تعتمد تونس منذ الثمانينيات على أداء القطاعين الزراعي والسياحي في النمو الاقتصادي. ما جعها من أكثر اقتصاديات المنطقة تأثرًا بحرب روسيا وأوكرانيا، اللتين تمدان الاقتصاد المحلي بالسائحين والأسمدة، على حد سواء. وبلغ العجز التجاري لتونس 5.32 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022. ذلك بزيادة ‏قدرها 61%، مقارنة بـ 10.48 مليار دينار حققها في الفترة ذاتها من العام السابق. بينما تعاني البلاد حاليًا، نقصًا في غالبية السلع الأساسية. وقبل شهور تظاهر عشرات من عمال الشركة التونسية للمشروبات الغازية بعد وقف عملهم لتعطل الإنتاج بسبب نقص السكر.

الطاقة والحبوب

كما تضاعف العجز في ميزان الطاقة إلى 6 مليارات دينار خلال العام الجاري ‏مقارنة بنحو 2.9 مليار دولار العام الماضي. بينما تتوقع وزارة الطاقة التونسية أن تصل فاتورة تكلفة شرائها الغاز الطبيعي المحلي والأجنبي إلى نحو 2.6 مليار دولار في 2022، مقارنة مع 1.5 مليار العام الماضي.

خلال النصف الأول من 2022 تراجع عجز الميزانية في تونس بنحو 75% إلى 148 مليون دولار مقابل 597 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب النتائج الأولية لميزانية الدولة الصادرة عن وزارة المالية التونسية.

لكن الموازنة التونسية تلقت منحًا وهبات قدرها 813.4 مليون دينار خلال النصف الأول من العام الحالي. ما كان سببًا في تراجع عجز الموازنة الذي يتوقع أن يسجل 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022.

الحرب الروسية

تكمن مشكلة تونس في حجم الاستيراد الكبير من روسيا وأوكرانيا، إذ نحو 70% من واردات قمحها تأتي منهما، وبعد نشوب الحرب، ارتفعت الأسعار بصورة قياسية، وحدثت أزمة في الخبز المدعم ببعض المناطق، وأغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب عدم توافره.

الأمر يتكرر مع ملف الوقود، إذ رفعت البلاد أسعار الوقود أربع مرات العام خلال التالي. كما زادت الحكومة في سبتمبر/ أيلول الحالي سعر أسطوانات البوتاجاز 14% لأول مرة منذ 12 عامًا.

كما قفزت تكاليف المواد الغذائية بنسبة 13% في أعلى مستوى على الإطلاق، خاصة الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان التي قفزت بنسبة 34%.

بحسب البنك المركزي التونسي، فإن إرتفاع الدولار والنفط تطلب احتياجات تمويلية إضافية حجمها 1.6 مليار دولار. وتراجع سعر صرف الدينار التونس أمام الدولار العام الحالي، ليبلغ مستوى 3.18 للدولار في انخفاض تتجاوز نسبته 13%.

أمام تلك المشكلات، خفضت وكالة التصنيف الائتماني فيتش، تصنيف ديون تونس السيادية إلى (CCC) من (B-). ما يزيد التحديات والأعباء على الحكومة حال رغبتها في الاقتراض. خاصة أن العجز في الموازنة 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغت نسبة الديون إلى الناتج الاقتصادي إلى 84%.

التقشف وتخفيض الدعم

فكرة خفض الإنفاق والدعم الحكومي لها  حساسية بتونس، بسبب ذكرى انتفاضة الثمانينيات، حينما اتخذت حكومة محمد مزالي، بضغط من صندوق النقد الدول، خفض الدعم على الحبوب. وهو الدعم الذي يشكل 10% من الموازنة العامة للدولة، وارتفع ​​سعر الخبز على الفور من 80 إلى 170 مليمًا.

يبلغ الحد الأدنى للأجور في تونس نحو 450 دينارًا، بينما لا تقل الاحتياجات المعيشية الشهرية لأسرة مكونة من شخصين عن 2200 دينار، وفق دراسة أعدها مكتب منظمة “فريدريش ايبيرت” في تونس.

ترى الحكومة، حاليًا، الملاذ الأخير في صندوق النقد الدولي. لكنها تواجه ممانعة داخلية متمثلة في الاتحاد العام للشغل الذي ينتقد الإصلاحات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي التي اقترحتها الحكومة.

ويرفض الاتحاد العام للشغل خفض الدعم، وتجميد أجور القطاع العام وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، معتبرًا أنها ستزيد من معاناة التونسيين، وتؤدي إلى انهيار اجتماعي وشيك. لكن الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل وقعا اتفاقًا أخيرًا لزيادة الأجور في القطاع العام من أجل الوصول لتفاهمات تتعلق بموقف  الأخير من التفاوض مع الصندوق.

الاتفاق مع صندوق النقد

لكن الخبراء المحليين يرون أن الصندوق ينتظر إجراءات أخرى لامتصاص ديون المؤسسات الحكومية. خاصة شركتي الكهرباء والغاز” و”تكرير النفط” وديون الأولى وحدها 12.9 مليار دينار بينها  ديون مصرفية بـ8.7 مليار دينار.

يحذر بنك “مورجان ستانلي” من أن تونس تتجه نحو التخلف عن سداد ديونها، حال استمرار التدهور الحالي بماليتها العامة، مرجحا حدوث ذلك العام القادم ما لم تتوصل البلاد إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي واجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق.

الحراك الشعبي يعود لتونس

لكن حتى إقرار الاتفاق مع الصندوق، يبقي القلق الأكبر للحكومة هو الحراك الشعبي. إذ خرج متظاهرون إلى الشارع في حي دوار هيشر بضواحي العاصمة احتجاجًا على ارتفاع الأسعار واختفاء سلع غذائية من المتاجر، خاصة السكر.

ودعا الحزب “الدستوري الحر”، إلى تنظيم مسيرة وطنية شعبية بالعاصمة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 احتجاجًا على ما أسماه بسياسة التجويع وعجز الحكومة القائمة على توفير المواد الأساسية وفشلها في التحكم في غلاء الأسعار الجنوني. ما أدى إلى انهيار المقدرة الشرائية للمواطنين.