رغم تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون قبل ما يزيد على العقديـن، إلا أنها لم تجتذب الدول العربية للانضمام لها أو حتى أن يكونوا شركاء حوار. كان ذلك قبل أن يغير العرب قناعاتهم فجأة وسط حديث روسي عن اعتبار المنظمة حجرا للزاوية في مواجهة الهيمنة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص. وقد عقدت المنظمة اجتماعها الأخير على مستوى القمة وهي الثانية والعشرون على هذا المستوى (الخميس الماضي 15 سبتمبر) في أوزبكستان.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رحب بانضمام كل من السعودية ومصر وقطر إلى منظمة شنغهاي بصفتهم “شركاء حوار”. كذلك رحب ببدء عملية الحصول على الصفة ذاتها لكل من الكويت والإمارات والكويت والبحرين وجزر المالديف وميانمار.
اقرأ أيضا.. تهديدات بوتين للنظام الدولي تلوح في الأفق على أفريقيا
المنظمة تأسست عام 2001، وتضم روسيا والهند وكازاخستان والصين وقرغيزستان وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان. بالإضافة إلى أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا كدول مراقبة. كما تضم أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسيريلانكا كدول شريكة في الحوار.
بدأت المنظمة باسم “شنغهاي خمسة” (الصين وروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان) كتجمع غير رسمي للتعامل مع قضايا أمن الحدود بين الصين وجيرانها ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي يونيو 2001، اتخذ المؤسسون قرارًا بتحويلها لمنظمة رسمية مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف الديني. الأمر الذي منحها شرعية دولية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/آيلول 2011، كما سمح لكل من أعضائها بمواجهة الحركات المحلية المتطرفة.
توسعت أنشطة المنظمة بعدها لتشمل البنية التحتية والتنمية الاقتصادية بين روسيا والصين وجيرانها. لكن أهم ما يميزها أنها تضم 4 قوى نووية “روسيا والصين والهند وباكستان” وعددا ضخما من السكان يمثل 44% من سكان العالم. قبل أن تسعى روسيا مؤخرا إلى تصويرها على أنها نوع من مناهضة الناتو. كما اقترحت مناورة عسكرية مشتركة على الأراضي الروسية العام المقبل.
الصين وروسيا
ساهمت الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات والتهديد المستمر للصين في أزمة تايوان، في زيادة التعاون بين أطراف المنظمة. فالصادرات الصينية من السيارات وأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية ساعدت موسكو في ملء الفراغ الذي سببه انسحاب الشركات الغربية من السوق الروسي. بعدما أوقفت أعمالها في أعقاب غزو أوكرانيا. وفي الوقت ذاته أصبحت روسيا أحد اللاعبين في سوق الطاقة بالصين والهند على حد سواء.
أما بالنسبة لتركيا، كان الرئيس رجب طيب أردوغان الممثل الوحيد لبلد عضو في حلف الناتو خلال اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون. الانضام كان بهدف استرضاء موسكو خاصة أن أنقرة معتمدة اقتصاديا على الأخيرة لتوفير الأموال اللازمة لمنع أزمة ميزان المدفوعات قبل الانتخابات التركية المرتقبة في 2023.
وتعتبر علاقة أنقرة التجارية مع موسكو، مهمة للميزانيات العمومية في البلدين. فالاقتصاد التركي في حالة محفوفة بالمخاطر بسبب سوء الإدارة. بالإضافة إلى سعّي أردوغان الحثيث إلى تطبيق نظرياته الاقتصادية. لكن منذ بداية عام 2022 ظهر أكثر من 20 مليار دولار من مصدر غير معروف في ميزانيات تركيا.
الاقتصاديون الأتراك افترضوا أن الكثير من تلك الأموال جاء من موسكو بما في ذلك دفعة مقدمة من شركة الطاقة الذرية الروسية “روس آتوم” التي تبني أول محطة للطاقة النووية في تركيا. وربما ينطبق الأمر ذاته على طهران. فبعد أكثر من عقد من التقدم بطلب للانضمام، وقعت مذكرة أخيرا للوفاء بالتزاماتها وتصبح عضوا كامل العضوية وهو ما تتوقع أن تفعله بحلول عام 2023.
العرب وتحالفاتهم
دخول العرب المنظمة حاليا مرتبط بمصالح اقتصادية وسياسية. فأمريكا فقدت ثقتها لديهم. كما أن روسيا باتت شريكا مهما لهم خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط والمكاسب التي حققوها جراء حرب أوكرانيا حتى الآن. كما أنهم وقفوا على الحياد خلال الأزمة الأوكرانية، وبالتالي يشبه الموقف العربي موقف أوزبكستان “على الأقل من الزاوية الاقتصادية” التي تحتضن القمة. وأعلنت رفضها دعم حرب روسيا ضد أوكرانيا. لكنها في الوقت ذاته تركز على المشاريع الإقليمية وهي الخطط التي تلعب فيها روسيا من جانبها دورًا محوريًا إلى حد بعيد.
يراهن بعض الخبراء على أن منظمة شنغهاي يمكن أن تلعب دورا في وساطات المنطقة خاصة العلاقة بين إيران والعرب. إذ أن الطرفين يعرفان جيدا أن الإدارة الأمريكية لن تتدخل في صدام مع طهران. كما أن أزمة الطاقة الحالية تدفع الغرب لتقديم تنازلات في ملف النووي الإيراني.
التحليلات الغربية تقول إن منظمة شنغهاي للتعاون وازنت عضوية إيران بدعوة الدول العربية مثل السعودية ومصر إلى أن تصبح “شركاء حوار”. ووقع قادة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون مذكرات ووثائق حول حماية الأمن الغذائي وأمن الطاقة الدولي ومعالجة تغير المناخ. بالإضافة إلى الحفاظ على سلاسل التوريد آمنة ومستقرة ومتنوعة بجانب خطة لتنفيذ معاهدة منظمة شنغهاي للتعاون بشأن حسن الجوار والصداقة والتعاون على المدى الطويل للفترة 2023-2027.
الإمارات العربية المتحدة تريد تطوير تعاونها مع المجموعة إلى درجة الانضمام كعضو كامل. كما تأمل سوريا والعراق وإسرائيل وبنجلاديش وفيتنام في الانضمام كشركاء في الحوار أو مراقبين. وبالتالي فإن المنظمة ربما تجمع داخلها مستقبلا جميع الأضداد في المنطقة. كما أنها من الممكن ان تكون المحرك الأول لتسويات نزاعات مستقبلية داخلها.
جامعة الدول العربية دخلت على خط المنظمة أيضا، ووقعت اتفاقًا مع الأمانة العامة للمنظمة بهدف تعزيز التعاون بين الجانبين في المجالات المتفق عليها. بالإضافة إلى التشاور والتنسيق حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ظهير شعبي
العلاقات بين العرب والصين وروسيا تمتلك ظهيرا شعبيا أيضا. ووفق قياسات الرأي العام، كان مستوى ثقة الجمهور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2008 في قيادة الرئيس بوتين للشئون العالمية أقل من المتوسط العالمي. لكن تلك النسبة تزايدت لتبلغ 38% من المشاركين بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقابل 37% للرئيس الصيني. كما أنها ترتفع أكثر بين عامة الناس لتبلغ 47%.
كذلك لا يزال غالبية المواطنين العرب يرون أن إسرائيل والولايات المتحدة تشكلان تهديدات أمنية رئيسية لهم بواقع 89% و81% على التوالي. بينما أظهر استطلاع آخر حديث أن غالبية العرب الذين شملهم الاستطلاع في الإمارات والسعودية والبحرين ينظرون إلى تطبيع العلاقات بموجب اتفاقيات إبراهيم بشكل غير مواتٍ.
كما يدرك الرجال والنساء العرب العاديون أن التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط عززت في الغالب ديناميكيات تدمر حياتهم. أول هذه الديناميكيات حروب بلا توقف، وتطرف، وفساد جامح، وإهمال واسع النطاق للقانون الدولي، وتفكك الدول. النتيجة هي فقر متعدد الأبعاد وهشاشة للأسر تؤثر على 67% من العرب وساءت الظروف أكثر بسبب كورونا، وحرب أوكرانيا، وتغير المناخ.
الرئيس الصيني شي جين بينج، لعب على تلك النقطة وقال في اجتماع مع ممثلين عن 21 دولة عربية في بكين قبل شهور، إن التنمية “مفتاح” لحل المشكلات الأمنية في الشرق الأوسط. كما تعهد بدفع 20 مليار دولار في شكل قروض وحوالي 106 ملايين دولار من المساعدات المالية إلى دول الشرق الأوسط كجزء مما أسماه نموذج “النفط والغاز المضاف”.
مصر و”شنغهاي”
بالنسبة للقاهرة، فالانخراط في المنظمة مبني في المقام الأول على الجانب الاقتصادي. فالمنظمة لديها دور تنموي مهم ظهر أهم محاوره في أفغانستان. من خلال تنفيذ مشروعات مشتركة للبنية التحتية، مثل خط سكة حديد “ترميز – مزار شريف – كابول – بيشاور”. وهذه المشروعات لا تحل فقط المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنقل والاتصالات، بل وتقدم أيضا مساهمة كبيرة في ضمان الأمن الإقليمي.
يقول الدكتور وليد جاب الله، أستاذ التشريعات الاقتصادية، إن انضمام مصر للمنظمة سيفتح أسواقا جديدة للصادرات المصرية. كما أنه سيمنحها معاملة تفضيلية في عمليات التبادل التجاري بينها وبين الدول الأعضاء. كذلك سيساهم بصورة فورية في زيادة إعداد السائحين القادمين لمصر من دول تلك المنظمة.
أضاف أن مصر منفتحة حاليا على الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الدولية كافة دون تحيز خاصة أن لديها مشروع تنمية شامل يحتاج للكثير من العلاقات والشركات الدولية. كما يأتي في ظل تنويع علاقات مصر الخارجية. خاصة أن انضمامها صاحبه انضمام كل من الإمارات والكويت وقطر والبحرين بما يعبر عن تنسيق عربي في مجال العلاقات الخارجية.