لا يفقه شيئا عن كرة القدم. دون محاولة النظر إلى ما هو أبعد من تلك الزاوية الضيقة ورؤية الصورة على اتساعها من أسباب. وحالة الانقسام تلك كانت انعكاسا لانقسام أكبر بين جماهير الأهلي امتد لشهور قبل رحيل المدرب الأسمر واستمرت لما بعد رحيله وقدوم مدرب آخر.

وإذا ما اعتبرنا هذا المشهد يُنقل عبر كاميرا محمولة فإن Zoom Out، بسيطا يُظهر إطارا أوسع لحالة استقطاب أكبر بين جماهير الأهلي والزمالك تؤججها لجان إلكترونية وتصريحات مسئولين ولاعبين سابقين. وسط تزايد غياب المكايدات -الطبيعية- التي تحمل بعضا من المنطق أو تطرق لفنيات. وإنما ذهبت دائما لما هو أبعد وخارج كرة القدم.

ولكن Zoom Out جديد للصورة يُظهر أن ما يجري متسق تماما مع ذات الحالة من الاستقطاب في قضايا الجدل الديني من حجاب وترحم على غير المسلمين وخلافه. والتي دائما ما تتجدد بذات النقاشات والتراشقات بين معسكرين متنابذين. دون أن تحمل -في غالب الأحيان- زوايا جديدة للنظر وإدراك السياق الذي تنشأ فيه تلك الجدالات ومُحفزاته العمدية.

هنا لابد من Zoom Out أخير كي تتضح الصورة بشكل أكبر. ويظهر معها منبع امتداد تلك الاستقطابات: مناخ سياسي خانق يضغط على الصدور. وسُلطة لا تؤمن بالتعددية وتحتكر الحقيقة وتقمع الآراء المختلفة معها. وتفرض نهج الصوت الواحد حيث لا مكان للاختلاف وتقبل الآخر. Shut Down.

انقسام ما بعد الثورات
انقسام ما بعد الثورات

جذور الاستقطاب المجتمعي

في كتابه “سيكولوجية الصراع السياسي” يقول الباحث حاتم الجوهري إنه عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وانقسام المجتمع إلى كتلتين. إما مع أو ضد. وغياب المساحة لرأي ثالث حتى ولو كان أقرب للتغيير ولفكرة الثورة “كان الاستقطاب المعلن حول أحد مستويات الهوية الإنسانية الكبرى: الدين والوطنية والانتماءات السياسية إلخ. لتستمر دوامة انتقال البلاد وانشغالها من استقطاب إلى استقطاب جديد. دون مواجهة لمشكلات البلاد الحقيقية”.

وبحسب الكتاب -الذي استعرض أهم محاوره الكاتب إسلام أنور- فإنه تنشأ لدى الشعوب التي تتعرض للقهر والاستبداد لفترات ممتدة من الزمن منظومة قيم سلوكية وسيكولوجية تقوم على التكيف والانتهازية والتنميط الإنساني والاتباع والتقليد لـ”النمط السائد”. أيا كان هذا النمط وشكله. وواحدة من أبرز الآليات الناجحة التي تتبعها النظم السلطوية في تعاملها هذا هي ثنائية “الاستقطاب والتشويه”.

فخلال الفترة بين 2012 و2013 وما بعدها شهدت مصر استقطابًا علمانيًا/إسلاميًا “هشًا” –بتعبير الباحث أحمد عبد الحليم- لم تتداركه القوى الإسلامية ولا الليبرالية أو اليسارية. وهذا “سبب رئيسي لما وصل إليه المُجتمع من حالةٍ سُلطوية غير متناهية تحكُمه. فبدلا من أن تتعلم هذه القوى من أخطاء الماضي. وتوحّد نفسها أمام نظام استباحها ويستبيحها كل يوم تستثني بعضها من الحق في الحياة خارج أسوار السجن”.

ويلفت “عبد الحليم” إلى حالتي الاستقطاب والاستثناء. إذ “نجح النظام المصري في تقنين الاختلاف بين ما هو مُعتقل رأي ومُعتقل سياسي أو مُعتقل سياسي عنيف. أي استخدَم العنف”. وزاد هذا النجاح استثناء بعض القوى المدنية القوى الإسلامية من المُعادلة كُلّها. فسمّوا أنفسهم وأصدقاءهم “معتقلي رأي”. أما من ينتمي إلى كُتل إسلامية حتى وإن لم يرتكب عُنفا “مُعتقل سياسي” لا يستحق الدفاع عنه والمطالبة بحرّيته.

“الحقيقة أن صاحب هذه التسمية هو النظام الذي يُحرّج عليهم (القوى المدنية) دون أن يدركوا أن يدافعوا عن أي مُعتقل يتبع الإسلام السياسي. وحتى هذا لم يشفع لهم. إذ يستمر النظام في اعتقال من كان له أي نشاط بحثي أو صحفي. حتى وإن لم يتبع قوى إسلامية”. يضيف الباحث. ولكنه يلحظ في الوقت نفسه خروج بعض المنظمات والشخصيات الحقوقية والصحافية من دائرة الاستقطاب تلك بطرحها مبادرات ومقترحات تضمن الحقوق لكل سجين سياسي.

وسائل التواصل كمُحفّز

تبعات الاستقطاب السياسي
تبعات الاستقطاب السياسي

لقد أدت عمليات الاستقطاب والإقصاء المتبادل والشحن فيما بين الفرقاء السياسيين وانتقالها إلى شرائح أوسع من الجمهور على خطوط انقسام سياسية وأيديولوجية ودينية وثقافية إلى تراجع عمليات المساومة والتوافق والحلول الوسط. مع تعميق الانقسامات الفكرية وتزايد التماسك العضوى داخل كل فريق. بحيث يتوزع الولاء والانتماء على ما يشبه “الهوية الفكرية”.

أما التداعيات غير المباشرة بحسب مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فتمتد لتشمل تآكل رأس المال الاجتماعي (قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية) في المجتمعات المختلفة. وانتشار المعارك الوهمية والبديلة التي تستبطن الاستقطاب الرئيسي. وتعيد إنتاجه فى عدد لا نهائي من القضايا الخلافية غير القابلة للتوافق أو الحلول الوسط. حتى بلغ من حدة الاستقطابات شيوع مصطلحات لوصفها من قبيل القبلية السياسية والحروب الثقافية والذى يتفاعل معه أو يكرسه الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي.

وتُضفي وسائل التواصل الاجتماعي بُعدا آخر في ظل سيطرة الدولة وتحكمها في المجال العام. ما يترك الواقع الافتراضي فقط كمساحة للتعبير عن الآراء. ولكن وفقا لآلياته التقنية فإنه “يؤدي إلى تعرض الأشخاص بشكل متزايد للأفكار التي تؤكد معتقداتهم فقط. ما يؤدي إلى تفاقم الاستقطاب الجماعي وخلق مجتمع شديد التجزئة” بحسب “معهد Breakthrough“.

أثر وسائل التواصل في إحداث الانقسام المجتمعي
أثر وسائل التواصل في إحداث الانقسام المجتمعي

والنتيجة هي أننا نرى المزيد مما نريد أن نرى. ولكن ليس بالضرورة ما نحتاج إلى رؤيته -أي وجهات النظر التي تختلف عن وجهات نظرنا. “تتطلب الديمقراطية من المواطنين أن يروا الأشياء من وجهة نظر بعضهم. لكننا بدلا من ذلك محاصرون أكثر فأكثر في فقاعاتنا الخاصة. وبدلا من الحوار مع مواطنينا نتحدث مع أنفسنا”. ما يجعل الاستقطاب أسوأ ولكنه في النهاية “يفاقم الاتجاهات التي كانت قائمة منذ فترة طويلة بالفعل”.

تشير صحيفة “ذا أتلانتيك” إلى أن الاستقطاب بمجرد أن يبدأ فإنه يبقى حتى لو خفّت وتيرته. كما يجعل جهود المعالجة الاجتماعية لبعض المشكلات مثل الصحة والتعليم وغيره صعبة. بينما الاستقطاب المفرط يمكن أن يؤدي إلى الجمود السياسي والقبلية وحتى العنف الجسدي. والأخير تحديدا يتبدى بوضوح في الانتهاكات المتكررة تجاه النساء والفئات الأضعف.

أسباب الاستقطاب سياسية

في حديثه عن الاستقطاب المتزايد بمختلف القضايا يرى عمار علي حسن -أستاذ علم الاجتماع السياسي- أننا نعيش حالة من الاستقطاب أسبابها الأساسية سياسية.

“لا يخلو مجتمع من درجة ما من التحيز والصراع في كل زمان ومكان. حتى في الدول الديمقراطية. وهذه طبيعة الحياة أن تكون هناك اختلافات وتنافس حول المنافع والمصالح والأفكار والمبادئ وحتى الفنون والآداب (…) ولا ضير في ذلك ما دمنا قادرين على تسوية هذه الاختلافات وتحويلها من أسباب للتناحر إلى نوع من التنوع الخلاق واختلاف المصالح والأذواق. وتفهم أن هذا جزء من طبيعة الحياة”.. يقول عمار.

 

الاستقطاب وتدمير الديمقراطية
الاستقطاب وتدمير الديمقراطية

ولكن المشكلة في مصر حاليا -بحسب حديث عمار مع “مصر 360”- أن هذا الإحساس بالاختلاف لم يعد موجودا لأسباب سياسية بدأت منذ سنوات. إذ “كنا أمام فريقين يتصارعان على السلطة وكل منهما لا يقبل بوجود طرف ثالث في المعادلة الاجتماعية والسياسية. السلطة الحالية تعتبر أن من لا يصطف معها ويطيعها إما خائن وإما عدو أو إخوان. وعلى النقيض لا تزال الجماعة ترى أن كل من يختلف معها في مسلكها ويحملها الجزء الأكبر من مسئولية ما جرى بعد ثورة يناير إنما هو أيضا مؤيد لما يسمونه الانقلاب أو ضد الإسلام أو ضد المصلحة الوطنية”.

ويعتقد الباحث في الاجتماع السياسي أن هذه الحالة ربما لم تعرفها مصر في تاريخها كله “حتى في أيام عبد الناصر في صراعه السياسي كان الأمر مختلفا لأنه كان لديه مشروع وطني استطاع أن يستقطب الجزء الأكبر من الشعب خلفه. فيما بقي مختلفا مع التيار الليبرالي ما قبل 52 وجماعة الإخوان”. أما الآن فيغيب أي مشروع وطني جامع.

وبينما كان هناك بعض التفهم في عهد عبد الناصر لوجود ألوان مختلفة ما دام الأمر لم يدخل في صراع على السلطة، فإن الأمر مختلف تماما حاليا. “إن لم تصطف مع السلطة دون قيد أو شرط وتهز رأسك طوال الوقت فسيتم استبعادك سواء كنت فنانا أو سياسيا أو كاتبا”.

“هذه تجربة لا مثيل لها في تاريخ مصر من زاوية الاستقطاب. وهو ما انعكس على الجانب الاجتماعي نتيجة تحيز السلطة الحالية الكبير. فمثلا تتحيز للطبقات المرفهة من المجتمع وتجلس معها وتنظر من نافذتها رغم انتماء الضباط الذين يحكمون للطبقة الوسطى والوسطى الدنيا. ما خلق نوعا من الاستقطاب والحقد الطبقي الشديد. إذ يتابع الفقراء في كل مكان إعلانات أماكن السكن المرفهة والتوسع في الفنادق والمدن الجديدة وما يدور في الساحل الشمالي”.. يوضح حسن.

الاستقطاب الديني كأداة

الرئيس عبد الفتاح السيسي
الرئيس عبد الفتاح السيسي

ورغم أن الدولة تحرص على احتواء أي نقاش حول المشكلات الاجتماعية والسياسية بمنتهى الحزم. فإنها لا تمانع في السماح للجدل الديني أن يشتد ويقوى وفقا لما يذكره الباحثان في مركز “كارنيجي الشرق الأوسط” ناثان براون وميشيل دن.

ويضربان مثلا بإصرار الأزهر على تعريف مصطلح الإصلاح الديني وإدارة دفة التغيير الذي لا يلقى قبولا عند الجميع. وخاصة من السلطة التي ترغب في السيطرة على الفاعلين الدينيين الرسميين. “ما أدى لمزيد من الاستقطاب المجتمعي حيث شعر مؤيدو الأزهر أن مؤسستهم المبجلة تتعرض لهجوم ممنهج. أما منتقدوه فاعتبروا موقف المؤسسة محاولة ثيوقراطية تستهدف الاستحواذ على السلطة”.

وهو ما يتكرر أيضا في حالة الجدل المرتبطة بالحجاب حيث يتم تحويله من شأن خاص (يستند إلى الإرادة الحرة لصاحبته) إلى أن يكون شأنا عاما. يجعله يرتبط بالتحكم والسلطوية -سواء من قبل السلطة السياسية أو أي سلطوية أخرى أبوية أو ذكورية. بحسب الباحث المتخصص في الوساطة والحوار هشام جعفر.

وهنا يفاقم الأمر أن طبيعة وخصائص الجدل الديني يترك بصمته على المجال السياسي حين يسوده الاستقطاب. “فالفشل في الاتصال بالحجة على الحكم يعزز الاستقطاب. ولا يعطي مساحة صغيرة للإقناع ويوفر القليل من الحوافز للتسوية أو محاولات التوصل إلى اتفاق وحلول وسط. والاستقطاب بيئة تنمو فيها النظم التسلطية وتتغذى به”.

يقول عمار علي حسن إن السلطة “صنعت لنفسها شرعية باعتبارها تحمي الدولة من خطر التيار الديني أو الإرهاب -وهذا في جانب منه كان صحيحا- لكن في ذات الإطار تم الإفراط في الأذى حتى وجدنا علمانيين يتم حبسهم لسنوات طويلة بدعوى أن أفكارهم تساعد الإرهابيين أو تخدم الإخوان. لذا فالدولة طوال الوقت تستغل موجة الاستقطاب وتستفيد منها. وما إن تهدأ الأمور ويبدأ الناس انتقاد تقييدها للحريات تؤجج الوضع مرة أخرى لأنها تريد لهذه الحالة أن تظل قائمة لخدمتها”.

لذا يتم تذكير الناس بالمتشددين وآرائهم -والحديث لا يزال لعمار- حتى نجد أن الإعلام إذا وجد الطرف الآخر كمن ولو مؤقتا كتكتيك يقوم الإعلام باستدعائه وطرحه على الناس. فطوال الوقت هذا يساعد على تأجيج الاستقطاب الديني.

مخاطر “الاستقطاب الخبيث”

الاستقطاب الديني لخدمة السلطة
الاستقطاب الديني لخدمة السلطة

في دراستها التي ألقت نظرة فاحصة على ما أسمته “حلقات الاستقطاب الخبيث” تتبعت جينيفر مكوي -الباحثة غير المقيمة في “مركز كارنيجي للسلام الدولي”- حالة أكثر من 50 دولة حول العالم منذ عام 1950 وعلاقاتها مع مستويات الديمقراطية.

وأظهر تحليل البيانات أن الاستقطاب الشديد يرتبط بانحدار ديمقراطي خطير. فمن بين 52 حالة وصلت فيها الديمقراطيات إلى مستويات عميقة من الاستقطاب شهدت 26 حالة -نصف الحالات- انخفاضًا في تصنيفها الديمقراطي. وتمكنت 16 دولة فقط من تقليل الاستقطاب. بينما استمر الانخفاض في الاستقطاب فقط في تسع حالات.

تقول مكوي -التي تركز على الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة وحول العالم- إنه عندما يمتد الاستقطاب السياسي إلى المجتمع فهذا يعني أن الانتماء السياسي أو التعاطف مع القائد الحالي أو ضده يمتد أيضًا إلى العلاقات الاجتماعية للأفراد.

“يمكن أن يؤدي هذا إلى تقسيم العائلات والأحياء والمنظمات وما إلى ذلك. إذا وصل الأمر إلى درجة أن المجموعات لا تعتقد أنها يمكن أن تتعايش. فيمكن أن تتحول إلى عنف ما لم يقمعها زعيم استبدادي ببساطة”.. تضيف الباحثة لـ”مصر 360″.

وتتابع: “بغض النظر عن أن ذلك يقضي على التماسك الاجتماعي فإنه عندما لا يثق الناس ويشتبهون ويخافون من المعسكر الآخر. إذا كان النظام استبداديًا بالفعل (كما الحال في مصر بحسب الدراسة التي صنفتها كأوتوقراطية مغلقة) فقد يستخدم المستبد القمع لإنهاء المعارضة. وقد يلجأ المعارضون إلى العنف أو جهود غير دستورية مثل الانقلاب أو الإضراب العام لعزل الزعيم”.

في كلتا الحالتين يُصعّب “الاستقطاب الخبيث” للغاية، على “بناة الجسور” محاولة عبور الفجوة وإيجاد أرضية مشتركة بين المجموعتين -وفق مكوي. وتُنبّه أن تكرر دورات الاستقطاب هو الأكثر شيوعًا في السياق العالمي الحالي.

“لكن ما نتعلمه هو أن أولئك الذين استمروا في نزع الاستقطاب إلى جانب حماية الديمقراطية كانوا قادرين على إضفاء الطابع المؤسسي على الآليات الديمقراطية والتكيف أيضًا مع الظروف المتغيرة بمرور الوقت (تغيير التركيبة السكانية والمجموعات الثقافية، إلخ). لكن بالنسبة للهزائم الفورية للقادة المستقطبين (مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة) فإن هذا وحده لا يكفي. إذ سيبقى المجتمع مستقطبًا ما لم تعالج الحكومة المظالم الأساسية التي أدت إلى استقطاب المُستبد في المقام الأول”.

كيف نتجاوز الاستقطاب؟

التخلص من آثار الانقسام والاستقطاب
التخلص من آثار الانقسام والاستقطاب

يقول “مركز الأهرام” إن تراجع درجات التجانس والتماسك المجتمعى مع التحديات الاقتصادية والاستقطاب السياسى يتطلب بناء منظومة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية الفعالة والمستندة إلى رؤية وقناعات مجتمعية داعمة للإصلاح والبناء.

وتعتقد جينيفر مكوي أن تجاوز الاستقطاب “يحتاج إلى أشخاص شجعان على استعداد للتحدث مع أشخاص من الجانب الآخر ومستعدون للنظر في التعايش والبحث عن طرق لتلبية الاحتياجات الحقيقية للجميع”. ولكن تعتمد تلك الاحتمالات على مدى ديمقراطية النظام أو استبداديته. وما إذا كان يتم تقاسم السلطة المؤسسية بين المجموعات السياسية أو خاضعة لسيطرة المجموعة الحالية فقط.

لكن حتى في الحالة الأخيرة للناس دور “فكّر في اتفاقية هلسنكي التي لفتت الانتباه إلى حقوق الإنسان في حقبة الحرب الباردة في السبعينيات. لقد شكل المواطنون حينها مجموعات للرصد والإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وحتى في أماكن أخرى. وساعدت هذه “القوة الناعمة” في جذب الانتباه إلى تحقيق المساءلة والتغيير”.

وتضعنا الباحثة في إطار أوسع للنظر إلى نموذج كفنزويلا في ظل حكومة استبدادية، ولا تزال مستقطبة، للحصول على دروس حول ما يجب فعله وما لا يجب فعله: “لقد سعى الفاعلون السياسيون المعارضون في فنزويلا منذ فترة طويلة إلى تحقيق الهدف الأقصى المتمثل في الإطاحة بهوجو تشافيز (المنتخب في عام 1998) ثم خلفه نيكولاس مادورو (انتخب في 2013). وغالبًا ما اتبعت وسائل راديكالية وغير دستورية (الانقلاب ومناشدة التدخل العسكري الأجنبي، وتشكيل حكومة موازية)”.

وتضيف: “لقد فشلوا جميعا وكانت المعارضة (المعتدلة) الأكثر نجاحًا هي التي اتبعت استراتيجيات طويلة الأمد للتعبئة والمشاركة الانتخابية. وفازت بالانتخابات المحلية والتشريعية عندما اتحدت لاختيار المرشحين. ولكن من الأهمية بمكان أيضًا أن منظمات المجتمع المدني لعبت مؤخرًا دورًا مهمًا في التغلب على الانقسام السياسي ومحاولة أن تكون بناة جسور محايدة للتفاوض بشأن الاتفاقات الإنسانية وبشأن تحسينات صغيرة في الظروف الانتخابية”.

أما داخل الإطار المصري فيلفت عمار علي حسن إلى مسارين. أحدهما طبيعي وطوعي قائم على المراجعات الذاتية وإعادة الحسابات بين الأطراف المختلفة “وهذا يحدث طوال الوقت بشكل طبيعي وطوعي ويفرضه تغير المصالح السياسية وطبيعة النفوس التي تهدأ قليلا أو استيعاب الطرفين المتصارعين لما جرى ومحاولة الخروج من المستنقع”.

والآخر سياسي يحتاج إلى مناخ من الديمقراطية. فالعلاج الحقيقي “لا يتم إلا بأن يتحدث مجتمعنا سياسيا ويتم تسوية أي خلافات بين الأطراف المتنافسة في الساحة السياسية بشكل سلمي. وهذا لن يتم إلا بالديمقراطية ووجود مشروع وطني جامع لأفكار المصريين وجهودهم. وهذا ليس مستبعدا أو مستحيلا. ولكن لأننا بلا مشروع وطني ولا توجد ديمقراطية فلا يتم التغيير بالإرادة الحرة”.