تستعد لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي للاجتماع الخميس المقبل لبحث أسعار الفائدة وسط ترقب عملاء البنوك لهذا الاجتماع المصيري. وذلك لتأثير قراراته في أسعار العائد الخاص بالأوعية الادخارية وقيمة الجنيه المصري.
ويتقارب اجتماع لجنة السياسة النقدية مع اجتماع المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. الذي سينعقد الأربعاء المقبل. وذلك لتحديد سعر الفائدة التي بدورها تؤثر في غالبية قرارات البنوك المركزية حول العالم. وخاصة في الدول الناشئة التي تعاني من اقتصاد هش.
وفتح تزامن كلا الاجتماعين الباب للتساؤل حول السيناريوهات المتوقعة بشأن قرار المركزي المصري. ومدى تأثره بقرارات الفيدرالي الأمريكي. وكذلك تأثير حصول مصر على قرض صندوق النقد في قرار سعر الفائدة المقبل.
وكانت لجنة السياسة النقدية قررت في اجتماعها الأخير في 18 أغسطس/آب الماضي تثبيت أسعار الفائدة دون تغيير عند 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض وذلك للمرة الثانية على التوالي.
قفزات الدولار تُعجل برفع الفائدة 1 لـ2%
وخلال الأيام الماضية واصل سعر صرف الجنيه انخفاضه أمام العملات الأجنبية. حيث ارتفعت قيمة الدولار بمختلف البنوك لتسجل نحو 19.45 جنيه بالسوق المصرية. ما دفع بعض المصرفيين لتوقع سيناريو لجنة السياسة النقدية واحتمال توجهها نحو إجراء تحريك جزئي في أسعار الفائدة.
وقال الخبير الاقتصاد بكر الديب إن تراجع قيمة الجنيه قد يدفع البنك المركزي إلى تبني سياسة رفع الفائدة لتجنب خروج مزيد من الاستثمارات الأجنبية من السوق المصرية في ظل تبني الحكومة سياسة سعر صرف مرن للحفاظ على الأموال الساخنة التي لا تزال متمسكة بالسوق المصرية.
وأضاف في تصريحات خاصة أن الجنيه المصري بحاجة إلى خفض تدريجي للوصول إلى السعر العادل له الفترة المقبلة. ومن ثم تحفيز أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار في مصر. وذلك للاستفادة من استقرار العملة المحلية. فالأوضاع الاقتصادية المصرية يتماشى معها سياسة الخفض الجزئي حتى يتم الوصول إلى السعر العادل للجنيه وفق آلية العرض والطلب.
استمرار ارتفاع معدلات التضخم عالميًا وبالتبعية محليًا بجانب تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يرجحان رفع الفائدة بمعدل يتراوح بين 1 و2% على أقصى تقدير -وفق الخبير الاقتصادي.
كذلك قد تُقر لجنة السياسات النقدية تحركًا جديدًا على مستوى سعر الفائدة نتيجة استمرار قفزات سعر النفط عالميًا إلى ما بين 95 و100 دولار. بمعدل يتجاوز المقدّر في موازنة العام المالي 2022/2023 -نحو 88 دولارًا.
هل تتأثر مصر بقرار الفيدرالي؟
اتجاه المركزي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة هناك سيدفع مصر إلى تبني قرار مماثل. وذلك لتقليص الفجوة بين الفائدة في أمريكا وغالبية دول العالم وبين سعر الفائدة في مصر. لتجنب عزوف الاستثمارات والأموال الساخنة التي لا تزال في السوق المصرية -وفق يسري حسن الخبير الاقتصادي.
الاجتماع الأخير للفيدرالي الأمريكي قرر رفع الفائدة. فيما لجأت مصر إلى تثبيت الفائدة لتجنب حدوث صدمات سعرية جديدة داخل السوق. حفاظًا على فئات المجتمع المتوسطة والمحدودة من ارتفاع تسعيرة السلع والمنتجات.
وأضاف في تصريحات خاصة أن أي قرار مخالف لقرار المركزي الأمريكي سيزيد الضغوط على الجنيه باعتباره غير معبر عن المستوى الحقيقي لسعر صرفه أمام الدولار -يُقدر بنحو 21-22 جنيها.
التوجهات الحالية على مستوى مختلف البنوك المركزية العالمية -وخصوصا الفيدرالي الأمريكي- لإقرار زيادة جديدة في أسعار الفائدة على عملاتها المحلية لا يمكن استبعاد تأثيرها في أسعار الفائدة في الدول الناشئة. والتي تتطلع إلى اجتذاب رؤوس أموال أجنبية جديدة. كما الحال في مصر. حيث بات تأثير قرارات البنوك المركزية العالمية واضحًا على الجنيه واحتياطي النقد الأجنبي بالدولة.
وقرر الاحتياطي الفيدرالي في 27 يوليو/تموز الماضي رفع أسعار الفائدة للمرة الرابعة على التوالي بنسبة 0.75% إلى نطاق 2.25-2.50%. وذلك لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 40 عاما عند 9.1% في يونيو/حزيران مقابل 8.8% في مايو/أيار الماضي.
على النقيض استبعد بنك “جي بي مورجان” أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع الأسبوع الجاري. وقال البنك إن هناك احتمالاً نسبته نحو 30% للجوء الفيدرالي إلى هذه الخطوة.
التضخم وقرض صندوق النقد
ومع اقتراب مصر من الحصول على قرض صندوق النقد الدولي ذهب البعض إلى أن شروط حصول مصر على القرض كانت تقتضي حدوث مرونة في سعر صرف الجنيه. وتحريك الفائدة ليصل الجنيه إلى قيمته الحقيقية -يواصل يسري حسن.
وتوقع بنك ستاندرد تشارترد أن تصل قيمة قرض صندوق النقد الدولي لمصر إلى 6 مليارات دولار. وأن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه قبل نهاية سبتمبر/أيلول الحالي. مشيرًا إلى أن التحرك في سعر الصرف سيكون تدريجيا تجنبًا لصدمات التضخم.
أضاف “حسن” أن شروط صندوق النقد تدور حول بعض النقاط التي تستطيع من خلالها أن تضمن تحسن اقتصاد الدولة للحصول على قرضها في الموعد المُحدد للسداد لاحقًا. ومن تلك الشروط رفع الفائدة لتحسين سعر الصرف وكذلك تحريك أسعار المحروقات.
أما التضخم الذي شهد ارتفاعًا في السوق الفترة الماضية فقد كشف البنك المركزي ارتفاع معدله السنوي في الحضر ليسجل 14.6٪ في أغسطس/آب 2022 مقارنة بمعدل بلغ 13.1٪ في يوليو/تموز 2022.
ورد البنك المركزي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية بصفة أساسية. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وسجل التضخم العام معدلاً شهرياً بلغ 0.9% في أغسطس/آب 2022 مقارنة بمعدل بلغ 0.1% في أغسطس/آب 2021.
وعلق هاني جنينة -الخبير الاقتصادي- بأن البنك المركزي قد يلجأ إلى تحريك سعر الفائدة في اجتماعه المقبل بنسبة قد تصل إلى نحو %2.
ورد “جنينة” توقعاته لـ”مصر 360″ بتحريك الفائدة إلى ارتفاع التضخم الفترة الأخيرة. وكذلك المؤشرات الخاصة باحتمالية لجوء الفيدرالي الأمريكي إلى رفع الفائدة هناك. الأمر الذي سيزيد الفجوة بين الجنيه المصري والدولار. وهنا سيكون تحريك الفائدة إحدى السبل لتقليص تلك الفجوة وإعادة الاستثمارات التي خرجت من السوق مؤخرًا.
تثبيت لتقليص الضغط على الموازنة
الاتجاه نحو تثبيت الفائدة رجحة بعض أيضًا؛ بداعي أن الحكومة لاتزال ترغب في دعم الموازنة العامة وتقليص حجم الضغط عليها خلال العام المالي الجاري، وبالتالي تفكر جديًا في إمكانية تثبيت الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي -وفق ليلي طاهر الخبيرة الاقتصادية لـ “مصر 360”.
الهدوء النسبي الذي يتوقع البعض أن يسود خلال الربع الأخير من العام الجاري، على مستوى أسعار السلع العالمية -الغذاء والنفط- قد يُرجح كفة التثبيت لتحريك السوق تدريجيًا نحو النمو ولتجنب زيادة معدلات التضخم بالسوق.
كما أن مصر تُعد من الدول الناشئة التي يسعى عدد من الصُناع والمستثمرين إلى ضخ رؤوس أموال بها، لمحاولة اقتناص مشروعات وفرص استثمارية جديدة بها بمختلف القطاعات، وهنا يكون لثبات سعر الفائدة دور هام ومحوري في إتمام دخول تلك الاستثمارات إلى السوق “ثبات سعر الصرف يُمكن الشركات من إتمام دراسات الجدوى الخاصة بهم بكل دقة.. لكن التغير المستمر يُزيد من صعوبة دراسة السوق وتقييم حجم المخاطر”.
توقعت اتجاه لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي إلى اتخاذ قرار مماثل للقرار السابق الخاص بتثبيت الفائدة؛ خاصة بعد الهدوء النسبي على مستوى التوترات الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي لابد أن تشعر الأسواق بمدى الاستقرار التدريجي الذي حدث عالميًا خلال الفترة الراهنة.
البنك الدولي يحذر
أما البنك الدولي فقد حذر من أن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم قد يؤدي إلى ركود عالمي في 2023. مشيرًا إلى أن البنوك المركزية قد رفعت أسعار الفائدة “بدرجة من التزامن لم نشهدها خلال العقود الخمسة الماضية” لمواجهة ارتفاع الأسعار.
ويهدف رفع أسعار الفائدة إلى جعل الاقتراض أكثر تكلفة. في محاولة لخفض وتيرة ارتفاع الأسعار. لكن الإجراء قد يؤدي إلى إبطاء وتيرة النمو الاقتصادي.
ويأتي تحذير البنك الدولي قبل اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا. والتي من المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة الرئيسية الأسبوع الجاري.
وقال البنك الدولي إن الاقتصاد العالمي يمر بأشد فترة تباطؤ منذ عام 1970. فيما تعاني الاقتصادات الثلاثة الكبرى في العالم -الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- من تباطؤ بشكل حاد. وفي ظل هذه الظروف فإن أي ضربة أخرى للاقتصاد العالمي قد تدفعه إلى الركود.