أشعلت نساء في إيران النار بأغطية رؤوسهن خلال مظاهرات كثيفة غطت شوارع البلاد وكأنها مستهدفة رؤوس السلطة الدينية. وذلك ضمن احتجاجات موسعة على مقتل مهسا أميني -فتاة كردية الأصل 22 عاما- في 16 من الشهر الجاري بعد اتهامها من قبل ما يسمى “شرطة الأخلاق” بـ”مخالفة قواعد ارتداء الزي الإسلامي المناسب”.

في السادسة مساء يوم 13 سبتمبر/أيلول الجاري اعتقلت دورية شرطة مهسا أميني قرب محطة مترو “الشهيد حقاني” في طهران. وكانت برفقة أخيها واتهمتها الشرطة بارتداء “الحجاب السيئ”. وهو مصطلح تستخدمه إيران لاعتقال أي امرأة لا تلتزم بالهيئة التي حددتها السلطات هناك.

وفور إعلان وفاة الفتاة اندلعت مظاهرات تزعمتها النساء ضد فرض الحجاب الإلزامي في مناطق عدة بإيران. منها إقليم كردستان وطهران. بالإضافة إلى مدن مثل رشت وأصفهان وقم -إحدى أكثر مدن إيران تشددا دينيا.

كانت النساء في طليعة هذه التظاهرات حيث حلقن شعر رؤوسهن وحرقن الحجاب في تحدٍّ لقانون الحجاب الصارم وتطبيقه الوحشي الذي أدى إلى اعتقال “أميني” ومقتلها. فيما يعتقد البعض أنها علامة على القوة والزخم المتنامي لحركة حقوق المرأة الإيرانية.

وفي تطور لاحق انضم أساتذة جامعات لحراك المرأة في الشارع الإيراني. ومنهم ليلى كله داران -عضوة هيئة التدريس بكلية الدراما بجامعة شيراز للفنون- والتي استقالت من منصبها بنشرها خطابًا يدعم احتجاجات الشعب والطلاب.

مظاهرات حقوق المرأة تشتعل في إيران
مظاهرات حقوق المرأة تشتعل في إيران

قمع واعتقال الناشطات

مع حكومة الرئيس الأسبق أحمدي نجاد تدهور وضع المرأة الإيرانية بشكل كبير. ومع “برنامج الأمان الاجتماعي” الذي شرعته السلطات سمح للسلطات بشكل تعسفي بمضايقة النساء لعدم ارتدائهن “الزي الإسلامي المناسب”.

وتم إصدار “قانون حماية الأسرة” الذي من شأنه أن يضر برفاهية المرأة وحقوقها بشكل أكبر من خلال السماح بتعدد الزوجات. وبالزواج المؤقت والزواج في سن الثالثة عشرة فقط. وغير ذلك من التدابير المصادرة لحقوق المرأة. علاوة على ذلك تم إدخال نظام الحصص لمنح الذكور ميزة غير عادلة في الحصول على القبول في نظام التعليم العالي.

وتعرضت المدافعات عن حقوق المرأة في إيران للضرب والمضايقة والاضطهاد لممارستهم حقهم في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير من أجل المظاهرات السلمية. وجمع التوقيعات باسم “حملة المليون توقيع” لإزالة التمييز القانوني ضد المرأة في القوانين الإيرانية. فضلا عن كتابة المقالات ونشرها وعقد الاجتماعات وللسفر بغرض الاتصال بأقرانهم في الخارج.

وقد اتُهم المدافعون والمدافعات عن حقوق المرأة في إيران بارتكاب “أعمال ضد الأمن القومي” وغيرها من الجرائم الغامضة و/أو غير المعقولة. وقد أُدين العديد منهم وحُكم عليهم بالسجن والجلد وأحكام مع وقف التنفيذ تهدف على ما يبدو لإبقائهم في حالة من العزلة والخوف. وبالتالي قمع المزيد من الأنشطة التي تستهدف الدفاع عن حقوق الإنسان.

ترهيب للأنشطة السلمية

مظاهرات تندد بمقتل مهسا أميني
مظاهرات تندد بمقتل مهسا أميني

وقد اعتبر الناشطون بإيران أن هذه المحاكمات الممنهجة والأحكام القاسية قد صدرت دون أي دليل أو اتباع لإجراءات قانونية واجبة. حيث أصبحت المحاكم وسيلة لترهيب حركة حقوق المرأة لوضع حد لأنشطتها السلمية.

كانت حركة حقوق المرأة هي أكثر حملات حقوق الإنسان انتشارًا وحيوية وتنظيمًا في إيران. في ظل حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي. وتم تشجيع المجتمع المدني ودعمه. كما تم إنشاء أكثر من 600 منظمة غير حكومية لتعزيز وتشجيع احترام حقوق المرأة وتنفيذها.

وقد بدأت حركة حقوق المرأة النضال من أجل المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في الزواج، والتعويض المتساوي عن الإصابات، والوفاة نتيجة حادث، وحقوق الميراث المتساوية، ومحاكمة مرتكبي ما يسمى جرائم الشرف للمساواة في الوصول إلى المحاكم والمعاملة فيها، وضد عقوبة الإعدام رجما في قضايا الزنا.

وفي 2013 حذر خمسة خبراء حقوقيين تابعين للأمم المتحدة في بيان من أن إيران تنتهك القانون الدولي بشكل خطير باستمرارها في التمييز ضد المرشحات للرئاسة والقمع المستمر للصحافة. فضلاً عن انتهاكاتها حرية تكوين الجمعيات والتجمع.

ورحبت بذلك منظمات حقوق الإنسان في إيران وطالبت السلطات الإيرانية بالالتزام بالقانون الدولي والإفراج عن جميع الصحفيين وسجناء الرأي.[1]

تدهو أوضاع المرأة

مظاهرات إيران أبعد من معركة الحجاب
مظاهرات إيران أبعد من معركة الحجاب

منذ أن تولى الرئيس السابق حسن روحاني منصبه في أغسطس/آب 2013 ورغم إطلاق سراح العشرات من سجينات الرأي بسجون إيران في بداية فترته فإن تدهور وضع النساء كان لافتا نتيجة زيادة ملحوظة في سياسات الدولة من قبل المتشددين في الحكومة. والذين ينتهكون بشكل مباشر الحقوق الأساسية للمرأة الإيرانية.

وقد ركز هؤلاء المتشددون الذين يسيطرون على البرلمان وينخرطون في الفروع الأمنية والاستخباراتية والقضائية للحكومة بشكل خاص على مسألتين تتعلقان بالمرأة: الالتزام بالحجاب “المناسب” (الزي الإسلامي). وخدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للمرأة.

ولذلك أصدر عدد من النشطاء المدنيين بيانا اعترضوا فيه على “الخطة الشاملة للتميز السكاني والأسري”. التي أدرجت في جدول أعمال البرلمان الإيراني. والتي من شأنها وضع قيود لا داعي لها على فرص العمل والتعليم للمرأة. وتحديداً في الأجزاء المتعلقة بالقيود الجديدة على استخدام وسائل منع الحمل. كما يشير إلى الخطة كإجراء يهدف إلى زيادة تقييد النساء -خاصة غير المتزوجات- ومنعهم عن الوصول إلى فرص عمل وتعليم. حيث تم تخصيص 16 من أصل 2284 وظيفة معلنة فقط كوظائف للنساء.

“مياه النار” على وجوه النساء

أزمة غطاء الرأس وحقوق المرأة في إيران
أزمة غطاء الرأس وحقوق المرأة في إيران

ومع استمرار فترة حكم روحاني بدأت سلسلة هجمات عنيفة على نساء إيران. حيث ألقى جناة مجهولون مادة حارقة على وجوه النساء في مدينة أصفهان بسبب حجابهن “غير اللائق”. وقد دعا نشطاء حقوق الإنسان في إيران إلى ضرورة تعليق “خطة البرلمان الإيراني لحماية مروجي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فورا. ونتيجة لذلك بدأت حملات قبض واعتقالات جديدة للمدافعات والمدافعين عن حقوق النساء أثناء الاحتجاجات السلمية ضد عناصر “الأمر بالمعروف”.

استمر نضال المرأة الإيرانية لانتزاع حقوقها في العشر سنوات السابقة. واستطاعت في عهد أحمدي نجاد إلغاء لبس “التشادُر” -زي إيراني تقليدي شبيه بالعباءة- للمسجونات والمعتقلات. وقد تحقق ذلك الإنجاز على يد الناشطة شيرين عبادي بعد إضرابها عن الطعام.

وفي 2019 أعلنت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي أنها ستضع مسودة مبادئ توجيهية حول كيفية قيام أعضاء صناعة السينما الإيرانية بتقديم أنفسهم في الأماكن العامة. خاصة النساء منهن. وذلك بعد ظهور الممثلة الإيرانية “ماتين سوتوده” على السجادة الحمراء في العرض الأول لفيلمها “ماخارباز” لارتدائها حجاب يغطي رقبتها وشعرها يظهر حول وجهها وسترة بأكمام طويلة بأزرار مدسوسة في بنطلون بحزام. نتج عنه مثول النجمة البالغة من العمر 34 عامًا أمام محكمة الإرشاد في طهران بعد “طلبات عديدة “من قبل أفراد لم يتم تسميتهم -بحسب مقال نشرته وكالة تسنيم الإخبارية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

القمع يطول مشاهير إنستجرام

لم تسلم مشهورات إنستجرام من حملات القمع على مستوى إيران في 2019. فقد تم استهداف المراهقة فاطمة خيشوند -18 عاما. وقد احتوى حسابها على إنستجرام المتابَع على نطاق واسع صورا لها وهي تضع “مكياج ثقيل” و”أزياء مخيفة ومرعبة” معروفة باسم “زومبي”. ولكنها  تواجه سنوات في السجن لانخراطها في حرية التعبير السلمي على حسابها الشخصي على إنستجرام. وتم توجيه تهمة “الفساد في الأرض” لها. وكذا تهم “التحريض على الفساد عبر تشجيع الشباب على الانخراط في الجنون” و”إهانة المقدسات” و”الاستحواذ على دخل غير مشروع”.

وقبيل الانتخابات البرلمانية في 2020 تم استهداف عشرات الصحفيات “اللاتي ينتقدن سياسات الدولة”. حيث تعرضن لضغوط لاستخدامهن وسائل التواصل الاجتماعي عبر مراقبة حساباتهن. واعتبر المسئولون أن أي شيء يتعارض مع روايتهم الرسمية يعتبر “نشاطًا إجراميًا يستخدم توجيه التهم”.

دعوات ضد الحجاب

وتواجه الناشطة نسرين ستودة حكما بالحبس 12 عاما وتدهورا في صحتها بسبب الدعوة السلمية التي شاركت فيها مع ناشطات وناشطين ضد الحجاب الإلزامي في 2018. وقد حُكم على ما لا يقل عن 12 شخصًا -10 نساء ورجلين- بالسجن في إيران بسبب هذه الدعوة السلمية باتهامات الترويج لـ”الدعارة” أو الانخراط فيها.

وقد دعت الأمم المتحدة السلطات الإيرانية إلى إلغاء الإدانات و”الإفراج الفوري عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تم احتجازهم تعسفيًا بسبب عملهم في الدفاع عن حقوق المرأة. وضمان الاحترام الكامل لحقوق المرأة في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي”.

وفاة أميني بعد احتجازها.. وتجدد المظاهرات في إيران

الكردية الإيرانية مهسا أميني
الإيرانية المغدورة مهسا أميني

كانت “أميني” تزور طهران مع عائلتها حين تم القبض عليها في 13 سبتمبر/أيلول 2022 بسبب حجابها. واقتيدت إلى مركز احتجاز وأخبرت السلطات عائلتها أنها “ستُؤخذ لإعادة التعليم وسيتم إطلاق سراحها لاحقا”.

وفي 15 سبتمبر/أيلول 2022 ظهرت صور على الإنترنت لأميني قيل إنها في غيبوبة. وفي 16 سبتمبر/أيلول 2022 بعد الإعلان طبيًا عن وفاتها اندلعت احتجاجات على نطاق واسع في شوارع طهران وأغلب المدن الإيرانية. وقد استخدم فيها المتظاهرون رجالا ونساء هتافات تندد “بالموت للمرشد الأعلى علي خامنئي” و”الموت للظالم” و”الموت لهذه الديكتاتورية” والموت للديكتاتور. كما رفعت شعارات “لا تجلسي أنتِ المهسا التالية” و”كلنا مهسا قاتلنا وسوف نقاوم”.

وجاء خروج المتظاهرين من النساء والرجال للاحتجاج بعد أيام من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب معاملة السلطات لأميني. مما دفع الحكومة إلى حجب الإنترنت لمنع الناس من إرسال أدلة على فظائع الدولة إلى العالم الخارجي.

وقد ردت الحكومة الإيرانية على هذه التظاهرات بالذخيرة الحية وبنادق الخرطوش والغاز المسيل للدموع. ما أسفر بالفعل عن مقتل العشرات منذ 16 سبتمبر/أيلول الجاري، وتقدر منظمات اإيرانية حقوقية وصول عدد القتلى إلى 76. فيما تتحدث المصادر الرسمية عن عدد يفوق الثلاثين، وتقول أن بينهم رجال شرطة. ولا تزال اعمال الاحتجاجات ممتدة ومنشرة في جميع المحافظات الإيرانية لتدخل أسبوعها الثالث.

ويدعو نشطاء حقوق الإنسان في إيران قادة العالم إلى حث المسئولين الإيرانيين بشكل مباشر وعلني على الكف فوراً عن استخدام العنف وقمع المظاهرات التي لا أحد يعلم نهايتها ومصير النظام الإيراني معها وحيالها.

 

 

[1] مركز حقوق الإنسان في إيران : https://iranhumanrights.org/2013/05/un_women_election/