أعلنت المملكة العربية السعودية، تعيين الأمير محمد بن سلمان رئيسا للوزراء في خطوة قال الخبراء إنها على الأرجح ستحمي ولي العهد من دعوى قضائية قد تلاحقه في الولايات المتحدة تتعلق باتهامه في قضية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.

الثلاثاء الماضي قرر الملك سلمان بن عبدالعزيز تسمية نجله رئيسا للوزراء، ليتنازل العاهل السعودي رسميا عن اللقب المزدوج كملك ورئيس وزراء. إذ كان “سلمان” يجمع بين المنصبين منذ توليه العرش في عام 2015.

اقرأ أيضا.. زيارة بايدن للسعودية.. من خضع للآخر؟

قرار استباقي

لكن من غير المرجح أن يغير هذا التطور ميزان القوى في المملكة، حيث يُنظر بالفعل إلى الأمير الشاب البالغ من العمر 37 عاما على أنه الحاكم الفعلي للبلاد ووريث العرش الوحيد.

منتقدو الحكومة السعودية وبحسب ما قالت جريدة الجارديان البريطانية، اعتبروا توقيت القرار مرتبطا بشكل شبه مؤكد بالموعد النهائي لمحاكمة الأمير الشاب التي يمكن نظرها الأسبوع المقبل في إحدى محاكم الولايات المتحدة. إذ طلب قاضٍ أمريكي من إدارة الرئيس جو بايدن التفكير فيما إذا كان يجب حماية الأمير محمد بالحصانة السيادية في قضية رفعتها خطيبة الصحفي المقتول “خاشقجي” خديجة جنكيز. إذ أنه عادة ما تُمنح هذه الحماية لزعيم عالمي، أو رئيس وزراء بلد ما أو ملك.

وفي يوليو/تموز الماضي سعت الإدارة الأمريكية إلى تأجيل تقديم ردها إلى المحكمة، التي طلبته 1 أغسطس/آب. قبل أن يوافق جون بيتس، قاضي المحكمة الجزئية، على تأجيل الموعد إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول المقبل بعد أيام قليلة من قرار تعيين بن سلمان رئيسا للوزراء. كذلك دعا القاضي الإدارة الأمريكية إلى تحديد ما إذا كانت تعتقد أن الأمير محمد يجب أن يُمنح حصانة بموجب القواعد التي تحمي رؤساء الدول، أم لا.

لا فرق

ولي العهد ورئيس الوزراء لا فرق

عبد الله العودة، مدير ملف الخليج في “Dawn”، وهي مجموعة مؤيدة للديمقراطية مقرها واشنطن، قال “يبدو أن هناك من نصح (الأمير محمد) باتخاذ هذه الخطوة قبل أن يحين موعد رد إدارة بايدن على القاضي بيتس في 3 أكتوبر/تشرين الأول”. مضيفًا أنه “عمليا، أن يصبح بن سلمان رئيسا للوزراء لا يحدث فرقا، وبالتالي الأمر كله متعلق بالمحاكمة المنتظرة”.

من ناحية أخرى لم يعلق البيت الأبيض على الأمر. خاصة أن تقييما استخباراتيا سابقا قال إنه من المحتمل أن الملك المستقبلي للسعودية أمر بقتل خاشقجي بالفعل. رغم نفي الأمير محمد تورطه بشكل شخصي في مقتل خاشقجي خلال أكثر من مناسبة.

كما أنه من المرجح أن يخفف قرار تسمية الأمير محمد كرئيس للوزراء أي مخاوف متبقية في المملكة من احتمال اعتقال ولي العهد أو مواجهة أي تحديات قانونية أثناء سفره إلى الخارج في المستقبل.

الدعوى المدنية

خديجة جنكيز خطيبة الراحل جمال خاشقجي

تزعم الدعوى المدنية ضد الأمير محمد، التي رفعتها خطيبة خاشقجي في المحكمة المحلية الفيدرالية بواشنطن العاصمة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن الأخير ومسئولين سعوديين تصرفوا وفق “مؤامرة ومع سبق الإصرار”. كما اختطف عملاء سعوديون “خاشقجي” وقيدوّه وخدروه وعذبوه. قبل أن يقتلوه في النهاية داخل القنصلية السعودية في اسطنبول التركية عام 2018.

كان خاشقجي، السعودي المتنفذ، الذي فر من المملكة والذي كان يقيم في فرجينيا جنوب شرق الولايات المتحدة، من أشد المنتقدين لولي العهد وكان يسعى بنشاط لمواجهة الدعاية السعودية على الإنترنت في الوقت الذي قُتل فيه.

خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي التركية قالت في تصريح لـ”الجارديان”: “الكفاح من أجل العدالة يجب أن ينجح. ولن أتوقف لمجرد أن محمد بن سلمان منح نفسه لقبا آخر”.

بينما قال منتقدو النظام السعودي، بمن فيهم نشطاء يعيشون في المنفى في الولايات المتحدة وأوروبا، إن حملة ولي العهد على المعارضة اشتدت في الأشهر الأخيرة.

قضية سلمى الشهاب

سلمى الشهاب

من ناحيتها علمت “الجارديان” أن حكومة المملكة المتحدة سعت للتدخل في قضية السعودية سلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه في جامعة ليدز. التي تم اعتقالها واتهامها وإدانتها والحكم عليها بالسجن 34 عاما بعد عودتها من بريطانيا إلى المملكة حيث كانت تقضي عطلتها السنوية. وبموجب القانون السعودي، فإن إدانة “الشهاب” كانت لاستخدام موقع “تويتر” في متابعة تغريدات المعارضين والناشطين أو الإعجاب بها أو إعادة تغريدها.

مصدر طلب عدم ذكر اسمه قال لـ”الجارديان” إن مسئولين في السفارة البريطانية بالعاصمة الرياض أثاروا المخاوف لدى السلطات السعودية بشأن قضية “الشهاب”. وقال المصدر إن طارق أحمد، النائب البريطاني المحافظ، أثار القضية أيضا في اجتماع في 25 أغسطس/آب مع السفير السعودي في المملكة المتحدة.

ومن المنتظر أن تواجه الحكومة البريطانية مزيدا من الضغوط هذا الأسبوع مع الإصدار المتوقع لرسالة من 400 أكاديمي، بما في ذلك موظفين وطلاب باحثين، بشأن ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة في قضية “سلمى الشهاب”.

ضغوط على الحكومة البريطانية

رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس

ومن المنتظر أن تدعو الرسالة، ليز تراس، رئيس الوزراء، وجيمس كليفرلي، وزير الخارجية إلى “الإدانة العلنية للحكم على سلمى الشهاب وتقديم احتجاجات لنظرائهم السعوديين للإفراج الفوري عنها”. مجموعة القسط المؤيدة للديمقراطية، والمدافعة عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، قالت: “يجب أن تتطلع سلمى، مثلنا، إلى العام الدراسي الجديد، بدلا من أن تقبع خلف القضبان بسبب (جريمة) التغريد بآرائها المشروعة”.

الرسالة تشير إلى أن الشهاب، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 34 عاما تعمل كأخصائية صحة أسنان وحصلت على منحة للدراسة في المملكة المتحدة. ألقي القبض عليها في 15 يناير/كانون ثاني 2021 أثناء إجازتها في المملكة العربية السعودية. ووُضعت في الحبس الانفرادي واستجوبت واحتُجزت لمدة 285 يوما قبل محاكمتها.

رئيسة الوزراء “تراس” لم تشر حتى الآن إلى أنها من المحتمل أن تتبنى موقفا حاسما تجاه نظيرها الجديد “بن سلمان”. “تراس” أجرت مكالمة هاتفية مع الأمير محمد هذا الأسبوع قال فيها مكتبها، إنها شكرته على المساعدة في إطلاق سراح خمسة معتقلين بريطانيين على يد القوات المدعومة من روسيا في أوكرانيا. كما عرضت “دعم المملكة المتحدة المستمر وتشجيعها لإحراز تقدم في الإصلاحات المحلية في المملكة العربية السعودية”.