كتب- عبد الرحمن إسماعيل:
منذ أكثر من سبعة قرون وتحديدًا ما بين القرنين الثاني والثالث عشر الميلادي وفي محاولة للبحث عن الذات، قرر شاب في مقتبل العمر أن يخرج إلى الجبال الثلجية لمواجهة أعداء لا يعلم هويتهم من أجل أن يثبت للجميع أن هناك أسطورة تولد من جديد. وأنه ليس بطلاً من أجل اسم والده فقط. بل أنه سيخلد اسمه عبر التاريخ ويصنع ما عجز عنه والده.. “بيورن أيرونسايد” الابن الأكبر لأسطورة الفايكينج “راجنار لوثبروك”، والذي ذاع صيته فيما بعد ليكون أمل شعب الفايكينج لتوحيد القبائل على قلب رجل واحد.
في عام 2022، كان فتى نرويجي يُدعى إيرلنج هالاند يأمل أن يسير على نهج والده بالانتقال إلى مانشستر سيتي. إذ ارتدى والده هذا القميص ودافع عن ألوانه بين عامي 2000 و2003. ولكن الشاب الذي خطف أنظار العالم أجمع عند عامه الـ18، يبدو أنه يطمح لترك بصمة أكبر من التي تركها والده مع الفريق الإنجليزي.. لذلك شرع في تحدٍ جديد يسعى من خلاله لتسطير اسمه في تاريخ النادي.
عزيزي القارئ إذا كنت من عشاق مسلسل “الفايكينج” ربما يكون “بيورن” إحدى الشخصيات التي وقعت في حبها. ليس فقط لكونه الابن الأكبر لراجنار ولاجيرثا. إنما أيضا لأنه شاب مندفع لا يفكر مرتين قبل أن يأخذ قراره؛ يدافع باستماتة عن معتقداته وإخوانه ووالدته. كما أنه محارب فذ يفرض سيطرته على أرض المعركة حاصدًا أرواح أعدائه دون كلل أو ملل.
وإذا كنت مشجعًا كرويًا، فلربما تلاحظ تشابه ملامح الشكل بين “بيورن” و”هالاند”. ليس ذلك فقط، بل هناك أوجه تشابه شخصية أيضا. فذلك الأخير يفرض مهاراته على أرضية الملعب ولا يعرف شيئا سوى تسجيل الأهداف. كما يتوقع الجميع أن يكون بطل منتخب بلاده خلال الأعوام المقبلة.
اقرأ أيضا.. 3 أسباب وراء استبعاد نجم برشلونة من منتخب إسبانيا
بزوغ مقاتل الفايكينج والهداف هالاند
بزغ اسم بيورن أيرونسايد منذ نعومة أظافره، فأصبح أحد المقاتلين في ريعان شبابه ليدافع رفقة والده عن «كاتيجات» مسقط رأسه. ويشارك في حروب الفايكينج على أوروبا؛ ليصبح قائدًا صغيرًا تحت إمرة راجنار الأسطوري، بعدما أثبت قدراته القتالية في العديد من المعارك.
وساعدت ظروف معيشة الفايكينج على تشكيل شخصية بيورن؛ حيث كان جميع من حوله من المقاتلين والمحاربين الذين يخوضون المعارك باستمرار، بجانب عملهم بالزراعة.. وهو ما يشبه كثيرًا شخصية هالاند التي تشكلت في فريق “بريني”؛ أول نادٍ يلعب في صفوفه اللاعب النرويجي. يقول ألف إنجف بيرنستين، أول مدرب يقود هالاند: «في بريني، نحن لا نتحدث كثيرًا، ولكن نعمل في قرية صغيرة تضم 12 ألف شخص.. كانت الأوضاع وعِرة للغاية قبل 150 أو 200 عام، المزارعون كانوا يستيقظون في الصباح ويعملون حتى يحل الظلام». ويضيف: «لذلك عندما كنت تعمل من 10 إلى 13 ساعة تشعر بإرهاق شديد ثم تذهب للفراش، ليس لديك الوقت للتحدث أو التفاخر بشيء»، كاشفًا عن أن هالاند تحول إلى مثال يحتذى به لأبناء قريته.
ومثلما انحدر بيورن من عائلة مقاتلة؛ إذ يعد والديه «راجنار ولاجيرثا» من أبرز محاربي الفايكنيج، انحدر هالاند أيضًا من عائلة رياضية فوالده -كما ذكرنا- كان لاعب كرة قدم، وكانت والدته لاعبة للرياضة السباعية والتي تشمل ممارسة العديد من ألعاب القوى مثل الوثب والقفز بالزانة والعدو.
الصفات المشتركة بين ملكي النرويج
كانت سرعة اتخاذ القرار دون دراسته جيدًا واللجوء للعنف في أغلب الأحيان، هي أبرز صفات بيورن؛ مما دفع والده لتعليمه المفاهيم الصحيحة للقيادة حتى يكون قائدًا تاريخيًا لمعشر الفايكينج. الأمر الذي يشبه إلى حد ما شخصية هالاند عندما كان في فرق الناشئين، فيقول بيرنستين: “هالاند لم يقبل الخسارة مطلقًا، حققنا في إحدى المرات المركز الثاني في بطولة أقيمت في الدنمارك، لم يكن سعيداً على الإطلاق، إنه يكره الخسارة بشكل كبير”.
بالإضافة لذلك، عرف هالاند كيف يتعامل في بداية ظهوره ومشاركته في مراحل الناشئين وهو ما يكشف عن فطنته برغم صغر سنه. ورد جونسن سالت، أحد زملاء هالاند السابقين في فريق بريني، يوضح: “كان سريعًا للغاية وحجمه صغير. لكنه عرف كيف يتأقلم مع حقيقة أنه أقل بدنيًا من أقرانه. وحينما كنا نلعب مباراة أصدقاء 2000 -أي اللاعبين المولودين في 2000- كان الفريق الذي يلعب له هالاند يفوز 7-0 أو 8-0.. كان أفضل من البقية بكثير”.
انتقام بيورن.. وانتقام هالاند المنتظر
تتوالى الصفات المتشابهة بين المقاتلين؛ إذ نجح بيورن رفقة أشقائه في الانتقام لموت والده راجنار على أيدي أحد ملوك إنجلترا في معركة شارك فيها شعب الفايكينج جميعًا تحت قيادة أيرونسايد، لينتقم للأب ويسطر تاريخًا جديدًا لشعبه في أوروبا.
وأمر مشابه لانتقام بيورن، ينتظر هالاند في مواجهاته القادمة أمام مانشستر يونايتد بحثا عن التشفي في قائد الشياطين الحمر الأسبق روي كين، الذي تدخل على والد هالاند عندما كان يلعب لصفوف “السيتيزنز” تدخلاً عنيفًا، مما زرع كره مانشستر يونايتد لدى هالاند؛ ليصل الأمر إلى أنه كلما ظهر روي كين على شاشة التلفزيون كناقد لكرة القدم، فإنه يضطر لتغيير القناة، وفقًا لموقع “lifebogger”.
ملك ملوك النرويج
على الرغم من أن قيادة شعب الفايكينج لم تكن من أهداف بيورن، لكن الفكرة علقت في أذهانه بعد طلب أحد قادتهم منه أن يكون ملك ملوك النرويج نظرًا لشجاعته وشهرته الكبيرة بين أواسط الفايكينج؛ حيث تم تحديد موعد لانتخاب ملك للنرويج بأكلمها للمرة الأولى في التاريخ ليتحد الفايكنيج تحت تاج ملك واحد بدلا من الفرقة التي عاشوها لسنين طويلة. ولكن برغم أحقيته، تحالف بعض كارهي بيورن ضده وتمت عملية الانتخاب على عكس المتوقع ليختار الملوك شخصًا آخر؛ مما أشعل فتيل الفتنة بين الملك الفائز في الانتخابات وبيورن.
وبعد مرور فترة زمنية قصيرة، دخل الفايكينج حربًا شرسة مع الروس. وبالرغم من وجود ملك منتخب، إلا أن الفايكينج تجمعوا تحت راية بيرون الذي قادهم لفوز ساحق على الجيوش الجرارة للروس، وأجبرهم على العودة مرة أخرى من حيث جاءوا. ولكن في النهاية راح ضحية الحرب؛ قبل أن يخرج من الباب الكبير ليصبح “ملك ملوك النرويج غير المتوج”. ويلقى نهاية رائعة لمسيرة مقاتل سطّر تاريخًا كبيرًا خلال حياته.. وتحققت نبوءة “عراف الفايكينج” بأنه سيكون أكثر شهرة من والده عبر التاريخ.
بعد قرون وفي ملاعب الكرة النابضة بالحياة، ينتظر الشعب النرويجي العودة مرة أخرى لمنصات التتويج؛ واضعًا أمله على موهبة هالاند المتألق في أكبر الدوريات الأوروبية من أجل العودة إلى بطولة كأس العالم وتحقيق ما لم يتم تحقيقه من قبل؛ إذ كانت أكثر فترات نجاح المنتخب الإسكندنافي من عام 1990 إلى عام 1998 بعد التأهل لبطولة كأس العالم عام 1994 والخروج من الدور الأول.
ويسير هالاند (صاحب الـ22 عامًا) على الطريق الصحيح رفقة ناديه ومنتخب بلاده؛ حيث لعب بقميص النرويج 21 مباراة فقط. ولكنه نجح في تسجيل 20 هدفًا وصنع ثلاثة، في مختلف البطولات مع المنتخب الأول. فيما سجل 30 هدفًا مع منتخبات الفئات السنية “أي القائمة على أساس السن”، وسجل 149 هدفًا ,وصنع 37 في 193 لقاء رفقة الأندية التي ارتدى قميصها خلال مسيرته الصغيرة.
فهل يسير هالاند على خطى بيورن ملك ملوك النرويج ويحقق إنجازات لمنتخب بلاده في السنوات المقبلة؟