تشير تقارير دولية إلى أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية واضحة، من ضمن مؤشراتها ارتفاع معدلات التضخم والدخول في حالة ركود اقتصادي وتباطؤ في معدلات النمو. وبحسب خبراء عالميين فإن سياسة دعم الإنتاج أحد أهم سبل تفكيك تلك الأزمة.
وضمن سياسة دعم الإنتاجية، تأتي ضرورة التوسع في التشغيل، والحد من الفجوة بين الجنسين خاصة في الشرق الأوسط والتي تظهر المؤشرات ومن ضمنها تقرير الفجوة بين الجنسين لعام 2022، ارتفاع تلك الفجوة على مستوى المشاركة السياسية والاقتصادية، قياسا بباقي مناطق العالم.
اقرأ أيضا.. تصل إلى 40% في الشرق الأوسط.. مؤشر فجوة الأجور بين النساء والرجال
سد الفجوة لحل الأزمة
تقول كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي السابقة، إن الاقتصاد يتحمل تكلفة كبيرة بسبب عدم المساواة في الفرص بين النساء والرجال. إذ تعوق تلك التكلفة الإنتاجية بشكل عام وتفرض عبئا كبيرا على النمو.
كما تكشف دراسة جديدة للصندوق، أن الحواجز التي تحول دون دخول النساء إلى سوق العمل، كالتشوهات الضريبية والتمييز والعوامل الاجتماعية والثقافية، تكلف الاقتصاد مشكلات أكبر بكثير مما كان يُعتَقد في السابق. لذلك وبحسب نفس الدراسة ينبغي لصناع السياسات أن يركزوا على إزالة هذه الحواجز بصورة عاجلة.
كما حذر صندوق النقد الدولي خلال يوليو/تموز 2021 من زيادة الضغوط التي تتحملها النساء ومن ضمنها الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الجائحة. كذلك طالب بوضع موازنة تسجيب لقضايا النوع الاجتماعي، وتتضمن دعم النساء.
في سبتمبر/أيلول الجاري كتبت كريستالينا جورجييفا نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، حول جني ثمار المساواة الاقتصادية للمرأة. كذلك أشارات إلى أن ملايين النساء المحرومات من الفرص الاقتصادية، أمر لا يتنافى مع العدالة فقط بل يتسبب أيضا في إضعاف النمو الاقتصادي. مضيفة أن الأمر ترك آثاره على الجميع.
مكاسب دمج النساء
يحقق دمج النساء في سوق العمل دفعة أكبر للنمو الاقتصادي بشكل عام، نظرا للمهارات الجديدة التي تضيفها النساء إلى مكان العمل. كما يمكنه رفع إجمالي الناتج المحلي بمتوسط 35% حسب دراسة لصندوق النقد الدولي. يأتي ذلك مدفوعا بزيادة العمالة والتنوع الجنساني. كذلك يحقق دمج النساء إنتاجية أعلى، ما يحقق دخول نسبة أعلى للرجال لسوق العمل كما يفيد تقرير الصندوق خاصة في ظل ارتفاع الإنتاجية بالفعل وزيادة الطلب على العمل.
جورجييفا التي شغلت موقع مدير الإدارة الإفريقية في البنك الدولي بين عامي 2008 و2016 قالت إنه يمكن زيادة الناتج الاقتصادي بمتوسط 35% في البلدان الأقل مساواة بين الجنسين بمجرد سد فجوة مشاركة المرأة في سوق العمل.
وفي مارس/آذار 2021 قال صندوق النقد، إن بلدان العالم أقرت قرابة 1000 إجراء على صعيد السياسات لمعالجة التحديات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين. ضمن هذه الإجراءات الإجازات المدفوعة للنساء، وإجراءات حماية الوظائف، وزيادة مرونة العمل، ودعم الدخل/الدعم العيني للأسر الهشة. وبحسب الصندوق تزيد هذه الإجراءات من توظيف المرأة، ما يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي. كذلك طالب الصندوق أن تراعي البلدان قضايا النوع الجتماعي في وضع ميزانياتها العمومية.
ونصحت جورجييفا صناع السياسات باتباع إجراءات اقتصادية كلية تراعي الاعتبارات الجنسانية وتزيد النمو. منها أولا، تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري لدى المرأة. فالمكاسب التي يمكن تحقيقها من توفير فرص متساوية للنساء في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والتعليم تعتبر مكاسب كبيرة.
وأشارت في هذا السياق إلى دعم صندوق النقد تجربة مصر لبرنامج معاش تكافل وكرامة، والذس تضمن التوسع في المساعدات النقدية لتشمل الأمهات المعيلات ذوات الدخل المنخفض. ما ساعدهن على الحفاظ على صحة أطفالهن وإبقائهم في المسار الدراسي.
بينما الحل الثاني هو تمكين المرأة من العمل خارج المنزل أو بدء مشروعاتهن، مما يدعم الإنتاجية والتشغيل. كما يساهم توفير فرص الوصول إلى خدمات رعاية الطفل ذات الجودة والتكلفة المعقولة من فرص انخراط النساء في سوق العمل. فضلا عن أنه يخلق وظائف بصورة مباشرة في قطاع الخدمات، وتظهر تجربة النرويج الارتباط بين توفير الخدمات وعمل النساء.
أما المحور الثالث من سياسات تحفيز النمو تتعلق بمعالجة أشكال التحيّزات. إذ أظهر مسح للبنك الدولي تَساوي الوضع القانوني بين النساء والرجال في 12 بلدا حول العالم فقط. بينما التمييز قائم في 190 بلدا أخرى شملها المسح.
وطبقا لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، يسبب التمييز على أساس جنساني في المؤسسات الاجتماعية، خسائر اقتصادية حول العالم تصل إلى 6 تريليونات دولار أمريكي.
القياديات وتحسن الأداء
تكتسب زيادة تمثيل المرأة في المناصب القيادية أهمية بالغة. إذ يشير تحليل لصندوق النقد إلى أن زيادة وجود المرأة في المؤسسات المالية يرافقه زيادة في الصلابة الاقتصادية. أما في شركات التكنولوجيا المالية وقطاع الشركات، ترتبط زيادة عدد النساء في المناصب القيادية بتحسن الأداء والربحية، على الترتيب.
وبحسب صندوق النقد فإنه مع مرور الوقت، ستؤدي السياسات الاقتصادية الكلية والمالية المراعية للاعتبارات الجنسانية إلى رفع النمو، وزيادة الاستقرار والصلابة الاقتصاديين. كذلك ستؤدي إلى الحد من عدم المساواة في توزيع الدخل، وهو مكسب لا يقتصر على النساء فقط.
ويمكن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل بمعالجة عدم المساواة بين الجنسين في التعليم والرعاية الصحية. بما في ذلك إجازة الأمومة والأبوة الممولة من الدولة وتوفير خدمات موسعة لرعاية الأطفال وكبار السن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين البنية التحتية للنقل والكهرباء والمياه يمكن أن يساعد على زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.