في عام 2021، صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” مصر كواحدة من أكبر دول العالم التي تسجن الصحفيين. حيث احتلت القاهرة المرتبة 166، بعد ليبيا وغينيا الاستوائية، من بين 180 دولة.

وبحسب المنظمة، فإن نصف وسائل الإعلام في البلاد مملوكة للحكومة أو تابعة لأجهزة سيادية، والباقي مملوك لرجال أعمال موالين للنظام. بينما تم حجب المواقع الصحفية المستقلة القليلة التي لا تزال تعمل، والقبض على أصحابها ومحرريها، ثم الإفراج عنهم بعد فترة وجيزة، كما حدث لموقعي “مدى مصر” و”المنصة”.

يحاول تحليل الطاولة الهوائية/ Airtable الذي تم إجراؤه في هذا المشروع أن يعكس الوضع حول تكنولوجيا المراقبة

مؤخرا، صدر عن برنامج Unfreedom Monitor بحثا جديدا حول “الاستبداد الرقمي في مصر”. عكس فيه وضع تكنولوجيا المراقبة، من خلال المحتوى عبر الإنترنت خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار إلى الحكومة المصرية “لديها هدفًا متكررًا، يتمثل في تقييد حرية المساحات على الإنترنت، وحظر أي رواية موازية للسرد الرسمي”.

وأشار البحث الصادر ضمن مبادرة بحثية لـ Global Voices Advox، والتي تبحث في الظاهرة المتنامية للاستبداد الرقمي. أنه “لطالما كانت للأنظمة علاقة معقدة مع وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات”. حيث يحاول تحليل الطاولة الهوائية/ Airtable الذي تم إجراؤه في هذا المشروع، أن يعكس الوضع حول تكنولوجيا المراقبة، من خلال المحتوى عبر الإنترنت خلال السنوات القليلة الماضية.

اقرأ أيضا: ناصر أمين في ويبينار “مصر 360”: تمديد الحبس الاحتياطي إجراء قضائي ملوث

يقول القائمين على البحث: يمكننا أن نرى هدفًا متكررًا، يتمثل في تقييد حرية المساحات على الإنترنت، وحظر أي رواية موازية للسرد الرسمي. ويمكن ملاحظة ذلك في أوامر النائب العام بإنشاء وحدة لرصد ومراقبة منصات وأنشطة وسائل التواصل الاجتماعي. خلافًا للمواد الدستورية التي تحمي خصوصية الناس، وحقهم في حرية التعبير.

لقراءة البحث كاملا اضغط هنا 

ذرائع “الأمن القومي” و”قيم الأسرة”

يُشير البحث إلى أنه وفق التقارير الحقوقية منذ عام 2014، فقد “تم حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني في مصر، وتم اعتقال أكثر من 100 صحفي. وقد أدى اعتماد لوائح جديدة، مثل قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجرائم الإلكترونية، وإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. إلى إلغاء حرية التعبير. وإغلاق الطريق أمام الصحافة الحرة”.

وأضاف: أثرّت هذه القوانين واللوائح الجديدة على عمل الصحفيين. الذين صاروا معرضين لخطر اتهامات مثل الانتماء إلى جماعة إرهابية، أو نشر أخبار كاذبة.

وتابع: بالنسبة للمجتمع الدولي، تنفي مصر حبس الصحفيين بسبب عملهم. وهذا صحيح إلى حد ما، لأن الأمن المصري يحاكم ويسجن الصحفيين بتهم أخرى، مثل الانتماء لجماعات إرهابية. دون ربطها مباشرة بعملهم الصحفي.

وأوضح القائمون على البحث أنه “من خلال مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف السلطات النشطاء أو المعارضين. وأي أنشطة يمكن أن تجذب انتباه الجمهور، أو تعتبر خارج الإطار التقليدي لمصر. مثل ما حدث مع بعض المؤثرين على موقع TikTok”. في إشارة إلى الحكم على الفتاة حنين حسام بتهمة الإتجار بالبشر.

ولفت إلى أنه “يمكن أن يتناسب كل شيء تقريبًا مع “الأمن القومي” و “القيم العائلية”. بدءًا من محاكمة ضحية عنف جنسي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لإخبار قصتها بدلاً من حمايتها، إلى حظر مواقع الويب الشيعية، واستدعاء مستخدمي YouTube”.

وأشار البحث إلى أنه “من الصعب تقدير إنفاق الحكومة المصرية على استيراد ونشر تكنولوجيا المراقبة. حتى مع إعلان الحكومة عن تركيب كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، وتقنية التعرف على الوجه. جاء هذا البيان والأخبار دون توضيح أي إجراء للخصوصية أو تنظيم لاستخدامها”.

وذكر أحد التقارير الواردة في التحليل أنه “بعد أن أعلن مصدر رسمي عن استخدام كاميرات التعرف على الوجه، في الشوارع ومحطات المترو. تراجعوا ورفضوا التعليق. يمكن تفسير هذا الإجراء في ضوء القلق من أن هذا البيان قد يثير قلق مجتمع حقوق الإنسان العالمي، بشأن استخدام المصريين لهذه التكنولوجيا”.

نفوذ الولايات المتحدة

يشير البحث إلى أن الولايات المتحدة “لها تأثير قوي على الشؤون السياسية والداخلية المصرية، رغم تعرض هذه العلاقة لعدد من المطبات والتقلبات”. بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين وعزل الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013. حيث عارض الرئيس الأمريكي -آنذاك- باراك أوباما القرار المصري، وقام بإيقاف عدد من المساعدات العسكرية والاقتصادية “بسبب تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر”.

لكن، عند تولي الرئيس السابق دونالد ترامب، عادت العلاقات للتحسن بين القاهرة وواشنطن “ففي الأيام الأولى للرئيس ترامب، أطلقت السلطات المصرية سراح الناشطة آية حجازي وزوجها. وتم السماح لهما بالسفر إلى الولايات المتحدة.

يقول البحث: على الرغم من المطالب المستمرة من إدارة أوباما بالإفراج عن آية. رفضت السلطات ذلك، واستنكرت هذه الدعوات، واعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية، مع تجاهل مبدأ سيادة القانون. وتفاخر ترامب فيما بعد بدوره في الإفراج عن حجازي، قائلاً إنه طلب السماح لها بالمغادرة، واستجابت مصر، بينما كانت إدارة أوباما تعمل على هذا لمدة ثلاث سنوات، لكنهم فشلوا.

وأضاف: على الرغم من وعود جو بايدن خلال حملته الرئاسية بإنهاء سياسات دونالد ترامب. وافقت الإدارة الحالية على “علاقة حب” مع السيسي، وأفرجت عن حزمة مساعدات عسكرية لمصر تزيد قيمتها عن 1.1 مليار دولار. وبدلاً من الاحتفاظ بمبلغ 300 مليون دولار، تم تجميد 130 مليون دولار فقط. على شرط أن تتحسن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

الأمن المصري يحاكم ويسجن الصحفيين بتهم أخرى مثل الانتماء لجماعات إرهابية

اقرأ أيضا: هل تلعب قمة المناخ دورا في تخفيف القيود عن المجتمع المدني؟

ممارسات الاستبداد الرقمي

في مارس/ أذار 2011، نشر ناشطان مصريان وثيقة، تم العثور عليها في مبنى أمن الدولة الذي اقتحمه المتظاهرون. تفيد بأن شركة بريطانية “عرضت بيع برمجيات خدمات أمنية للمصريين، يمكن أن تصيب أجهزة الكمبيوتر، وتخترق البريد الإلكتروني واتصالات الويب”.

وفي عام 2013، تم فرض الرقابة والمراقبة والسيطرة على المساحات على الإنترنت. وبلغ عدد الصحفيين المعتقلين بسبب عملهم 65 صحفيا

وفي عام 2015، أصدر الرئيس السيسي قرارًا بالموافقة على قانون مكافحة الإرهاب. والذي يمنح المدعي العام الحق في حجب أي موقع يمكن أن تحث على ارتكاب جرائم، مثل التحريض على العنف أو نشر رسائل إرهابية. وبموجب هذا القانون، يحق للنيابة العامة مراقبة وتسجيل جميع أشكال الاتصالات، من الاجتماعات الخاصة إلى أنشطة الإنترنت.

بعد فترة وجيزة من صدور هذا القانون حُكم على العديد من الصحفيين بالسجن بسبب قيامهم بعملهم. بزعم “نشر أخبار كاذبة”. وتمت مقاضاة إعلاميين واستدعائهم للتحقيقات المتعلقة ببرامجهم ومقالاتهم.

يقول البحث: لتقييد وتقليل تأثير فيسبوك/ Facebook، ضغطت الحكومة فإن لمنع وصول المصريين إلى Free Basics. وهو موقع فيسبوك بدون مزود خدمة الإنترنت، والذي يسمح لمستخدمي شبكة الهاتف المحمول التابعة لاتصالات بالوصول إلى بعضها عبر مواقع ومنصات انترنت مجانية. “وقد جاءت هذه الخطوة بعد رفض فيسبوك منح الحكومة المصرية القدرة على التجسس على المستخدمين”.

ويضيف: علاوة على ذلك، فإن  يحاول تحليل الطاولة الهوائية/ Airtable الذي تم إجراؤه في هذا المشروع، أن يعكس الوضع حول تكنولوجيا المراقبة. الشاب الذي نشر صورة للسيسي على ميكي ماوس تم الحكم عليه بثلاث سنوات في السجن. ومجموعة من الأولاد المسيحيين نشروا مقاطع فيديو تسخر من داعش. وحكم على مؤيد للسيسي بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “ازدراء الدين الإسلامي”، بعد منشور على فيسبوك ينتقد تقاليد عيد الأضحى.

أخيراً، في عام 2018، وافق البرلمان على قانون الجرائم الإلكترونية. باعتباره أول تشريع ينظم النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، والرقابة على الإنترنت ومنها القرصنة.

انتقادات فارغة

يلفت البحث إلى أنه “لا جدوى من انتقاد المجتمع الدولي للإدارة المصرية لانتهاكها حقوق الإنسان. دون اتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذه الممارسات”.

يقول: نددت دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة بسجل مصر في مجال حقوق الإنسان عدة مرات. ومع ذلك، من ناحية أخرى، استمروا في تزويد نفس النظام بتكنولوجيا مراقبة متقدمة تحت ذريعة “حماية الحدود”. في إشارة إلى “عملية سيرلي”، التي كشف عنها مؤخرا بين السلطات المصرية والفرنسية.

وأضاف: تتمتع فرنسا بعلاقات قوية مع الأجهزة الأمنية المصرية. وتزودها بالتكنولوجيا الذكية المستخدمة لتتبع المعارضين، والتجسس، واعتقال أفراد مجتمع الميم. ورغم أن قوات الأمن قتلت أحد مواطنيها في مصر، إلا أن إيطاليا لم تسحب عقد السلاح الذي أبرمته مع مصر إلا بعد ضغوط من المجتمعين الوطني والدولي.

وتابع: لا لوم على دول مثل الصين أو روسيا أو إسرائيل لتصديرها هذه التكنولوجيا إلى مصر. يجب إلقاء اللوم الحقيقي على الدول التي تروج لنفسها كرواد للحرية وحامية لحقوق الإنسان. في الوقت نفسه، لا يمكنهم التوقف عن تصدير الاستخدام المزدوج لتكنولوجيا المراقبة إلى الدول الاستبدادية من أجل مصلحتها الاقتصادية.