قبل أيام، أعلنت شركة إنيرجيان/ Energean. وهي شركة بحث وإنتاج نفطي مستقلة مقرها لندن، تركز على تطوير الموارد في البحر المتوسط وبحر الشمال بالمملكة المتحدة. أنها جاهزة، في غضون أسابيع، لبدء استخراج الغاز لحساب إسرائيل من حقل كاريش في شرق المتوسط، المتنازع عليه مع لبنان.

وذكرت الشركة مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، في تقرير حول نتائج أعمالها خلال النصف الأول من العام. إن “مشروعنا الرئيسي كاريش في طريقه لبدء الإنتاج في غضون أسابيع قليلة”. بعد أن وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفينة لإنتاج الغاز وتخزينه استأجرتها الشركة لحساب الدولة العبرية في يوليو/ تموز الماضي.

وبينما تتوسط الولايات المتحدة منذ عامين بين لبنان وإسرائيل -الجارتين اللتين لا تزالان رسميا في حالة حرب- للتوصل إلى اتفاق يرسّم الحدود البحرية بينهما. يقول لبنان إن حقل كاريش يقع في جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، وتؤكد تل أبيب أن الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة.

في استطلاع أجراه المرصد السياسي لمعهد واشنطن، ضم سبعة خبراء، نوقش القرار الإسرائيلي ببدء الإنتاج. والذي قد يؤثر على الموقف التفاوضي لبيروت، وحسابات حزب الله العسكرية، والعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعوامل أخرى.

اقرأ أيضا: رهانات الخط 29.. فرص إنهاء أزمة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

بؤرة ساخنة

استأنفت إسرائيل ولبنان المفاوضات على حدودهما البحرية في 2020. وتوقفت هذه المفاوضات لاحقا، قبل أن تستأنف مجددا في يوليو/ تموز. وركزت النقاشات الأولية على منطقة تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا متنازع عليها، وذلك وفقا لمطالب لبنان، التي سجلت لدى الأمم المتحدة عام 2011.

ولاحقا طلب لبنان توسيع مساحة هذه المنطقة إلى 1430 كيلومترا مربعا. بحيث تشمل حقل كاريش، الذي تعتبره إسرائيل ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة.

ومع تصاعد النشاط الإسرائيلي في كاريش، حذّر حزب الله، إسرائيل من القيام بأي نشاط قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وقرن قوله بالفعل، حيث أعلنت تل أبيب، في الثاني من يوليو/ تموز، عن اعتراض ثلاث طائرات بدون طيار تابعة لحزب الله. كانت متّجهة إلى منطقة حقول الغاز في مياه المتوسط.

وفي 22 أغسطس/ آب، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس من أن “أي هجوم لحزب الله على كاريش قد يؤدّي إلى حرب جديدة”. وأوضح أن “عمليات استخراج الغاز ستبدأ عندما يكون الحقل جاهزا للإنتاج”، مشددا على أن حقل كاريش يقع ضمن المياه الإقليمية لإسرائيل.

في الواقع، يعتبر كاريش أصغر بكثير من حقلي لوياثان وتمار المنتجين حاليًا في إسرائيل. لكنه أثار اهتمامًا أكبر في الآونة الأخيرة لأنه يقع بالقرب من الخط الفاصل المتنازع عليه بين المناطق الاقتصادية الخالصة في لبنان.

بالإضافة إلى تعقيد المفاوضات البحرية، يعتبر موقع كاريش حساس أيضًا، بسبب احتمال تعرضه المتزايد للهجوم. على عكس المعدات الخاصة بلوياثان وتمار، المختبئين تحت الأمواج، والمتصلين بواسطة خطوط أنابيب طويلة بمنصات المعالجة بالقرب من الشاطئ. لذلك، يقول الخبراء: مهما حدث، يجب على جميع الأطراف أن تضع في اعتبارها التحديات والجداول الزمنية المرتبطة بتطوير الغاز البحري.

قيود لبنانية

تدرك بيروت جيدا أن الفشل في التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى رد فعل داخلي عنيف. لأن اقتصاد البلاد لا يمكنه تحمل المزيد من التوترات مع المجتمع الدولي. بينما تأمل القيادة السياسية أن تفتح الموافقة على صفقة -بوساطة الولايات المتحدة- على حدود بحرية واسعة أبواباً أخرى. مثل تسهيل نقل الغاز المصري –يزعم البعض أنه إسرائيلي- إلى لبنان مع تخفيف مطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإصلاح.

ويرى خبراء معهد واشنطن أنه “بالنظر إلى التهديد بفرض عقوبات إضافية على السياسيين الفاسدين. والفوائد الموعودة التي ستوفرها إمدادات الغاز الجديدة للنخب الراسخة اقتصاديًا، فإن الاتفاق مع إسرائيل لا يبدو سيئًا في هذه المرحلة. لدى حزب الله حساباته الخاصة في هذا الشأن، لكنه قد يتركها أيضًا تمر. بسبب مشاكل مالية داخلية، وتحديات داخل قوتها المقاتلة، والهجمات الإسرائيلية المستمرة على منشآت أسلحتها في سوريا.

وأضافوا: يدرك حزب الله جيدًا أن بدء حرب أخرى، سيؤدي إلى خسائر أكثر من المكاسب، على الأقل في الوقت الحالي. بينما إذا تم التوصل إلى اتفاق، يجب على جميع الأطراف أن تضع في اعتبارها أن قطاع الطاقة لا يزال أكثر المجالات فسادًا وفشلًا في لبنان. وبالتالي، فإن أي تنازلات بشأن متطلبات الإصلاح لن تؤدي إلا إلى تقوية هذا النظام الفاسد، وحتمًا، حزب الله نفسه.

البنية التحتية والمطالبات الحدودية المتداخلة في البحر المتوسط بين لبنان وإسرائيل- موقع MEES

اقرأ أيضا: الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية.. جذور الأزمة ودوافع تجددها

تحذير وتقدير

عندما حذّر حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في يوليو/ تموز، من أن قواته ستتخذ إجراءات لمنع إسرائيل من استخراج غاز كاريش. فهم المسئولون الأمنيون الإسرائيليون هذا التهديد على أنه “خروج عن الخطوط الحمراء التقليدية لحزب الله”. حيث اعتادت الدولة العبرية تلقي هجمات انتقامية عندما تقصف الأراضي اللبنانية، أو تستهدف عناصر حزب الله.

لذلك، العديد من المراقبين يعتقدون أن تهديد كاريش “خطر على حزب الله”، مفسرين ذلك بأن التنظيم “لا يريد قتالاً شاملاً مع إسرائيل، في وقت يعاني فيه لبنان من أزمات سياسية ومالية حادة”.

ومع ذلك، فقد خلص نصر الله أيضًا -على ما يبدو- إلى أن التكاليف المحتملة للمخاطرة، تفوقها فوائد الادعاء بأن تنازلات إسرائيل بشأن كاريش أصبحت ممكنة بفضل هذه التهديدات “بعد تلقي الكثير من النيران محليًا بسبب تدخله في الحرب السورية. من المرجح أن يرغب التنظيم في إظهار أن أسلحته تُستخدم الآن في خدمة مصالح لبنان، وليس مصالح إيران أو سوريا”.

لكن، رغم تهديدات نصر الله المتكررة، لم تتراجع إسرائيل عن المضي قدمًا في خطط إنتاج كاريش. مما يخلق جولة خطرة من سياسة حافة الهاوية، والتي قد تؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية بالداخل، أو حتى مواجهة أكبر.

وفقًا لتقديرات المخابرات الإسرائيلية، بعد أن أدلى نصر الله بهذه التصريحات العلنية، ونقل تحذيرات إضافية من خلال وسطاء. فقد يشعر بأنه ملزم بالتصرف بناءً على تهديداته الصريحة. ومن جانبهم، حصر القادة الإسرائيليون أنفسهم في الزاوية، بإصرارهم علنًا على أن المشروع لن يتأخر.

مساع أمريكية

جاء توقيت مشروع كاريش كمسألة رئيسية بالنسبة لقادة الولايات المتحدة وإسرائيل. يرجع ذلك جزئياً إلى حالة عدم اليقين بشأن ما سينتج عن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. حيث يمكن اعتبار أي تقدم في القضايا الخارجية قبل ذلك الوقت بمثابة إنجاز لرئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد.

حددت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حل نزاع الحدود البحرية على أنه “أولوية رئيسية” من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي.  والتأثير على نتيجة الانتخابات الإسرائيلية. حيث يتنافس رئيس الوزراء الحالي لبيد مع الزعيم السابق بنيامين نتنياهو، ويفضل البيت الأبيض تحقيق لبيد للفوز، من أجل تعزيز أهدافه المتمثلة في تحسين العلاقات مع الفلسطينيين، والحفاظ على الوضع الراهن في الضفة الغربيةبحسب رؤيتها.

ويؤكد الخبراء أنه “مهما كانت البنود النهائية لاتفاقية بحرية مع لبنان. فإن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يصقل أوراق اعتماد لبيد في السياسة الخارجية، وربما يساعده في الاقتراع”.

في الوقت نفسه، تتساءل كل من واشنطن وتل أبيب عما إذا كانت إيران ستمنح وكيلها -حزب الله- الضوء الأخضر للسماح باتفاق لبناني. في وقت يسوده عدم اليقين أو الثقة. ففي حين أن اتفاقًا على هذه الحدود قد يزيل مصدرًا واحدًا للصراع بين إسرائيل وحزب الله، فمن غير المرجح أن يخفف من حدة التوترات المتصاعدة بينهما على طول الخط الأزرق. وهي الحدود البرية التي تمتد من الساحل اللبناني إلى الحدود السورية.