رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي الأمريكي” مساء الأربعاء أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي -ما بين 3% و3.25%- لمواجهة التضخم المرتفع. وذلك قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي المصري المقرر اليوم الخميس.
وتعد هذه الزيادة هي الخامسة منذ أن بدأ الفيدرالي سلسلة التشديد في مارس/آذار الماضي. كما أنها الثالثة بمقدار 75 نقطة أساس. حيث رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة في يونيو/حزيران الماضي إلى (1.50%: 1.75%)، ثم إلى (2.25: 2.50) في يوليو/تموز مع الزيادة الأخيرة وصل سعر الفائدة إلى 2.50%: 325%. وهو أعلى معدل فائدة منذ 2008.
وفتح قرار الفيدرالي الأمريكي المجال لتوقع سيناريوهات قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري المقرر انعقادها بعد سويعات. وكذلك مدى قدرة السوق المصرية على تحمل تبعات أي تحريك في أسعار الفائدة مجددًا خلال 2022.
معنى رفع الفائدة
رفع الفائدة يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على الإقراض ما بين 3% و3.25%. فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على القرض الذي يرغب في الحصول عليه. وفق الدكتور أحمد شوقي -الخبير المصرفي.
يوضح “شوقي” لـ”مصر 360″ أن هذا الإجراء لا ينطبق على العملاء الذين حصلوا على قروض من قبل. ويسددون حاليًا أقساطا عليها. وحال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة -أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من البنك المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع ما بين 3% و3.25%.
يشرح الخبير المصرفي أن الفائدة على شهادات الادخار والودائع في البنوك سترتفع. وهو أمر يخضع لرؤية كل بنك في تحديد نسبة الفائدة على الودائع والشهادات التي يقدمها. كما سيرتفع سعر الفائدة بشكل أوتوماتيكي على الشهادات والودائع التي تكون مربوطة بسعر الفائدة في البنك المركزي. والتي تسمى “متغيرة العائد”. ولا ينطبق ارتفاع سعر الفائدة على الودائع والشهادات على العملاء. الذين سبق واشتروا شهادات ادخار من قبل ويحصلون حاليًا على فوائد مقابل أموالهم.
لماذا حركت أمريكا الفائدة؟
وأرجع الفيدرالي الأمريكي وفق ما نشره عبر موقعه الرسمي قراره بشأن رفع الفائدة إلى سعيه للوصول بمعدل التضخم إلى المستوى المستهدف له عند 2% على المدى الطويل. فالمؤشرات الأخيرة تظهر نموا متواضعا في الإنفاق والإنتاج. بينما كانت مكاسب الوظائف قوية في الأشهر الأخيرة وظل معدل البطالة منخفضًا.
التضخم لم يكن الدافع الوحيد وراء تحريك الفائدة. حيث بيّن “الفيدرالي” أن التضخم الذي لا يزال مرتفعًا يعكس اختلالات العرض والطلب المتعلقة بجائحة وباء كورونا. وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الأسعار الأوسع.
وأوضح “الفيدرالي” أن حرب روسيا ضد أوكرانيا تسببت في صعوبات بشرية واقتصادية هائلة. وتخلق الحرب والأحداث ذات الصلة ضغطًا تصاعديًا إضافيًا على التضخم وتؤثر في النشاط الاقتصادي العالمي. فاللجنة حريصة للغاية إزاء مخاطر التضخم.
أشارت اللجنة إلى استعدادها لتعديل موقف السياسة النقدية بالشكل المناسب إذا ظهرت مخاطر قد تعرقل تحقيق أهدافها. وأن تقييماتها ستأخذ في الاعتبار مجموعة واسعة من المعلومات. بما في ذلك قراءات عن الصحة العامة وظروف سوق العمل وضغوط التضخم وتوقعات التضخم والتطورات المالية والدولية.
نحن الأكثر تأثرًا
وتعتبر اقتصاديات الدول الناشئة بالشرق الأوسط هي الأكثر تأثرًا بقرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة. فتكلفة الديون سترتفع على هذه الدول. ما يمثل عبئا إضافياً. بحسب الدكتور أحمد متولي الخبير المصرفي.
هذه الدول ذات الاقتصادات الهشة ستواجه صعوبات أيضًا في الحصول على تمويل للاستثمارات الحكومية مع ارتفاع الفائدة على الدولار. وستعاني للحصول على تمويل لاقتصادها. خاصة تلك الدول التي تعتمد على القروض في تنفيذ مشروعاتها القومية.
يشرح “متولي”: بعض المشروعات قد تتوقف حال عدم قدرة الحكومات على توفير المخصصات المالية اللازمة لتمويل المشروع. نظرًا لارتفاع تكاليف تنفيذ المشروعات حاليًا عما كان مُخططًا سابقًا”.
واستشهد بسعي بعض الحكومات للحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي لإقرار حزمة إنقاذ لتفادي الانهيار في المالية العامة لديها. ما يعني أن هذه الدول ستزداد تحدياتها في الحصول على قروض خارجية لدعم خطط الإصلاح الاقتصادي هناك.
الاقتصادات الناشئة
من جانبه أكد رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة أن إعلان البنك الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة سيؤثر في العالم أجمع وبالأخص على الاقتصادات الناشئة مثل مصر.
وأوضح في حواره لبرنامج “يحدث في مصر” على فضائية “إم بي سي مصر” أن الاقتصادات الناشئة مثل مصر كانت تسير بشكل جيد جدًا على طريق الإصلاح الاقتصادي. ولكن الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا أثرا بشكل كبير على مصر. ورغم ذلك استفادت بعض الدول من الأزمات الاقتصادية العالمية. مثل تلك التي تمتلك مخزونا من البترول والغاز. وكذلك الدول التي تقوم بزراعة القمح ورفعت صادراتها من هذا المنتج.
معاناة المستوردين
وستواجه السوق المصرية صعوبة في تحمل تبعات تحركات الفائدة. فالتأثيرات التي تفرضها تحركات أسعار الفائدة تطول من جانبها المصنعين والمستوردين من الخارج. فأسعار الفائدة المرتفعة تؤثر بالسلب على سعر صرف الجنيه. ومن ثم تراجع قيمته. “الجنيه بيفقد قيمته بشكل مباشر كل ما نحرك الفائدة” -يقول أيمن ياسين الخبير الاقتصادي.
وأضاف أن الجهات المستوردة بالدولة لا تزال تعاني من تراجع قيمة الجنيه. وبالتالي أي رفع في الفائدة سيؤثر فيهم مرة أخرى بخضوع منتجاتهم إلى رفع جديد في الأسعار بالسوق.
ولفت إلى أن الكيانات الصناعية التي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج ستتأثر بأي رفع في الفائدة. ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المُصنعة محليًا -التي تستورد المادة الخام من الخارج- سواء كانت مواد غذائية أو غيرها. وبالتالي ستواجه تلك الكيانات تعثرات جديدة على مستوى خطط التنمية المستهدفة التي تم اعتمادها سابقًا.
مصر تحريك أم تثبيت؟
ويجتمع البنك المركزي المصري اليوم الخميس للمرة السادسة هذا العام لحسم أسعار الفائدة. فيما تشير التوقعات إلى اتجاهه لرفع سعر الفائدة لمواجهة تداعيات قرار الفيدرالي الأمريكي بزيادة أسعار الفائدة. في حين تمسك البعض بقرار التثبيت لتقليل تأثر السوق المصرية بمزيد من ارتفاع الأسعار.
وكان البنك المركزي المصري قرر تثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير في 18 أغسطس/آب الماضي للمرة الثانية على التوالي بعد قراره بتثبيت سعر الفائدة خلال يونيو/حزيران عند مستويات 11.25% و12.25%.
ويتوقع محمود حمد -الخبير الاقتصادي- ارتفاع أسعار الفائدة في مصر خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية اليوم الخميس. وذلك تأثرًا بالفجوة التي أحدثها الفيدرالي الأمريكي بشأن الفارق بين سعر صرف الجنيه والدولار. فهناك فارق كبير بين العملتين “الجنيه والدولار”.
وأضاف لـ”مصر 360″ أن تثبيت الفائدة مرة أخرى سيحدث فجوة في السوق بين الفائدة في مصر ونظيرتها في غالبية الدول المجاورة. وبالتالي سيكون هناك عزوف من قبل المستثمرين عن ضخ رؤوس أموال جديدة في السوق المصرية الفترة المقبلة: “المركزي سيكون مضطرًا لتحريك الفائدة حفاظًا على أموال المستثمرين”.
وتابع: رفع الفائدة ليس أفضل الخيارات أيضًا بالنسبة للسوق. فالتغييرات في معدل الفائدة في مصر تؤثر في سعر الدولار بشكل كبير. فعندما يرفع المركزي المصري سعر الفائدة تنخفض قيمة الجنيه أمام الدولار. الذي يزداد قوة في السوق المصرية.
توقعات بقيمة الجنيه
وتوقع وصول الدولار إلى 20 جنيهًا حال إحداث تحرك على مستوى الفائدة بالبنك المركزي المصري خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية اليوم الخميس. موضحًا أن المستثمرين الأجانب سيتجهون حينها للاستثمار في العملة الأجنبية بالبنوك المصرية استغلالاً لزيادة الفائدة.
أما تثبيت الفائدة فقد رجحته ليلى طاهر -الخبيرة الاقتصادية- رغم قرار الفيدرالي الأمريكي. باعتبار أن الحكومة تعمل جاهدة على دعم الموازنة العامة وتقليص حجم الضغط عليها خلال العام المالي الجاري.
وتابعت لـ”مصر 360″ أن تثبيت الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي سيأتي في صالح الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل. لدوره في منع تحريك أسعار السلع والمنتجات بالسوق خلال الربع الأخير من 2022.
تثبيت الفائدة سيضمن الحفاظ على أسعار المحروقات والمنتجات الغذائية. خاصة أن لجنة تسعير الوقود بصدد إصدار قرار جديد بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل. بشأن أسعار المنتجات البترولية خلال الربع الأخير من 2022. ومن ثم ثبات الفائدة سيحافظ بشكل كبير على ثبات أسعار المحروقات عند مستوياتها الحالية.