في سبتمبر/أيلول الجاري أعلنت مصلحة سك العملة إصدار عملة معدنية جديدة من فئة الجنيهين للمرة الأولى في تاريخ مصر. وفي البيان الذي صدر عن المصلحة ووزارة المالية فإنه تم التباحث مع دار سك العملة الملكية البريطانية “رويال منت” حول إمكانية إنشاء خط لإنتاج العملات المعدنية بمكونات محلية.
اللافت هنا ليس إصدار فئة جديدة من العملة المعدنية. لكن التعاون والشراكة مع دار سك العملة البريطانية لم يكن هو الأول. إذ تعدّ الدار البريطانية الشريك الأساسي والموّرد للأقراص الخام المعدنية لأغلب العملات المعدنية المستخدمة في مصر.
مصلحة سك العملة أنشئت بالمرسوم الملكي رقم 178 لسنة 1950 الذى أصدره الملك فاروق. وكان أول إنتاج للمصلحة لسك العملات المعدنية عام 1954 بمناسبة مرور عامين على ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
قبل هذا التاريخ بأكثر من 15 عامًا -تحديدًا في يونيو/حزيران عام 2006- طرحت مصر لأول مرة الجنيه المعدني. بالتعاون مع دار السك الملكية البريطانية “رويال منت – Royal Mint”. وبدأت خطة لاستبداله بالجنيه الورقي. حتى ذلك الوقت كانت الحكومة تُصدر 4 فئات من العملات المعدنية هي: 1 قرش- 5 قروش- 10 قروش- 20 قرشًا- 25 قرشًا.
وكانت تستورد مصر الأقراص المعدنية بشكل خام لثلاث فئات من دار السك البريطانية الملكية ما عدا فئتي 1 قرش و20 قرشا. وذلك حسب اتفاق تم توقيعه خلال فترة الثمانينيات. على أن يُعاد نقش تلك الأقراص المعدنية في مصلحة سك العملة في مصر.
جزء من تقرير البنك المركزي عام 2006
وبعد طرح العملة المعدنية الجديدة من فئة 1 جنيه و50 قرشا معدنيًا اتفقت الحكومة على استيراد الأقراص المعدنية أيضًا من دار السك البريطانية.
ووفقًا للاتفاق الذي جرى توقيعه في منتصف الألفية قبل أن تتحول دار السك الملكية إلى شركة محدودة اتفقت الدار على توريد أكثر من 4 مليارات قرص معدني خام سنويًا في إطار برنامجها لإعادة العملة بهدف استبدال الجنيه المعدني بدلاً من الورقي. وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.
ووفقًا للصحيفة فإن مصر كانت ثاني أكبر عميل لدار السك البريطانية. وتُسهم في أرباح دار السك بمبالغ كبيرة لم تُحددها. وبحثنا في التقارير السنوية عن حجم الأرباح أو العوائد من مصر. لكنها كانت تُذكر كجملة من الأرباح التي تُحققها دار السك من صادراتها للدول خارج المملكة المتحدة.
الأقراص المعدنية المستوردة حاليًا تتكون من الصلب فيما يتم طلاء بعض الأجزاء من الجنيه من النحاس أو الفضة وذلك منذ عام 2007.
وحتى عام 2011 كانت دار السك متعاقدة على توريد الأقراص المعدنية لـ4 فئات من العملة المعدنية هي “5- 10- 50 قرشا” إضافة للجنيه. وفقًا لصحيفة الجارديان.
وفي العام نفسه صرح آدم لورانس -رئيس دار السك الملكية وقتها- بأننا “عملنا مع دار سك العملة المصرية لسنوات عديدة”.
وكانت الحكومة المصرية تُجدد المعروض من العملات المعدنية ويتم تصنيع الكثير من العملة الجديدة في دار سك العملة الملكية. والتي وظفت عمالاً بشكل أكبر في مقرها بـ”لانتريسانت” قرب مدينة كارديف في ويلز.
متوسط زيادة الجنيه المعدني
وتكشف مراجعات أجريناها على التقارير الشهرية التي يُصدرها البنك المركزي المصري أنه قبل عام 2006 كان حجم الفئات المعدنية المتداولة تتراوح بين 170 مليونا و187 مليون جنيه من فئات “1 قرش–10 قروش– 20 قرشا– 25 قرشا”.
وبعد يونيو/حزيران 2006 ارتفع معدل النقد المتداول من العملات المعدنية بقيمة 10 ملايين جنيه مع سك فئتين جديدتين هما 50 قرشًا وواحد جنيه.
وفي يونيو 2007 ارتفع حجم المتداول من العملات المعدنية بقيمة 23 مليون جنيه بعدما ارتفع حجم النقد إلى 220 مليون جنيه. وفقًا للتقارير الشهرية الصادرة عن البنك المركزي.
لماذا نستورد الأقراص المعدنية؟
يُوضح رئيس مصلحة سك العملة السابق اللواء عبد الرؤوف الأحمدي أن ماكينات صناعة القرص المعدني مكلفة جدًا. لذا يتم استيراده من الخارج. وذلك في حوار أجراه عام 2018. مضيفًا أنهم يقومون بخطة لتطوير المصلحة تقضي بدراسة صناعة وإنتاج القرص المعدني داخل المصلحة.
وحينها ذكر الأحمدي أن ماكينات سك العملة تقوم بسك نحو 750 عملة معدنية في الدقيقة. وأنهم يوفرون نحو 250 ألف جنيه من الفكة لمترو الأنفاق. وأن هناك خطة سنوية للمصلحة وأخرى كل 3 سنوات يتم العمل بها وفقًا لما يتم التنسيق به مع البنك المركزي.
لماذا زادت مصروفات مصلحة سك العملة 200%؟
منذ إنشاء مصلحة سك العملة في أوائل خمسينيات القرن الماضي وهي لها موازنة مستقلة. واستمر الأمر على هذا النحو حتى عام 2020. حين تم ضم مصلحة سك العملة ومصلحة الخزانة بقرار من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مصلحة واحدة باسم مصلحة الخزانة العامة وسك العملة.
كان إجمالي مصروفات مصلحة سك العملة في بداية إصدار الجنيه المعدني عام 2006 نحو 27.5 مليون جنيه. تضاعفت مرتين بعد ثلاث سنوات. ثم بدأت مصروفاتها في الانخفاض عما سجلته في عام 2009/2010 بنسب تتراوح بين 28.3% عام 2012 وبنسبة 19.1% عام 2014 وبنسبة 12% عام 2016.
لكن هذا الأمر اختلف كليًا مع موازنة العام المالي 2017/2018. إذ زادت مصروفات المصلحة بقيمة 116.9 مليون جنيه وبنسبة 206% عما كانت عليه في عام 2010.
وبحسب مراجعات لموازنة مصلحة سك العملة في العام المالي 2017/2018 تبين أن أسباب تلك القفزة الضخمة في المصروفات هي ارتفاع بند شراء السلع والخدمات بنحو الضعف تقريبًا. إذ بلغ في موازنة 2017/2018 نحو 97.6 مليون جنيه. مقابل 46 مليون جنيه في موازنة 2016/2017.
عودة الجنيه الورقي
ويرجع ذلك إلى زيادة تكلفة استيراد الأقراص المعدنية من الخارج بعدما أقرت الحكومة خطة الإصلاح الاقتصادي في موازنة عام 2016/2017. والتي تم خلالها تحرير سعر صرف الجنيه. ما تسبب في انخفاض قيمته أمام الدولار بأكثر من 70%. إذ تراجع سعره من 8.7 جنيه إلى نحو 18.5 جنيه لكل دولار. قبل أن يتراجع في الأعوام التالية بنسب طفيفة.
كما ارتفع بند الاستثمارات في موازنة مصلحة سك العملة بنسبة 150%. وذلك من 12.8 مليون جنيه في موازنة 2016/2017 إلى 32 مليون جنيه في موازنة 2017/2018. وذلك رغم تراجع بند الأجور للعاملين في المصلحة من 35.2 مليون جنيه في موازنة 2016/2017 إلى 34.4 مليون جنيه في موازنة عام 2017/2018.
خلال هذه الفترة وبسبب التوسع في عملية طباعة وإصدار النقود أيضًا أعاد محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر طباعة الجنيه الورقي مرة أخرى. بعدما كانت عملية طباعته توقفت تقريبًا منذ عام 2011 حيث تم الأمر في منتصف عام 2016.
في النهاية صدرت طبعة جديدة من الجنيه الورقي بتوقيع محافظ البنك المركزي المصري ليشارك الجنيه المعدني حركة التداول في الأسواق بعد نحو 5 سنوات أمضاها الجنيه المعدني منفردًا على الساحة.
وبحسب تقارير كانت تبلغ تكلفة إصدار الجنيه المعدني في ذلك الوقت نحو 75% من قيمة العملة. بينما لا تتجاوز 50% بالنسبة للجنيه الورقي.