أعلنت الحكومة أكتوبر/ تشرين الأول المقبل موعدًا لانعقاد المؤتمر الاقتصادي دون يوم محدد لهذا الحدث الذي تمت قبل أسابيع الدعوة لتنظيمه والتوافق على خريطة طريق للتعامل مع التحديات الحالية التي تواجه الاقتصاد المصري. ذلك في وقت لم تتضح بعد ملامح جدول أعمال المؤتمر أو طبيعة الأهداف المرجوة من تنظيمه أو القضايا المزمع مناقشتها فيه.
التصريحات الصادرة من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الحكومة تؤكد إشراك أكبر عدد من الخبراء الاقتصاديين والمختصين. لكنها تعطي رسالتين متناقضتين حول طبيعة الحدث. بتأكيد استهدافه اقتراح سياسات وتدابير تسهم في زيادة تنافسية ومرونة الاقتصاد المصري. والتأكيد في الوقت ذاته أنه فرصة لاستعراض مختلف جهود الدولة في التعامل مع ملفات اقتصادية متنوعة.
يأتي انعقاد المؤتمر في خضم مشكلات معقدة يعاني منها الاقتصاد. في مقدمتها أعباء التزامات سداد الديون والفائدة. في خضم أزمة سعر الصرف الحالية.
فأعباء وأقساط الديون المطلوب سدادها من الحكومة المصرية خلال العام المالي الحالي 2022-2023 تصل إلى 15.5 مليار دولار.
تعويض هروب الأموال
وتعاني مصر منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي من خروج ما يسمى الأموال الساخنة “هي تدفقات مالية من خارج الدولة بغرض الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي معين مثل تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار أو ارتفاع الفائدة” بقيمة بلغت 22 مليار دولار. مع رفع الفائدة في الولايات المتحدة التي جذبت معها الأموال من الأسواق الناشئة ومنها مصر. وضغطت على الاحتياطي النقدي الذي تراجع من مستوى 40.935 مليار دولار في نهاية 2021 إلى 33.1 مليار دولار بتراجع بلغ 7.8 مليار دولار.
وسجل الدين الخارجي لمصر 158 مليار دولار أمريكي مع نهاية الربع الأول من العام الحالي. مقابل 145 مليار دولار بنهاية 2021 بزيادة قدرها 13 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي -وفق بيانات البنك الدولي.
كما تعاني الموازنة العامة المصرية من تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية. فبحسب وزير المالية الدكتور محمد معيط فإن فاتورة الاستيراد كانت منذ 3 سنوات 5 مليارات دولار شهريا. ووصلت إلى 10 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الماضية مع تضاعف الأسعار عالميا -خاصة القمح.
وسجل سعر صرف الجنيه المصري انخفاضا بنسبة تتجاوز 23% أمام الدولار. إذ بدأ سعر صرف الجنيه أمام الدولار العام الحالي عند 16.70 جنيه. ثم هبط إلى 19.50 جنيه. بينما انكمش نشاط القطاع الخاص غير النفطي للشهر رقم 21 على التوالي خلال أغسطس/آب الماضي. كما ارتفع معدل التضخم في مصر خلال أغسطس/آب 2022 إلى 15.3%. بينما بلغ التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية 14.6% لشهر يوليو/تموز 2022 مقابل 6.1% للشهر نفسه من العام السابق.
التداعيات الاجتماعية
يقول عمرو عدلي -الخبير الاقتصادي والباحث في معهد كارنيجي- إن المؤتمر الاقتصادي يجب أن يناقش ثلاثة محاور أساسية.
أولها السياسات المتبعة للتعامل مع الأزمة العالمية. وثانيها المالية العامة. وثالثها السياسات القطاعية. وذلك حتى يتم الوصول إلى إدارة متوسطة الأجل للاقتصاد المحلي. وليس مجرد إجراءات قصيرة الأجل يمكن تغطيتها في جلسة مع مجموعة من الخبراء.
بالنسبة للسياسات المتبعة لإدارة الأزمة عالميا فيمكن التطرق منها لقضايا فرعية مثل مشكلات الغذاء والوقود وارتفاع التضخم ومخاوف الانكماش الاقتصادي وارتفاع مدخلات الإنتاج. مع ضرورة التركيز على الآثار الاجتماعية لتلك المشكلات وملفات الحماية الاجتماعية والدعم -حسب قوله.
وفيما يتعلق بالمالية العامة يشدد “عدلي” على ضرورة التطرق لمسألة تمويل عجز الموازنة العامة للدولة. والمديونية الحكومية وملفات الضرائب.
أما السياسات القطاعية فيجب أن تتناول قضايا الاستيراد وإحلال الواردات والتوازن بين القطاعين التجاري وغير التجاري. وهذه المحاور تنطلق من الأكثر إلحاحًا للأمور الأكثر استراتيجية.
ويقول إن سعر الصرف لا يجب أن يكون بين القضايا التي يتم التركيز عليها بقوة في المؤتمر. لأنها مرتبطة بالتضخم. علاوة على اعتبارها قضية قصيرة الأجل متعلقة بفتح الاعتمادات المستندية. فالمؤتمر يجب أن يكون مساحة نقاش حول خطة متوسطة وطويلة الأجل.
ويرى “عدلي” ضرورة أن يكون المؤتمر مساحة نقاش بين الأطراف المختلفة وخبراء من توجهات متباينة وليس من طيف واحد. وأن يتضمن تقييما للمسار الاقتصادي خلال السنوات السبع الماضية. وأسباب نشوء الأزمة لتوصيف الأمور في نصابها الصحيح قبل طرح حلول للمواجهة.
ورشة عمل للاستثمار
يقول مدحت نافع -الخبير الاقتصادي ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية سابقًا- إنه يجب فهم الأسباب التي دعت لعقد المؤتمر وأهدافه. وذلك لتحديد القضايا التي سيتناولها.
فلو كان الأمر مرتبطا بجذب الاستثمار فلا بد من معرفة أسباب عدم العقد الدوري لمؤتمر شرم الشيخ 2015. رغم الحديث عن تكراره حينها. ولو كان هدف النسخة الحالية جذب الاستثمار فهو أمر يجب مناقشته في ورش عمل تنظمها بنوك الاستثمار وجمعيات رجال الأعمال.
وشهدت مدينة شرم الشيخ في الفترة 13-15 مارس/آذار 2015 مؤتمرا لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية للاقتصاد المصري بعد الفترة الانتقالية. وتم الإعلان عن منح واستثمارات خليجية كبيرة حينها.
ويطالب “نافع” أيضًا بتحديد أوجه الاختلاف بين هدف المؤتمر الاقتصادي. وما يشهده الحوار الوطني حاليًا من نقاشات حول مسائل تتعلق بالرؤية الاقتصادية للدولة والأوضاع الحالية. لتجنب التكرار في طرح المشكلات ذاتها. ويضيف أن الأزمات الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد وواجب مناقشتها هي عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري وملف الدين العام وبدائل الاقتراض. فضلا عن التضخم وتداعيات الأزمات العالمية واضطراب سلاسل التوريد ومشكلات الاستيراد وسعر صرف العملة. معتبرًا أن آليات تنفيذ توصيات المؤتمر مرهونة أساسا بطبيعة المقترحات التي سيتم تقديمها ومدى الابتكار فيها.
التضخم وأسعار الأراضي
الدكتورة عالية المهدي -عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا- تقول إن التضخم المرتفع الذي تجاوز 15٪ أهم مشكلة يعانيها الاقتصاد المحلي حاليًا. وهو أمر يجب مناقشة كيفية نزوله لرقم واحد (أقل من 10٪) كمرحلة أولى. على أن ينزل لما دون 5% في مرحلة لاحقة.
بجانب التخلي عن فكرة استهداف التضخم بسلاح الفائدة التي ثبت أكثر من مرة عدم جدواها في مواجهة ارتفاع الأسعار.
وتطالب “المهدي” بالتخفيف التدريجي من قيود الاستيراد على مدخلات الإنتاج لطمأنة الأسواق. بجانب إزالة معوقات الاستثمار التي في مقدمتها أسعار الأراضي المرتفعة. والتي تمثل شكوى أساسية للمستثمرين. والأفضل منحها بنظام حق الانتفاع مع تسهيلات للاستثمار فيما يتعلق بأسعار الطاقة أيضًا.
وتؤكد أيضًا ضرورة دعم القطاع الخاص لمواجهة البطالة وتعزيز النمو الاقتصادي والإنتاج.
ففي وقت الأزمات الاقتصادية تكون المشكلة الأولى لأي اقتصاد هي البطالة التي تمس إما الداخلين الجدد لسوق العمل أو الذين سبق لهم العمل وعجزوا عن إيجاد فرصة جديدة.
الصناعة وضبط والأسواق
خالد الشافعي- مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية- يطالب بوضع استراتيجية متوسطة الأجل لحل مشكلات الاقتصاد المصري. وليس مسكنات مؤقتة للمشكلات الموجودة حاليًا. مع التركيز على جميع القطاعات الاقتصادية وفتح المجال أمام العاملين فيها لعرض مشكلاتهم بوضوح وصراحة والوصول إلى حلول مبتكرة.
وبحسب “الشافعي” فإن ملف الصناعة يجب أن يفتح بقوة خلال المؤتمر. فرغم تأسيس البنية التحتية لم تحدث انطلاقة تصنيعية تعادلها. وهو الأساس لتحقيق خطة الـ100 مليار دولار صادرات. وإيجاد بدائل لسلاسل التوريد المختنقة منذ الحرب الروسية الأوكرانية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع.
ويضيف أن ملف الاستثمارات يجب التركيز عليه أيضًا لأنه الباب لتحقيق توطين الصناعة. وكذلك ملف السياحة الذي لا يتناسب عائدها مع المقومات المتنوعة للمقصد المحلي. بجانب القطاع العقاري الذي لم يحقق المرجو منه على مستوى تصدير العقار رغم حجم المدن التي تم تدشينها مؤخرا. وكذلك دور الأجهزة الرقابية في ضبط الأسواق ومواجهة المراكز الاحتكارية للتجار.