مازال عادل إمام نجما ويشغل المصريين، مازال مكنونا في قلوبهم بكل الحب لم ينقص خردلة، حتى وهو في منزله مع أحفاده يستمتع بونس شيخوخته وبأصدقاء مختارين وبإنجازه الفريد الممتد طيلة عقود، حتى ونحن نظن أننا نسيناه ونسانا، لنكتشف أنه يشغلنا أكثر، مجرد إدراكنا أنه سعيد وآمن يجعلنا بطريقة ما نشعر أيضا بشيء من السعادة، أو على الأقل بونس في أيام تزداد صعوبة، لأن رفيقا قديما بخير.

اقرأ أيضا.. إنصاف تأخر طويلا ليوسف معاطي

ما زال نجما حتى إن إعلاميا شهيرا –وأنسب إليه صفة الشهرة بكل أسف ممكن- لا يجد ما يفبركه اليوم ويثير به الانتباه نحوه سوى خبر عن مرضه بالزهايمر، ثم استفزاز الجمهور بفتوى تدخله الجنة بلا حساب وهو أمر لا يختلف عن تصرف المتطرفين الذين يحرمون الناس منها أيضا بغير حساب. وظني أن ذلك الإعلامي لا يعنيه مصير عادل إمام في الآخرة في شيء، بل طريقته المحسوبة في النطاعة عبر ادعاء التنوير وحصد الترافيك، لأنه يعلم أن النتيجة هو أن يُشتم عادل إمام، من كل من ظنوا أنهم امتلكوا مصير الناس في الدنيا والآخرة.

أما الشتائم التي نالها ذلك الإعلامي فهي أيضا مرغوبة، لأن تلك الإهانات لا شيء، لقد اعتادها وأرادها، لأن الكرامة معطلة في سبيل العقد الذي برمه مع سادة آخرين، لن يسعدهم أكثر من إثارة الجدل وإجبارنا على إشاحة النظر بعيدا عما هو مهم فعلا.

أول ظهور لعادل إمام بعد شائعة إصابته بالزهايمر

لكن دعنا منه، ومن أمثاله، هؤلاء موجودون من الأزل، وزائلون كذلك، لا يتبقى من تاريخهم سوى الوصمة، ولا يذكرهم سوى خزي ما أفسدوا به وضللوا به، هم نكتة الزمن في كل تجلياته: ماض وحاضر ومستقبل.

دعنا منه ولنتحدث أكثر عمن أحببناه. عادل إمام فهو صانع يحفر في الزمن بإزميل فلا يسع ذلك الزمن إلا تكريمه؛ لأنه وهبه المعنى، لأن موهبته هي فهم الناس، الانحياز لهم، وإن خذلنا في أشياء، فنحن نعلم أن فضله أكبر من بضع زلات، فهي في النهاية مشكلات داخل دائرة تضمنا وتضمه، لذا ستنتهي دائما بانتصار المحبة وغفران الأخطاء، يطرد من تلك الدائرة من ليس منها.

عادل إمام الذي فتن أجيالا عبر الحب والكراهية، لم يبع فانتازيا عن نفسه، بل كان هو بنفسه العائش في الفانتازيا، كطفل تخطى الثمانين، قدر له أن يجسد على الشاشة كل خيالاته عن ذاته، لكنه عوضا عن أن يفعلها مثلنا في غرفته مؤتنسا فقط بخياله، أعطاه القدر أدوات تحقيقها. أن يجسد ما أحب أن يكونه، لا حقيقته وأن يخترع لها أجسادا وأسماء وشخصيات، وأن يجد حكاية توثقها كاميرا، وعشرات اللاعبين اللذين لا هدف لوجودهم سوى أن يساعدوه على استكمال الفانتازيا، لكنه هو الذي لم يكن أبدا قويا يقدر على الإطاحة بذبابة فعلها بكل إيمان ممكن، لذا صدقناه، لقد عوضنا ذلك الرفيق عن شيء وجعل أحلامنا مثله موثقة على الشاشة، لقد فعلها بالنيابة عنا.

عادل إمام كن بخير، جنتك في قلوبنا وذاكرتنا.