بعد أيام من التكهنات والجدل، أكد قصر باكنجهام أن ملك بريطانيا، الملك تشارلز الثالث، لن يحضر الدورة السابعة والعشرين للمؤتمر السنوي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ Cop 27، والمقرر عقده في مدينة شرم الشيخ في  شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

جاء ذلك ردا على خبر نشرته صحيفة صنداي تايمز، زعمت فيه أن رئيسة الوزراء ليز تروس “أمرت” الملك بعدم الحضور، حسب تعبير الصحيفة. بينما أعلن القصر أن “الملك طلب النصيحة وأعطتها السيدة تروس”. مؤكدا أنه “تم الاتفاق على عدم حضور الملك بصداقة واحترام متبادلين”.

الملك تشارلز خلال استقباله رئيسة الوزراء ليز تراس في قصر باكنجهام

وبينما أشار الملك -أمير ويلز آنذاك- إلى أنه سيحضر المؤتمر، وكان ذلك قبل وفاة والدته إليزابيث الثانية وتوليه العرش الشهر الماضي. أفاد مراسل القصر الملكي لدى BBC جوني ديمون، بعد أن نقل السؤال إلى القصر أن “الملك لا بد يشعر بخيبة أمل شخصيًا. نظرًا لعقود طويلة من حملته البيئية الشغوفة”.

لكن القصر رد بأن فكرة عدم ارتياح الملك “ليست صحيحة”، وأنه “يدرك دائمًا دور الملك في التصرف بناءً على نصيحة الحكومة”. ودلل ذلك بزيارة الملك إلى القاهرة قبل عام- بمباركة الحكومة آنذاك- والتقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي لحث الإدارة المصرية على استمرار جهودها المناخية.

اقرأ أيضا: مصر تستغل مؤتمر المناخ للتغطية على سجلها الحقوقي المخزي والمروع

رغم أن الأسبوع الجاري سوف يشهد حضور الملك تشارلز أولى ارتباطاته العامة منذ انتهاء فترة الحداد الملكي. بما في ذلك حفل استقبال في إدنبرة لمجتمعات جنوب آسيا من جميع أنحاء المملكة المتحدة، وزيارة إلى دير دنفرملاين في فايف. إلا أن ردود الفعل تباينت حول قرار عدم مشاركته في القمة المناخية. وفق التقارير الصحفية البريطانية.

وذكرت رويترز أن الملك الجديد قام بحملة من أجل البيئة وقضايا أخرى أثناء جلوسه على كرسي ولاية العهد. لكنه قال الشهر الماضي إنه لم يعد من الممكن “إعطاء الكثير من وقتي وطاقاتي للجمعيات الخيرية والقضايا التي أهتم بها بشدة”.

قيود ملكية

في الماضي، أظهر الملك تشارلز -بصفته أمير ويلز- التزامه العميق بالقضايا البيئية، وكان له تاريخ طويل في الحملات للحد من آثار تغير المناخ.

وفي العام الماضي، ألقى خطابًا في حفل افتتاح COP26 في العاصمة الأسكتلندية جلاسكو، عندما استضافت بلاده القمة. كما ألقى كلمة الملكة الراحلة في الحدث عبر رابط الفيديو كما وجّه دعوة عاطفية لقادة العالم، لتبني “أرضية شبيهة بالحرب” بشأن تغير المناخ.

ونقلت الصحف عن نائب حزب المحافظين توبياس إلوود، قوله إنه يأمل في أن “تسود الفطرة السليمة” وأن يسمح للملك بالسفر إلى مصر. وكتب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر إن الملك تشارلز كان “صوتًا يحظى باحترام عالمي” فيما يتعلق بالبيئة. وسيضيف حضوره “سلطة جدية” للوفد البريطاني.

بينما قال وزير مجلس الوزراء -المحافظ- سيمون كلارك لراديو تايمز “إن قرار الملك بعدم الحضور اتخذ بشكل ودي على حد علمي”. مضيفا أن “الاقتراحات التي صدرت بأنه أمر بالابتعاد هي ببساطة غير صحيحة. إنه المسار الطبيعي للأمور أن يتم التعامل مع هذا من قبل الحكومة وليس من قبل النظام الملكي”.

يرى مراسل BBC أن عدم حضور الملك شخصيًا “قد يترك الباب مفتوحًا أمام المساهمات الافتراضية الأخرى” حيث “سيكون هناك حتمًا تكهنات بأن يكون هذا “قد خيب أمل الملك حقًا. لقد قام بحملة مكرسة لعقود من الزمن، في مثل هذه القضايا البيئية”.

ولفت إلى أن عدم الحضور “يمكن أن يثير أيضًا احتمالية حدوث توترات مبكرة بين الملك الجديد ورئيسة الوزراء الجديدة”.

لكن، في الوقت نفسه، يشير إلى أنها “حالة ذات دور مختلف، وقواعد مختلفة. وقد عرف الملك دائمًا أنه -بصفته صاحب السيادة- سيتعين عليه التصرف ضمن مجموعة مختلفة من القيود السياسية المحايدة.

غضب حقوقي

في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، صدر بيان بتوقيع 36 منظمة وجمعية أهلية، أشار إلى أنه يجب على السلطات المصرية ” تخفيف قبضتها على الحيّز المدني، واحترام الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي، إن كانت تريد إنجاح قمة المناخ أو ما يعرف بـ “مؤتمر الأطراف  COP 27″، في شرم الشيخ.

وبحسب البيان، تحتاج قضايا البيئة إلى “إتاحة آليات للديمقراطية والانفتاح للانخراط فيها”. لكن هذا يصعب تحقيقه في الوقت الراهن، خاصة في ظل تطبيق قانون التظاهر رقم (107) المعمول به في البلاد منذ نوفمبر/تشرين ثاني 2013، والذي ينظر إليه حقوقيا كعقبة أمام السماح بحرية التظاهر والاحتجاجات والتجمعات السلمية، حتى تلك المطالبة بمحاربة التغيّر المناخي.

ولفت البيان إلى أن “العمل المناخي الراسخ والمراعي للحقوق يتطلب مشاركة كاملة وهادفة من جميع الأطراف المعنية. بما في ذلك الدول، والنشطاء، والمجتمع المدني، وممثلي الشعوب الأصلية، والفئات الأشد عرضة لأضرار تغير المناخ. كما يؤدي النشطاء دورا مهما في النقاش العالمي حول المناخ من خلال توفير المعلومات ذات الصلة لصانعي السياسات، ووسائل الإعلام. ويمكن للمجموعات غير الحكومية تأدية عملها المهم، فقط عندما يُسمح لها بممارسة حقها في حرية التجمع بشكل فعّال”.

في التوقيت نفسه، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا عن مصر وقمة المناخ المقبلة، بعنوان “إنه لأمر مخجل: مصر متهمة بتقييد الاحتجاج قبل قمة المناخ COP 27”.

وقالت الكاتبة روث ميكلسون، إن نشطاء المناخ يرون أن محنة سجن علاء عبد الفتاح، الذي حصل على الجنسية البريطانية مؤخرا وهو في السجن، تظهر تجاهل أصوات المحتجين في قمة شرم الشيخ.

وأضافت: قبل خمسة أشهر من قمة المناخ المحورية للأمم المتحدة في شرم الشيخ، لا يزال أحد أبرز السجناء السياسيين في مصر خلف القضبان.

قالت الكاتبة روث ميكلسون إن نشطاء المناخ يرون أن محنة سجن علاء عبد الفتاح “تظهر تجاهل أصوات المحتجين في قمة شرم الشيخ

اقرأ أيضا: هل تلعب قمة المناخ دورا في تخفيف القيود عن المجتمع المدني؟

انتقادات دولية

في الوقت الذي تم فيه الإعلان رسميا عن عدم حضور الملك البريطاني، وغياب أنباء رسمية عن مشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن في القمة المناخية من عدمه. تقع القاهرة تحت العديد من الضغوط بسبب انتقادات سجلها الحقوقي، والتقارير الصادرة مؤخرا، والتي تتهم الحكومة المصرية باستغلال القمة للتغطية على آثار الإحباطات الحقوقية.

حيث أبرزت صحيفة الواشنطن بوست/ The Washington Post قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بمنع 130 مليون دولار من المساعدات الأمنية عن مصر، للعام الثاني على التوالي، بسبب سجلها الحقوقي. بينما ستفرج عن شريحة منفصلة قدرها 75 مليون دولار، بسبب خطوات القاهرة الأخيرة للإفراج عن السجناء السياسيين.

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية، صدر بالتزامن مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر المُقرر انعقاده في نوفمبر/تشرين الثاني المُقبل. حمل عنوان: “انفصال عن الواقع: الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر تتستَّر على أزمة حقوق الإنسان”. قدّم “تحليلاً مُفصَّلًا للاستراتيجية في ضوء أوضاع حقوق الإنسان على أرض الواقع”. وفق ما جاء في تقديم التقرير.

ويستند التقرير إلى ما أشارت المنظمة أنه “توثيقها المستفيض لأنماط انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكَبة في مصر، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وكذلك إلى المعلومات التي جمعتها منذ إطلاق الاستراتيجية من مصادر متعددة، بما فيها الضحايا والشهود والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين الحقوقيين”.

ووفق التقديم “أجرت المنظمة أيضًا مراجعةً للوثائق الرسمية، والأدلة المسموعة والمرئية، وتقارير هيئات الأمم المتحدة وغيرها. وقد قُدِّمَت النتائج التي خلص إليها التحليل وتوصيات المنظمة إلى السلطات المصرية في 7 سبتمبر/أيلول 2022”.

استبداد رقمي

في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرا ينتقد القاهرة “لتقليصها بشدة من قدرة الجماعات البيئية على تنفيذ سياسة مستقلة. والدعوة والعمل الميداني الضروري لحماية البيئة الطبيعية في البلاد”.

وقالت المنظمة، على لسان مديرها ريتشارد بيرسهاوس. قبل استضافة مصر لقمة المناخ COP27: “هذه القيود تنتهك الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات. وتهدد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعمل البيئي والمناخي. لقد فرضت الحكومة المصرية عقبات على تمويل وتسجيل الجماعات البيئية المحلية. وأجبرت بعض النشطاء على النزوح، والبعض الآخر على الابتعاد عن العمل “.

ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد أبو زيد، قائلًا: من المؤسف أن نجد مثل هذه المزاعم التي تفتقد الدقة”. وفق ما ذكر  موقع ميدل إيست مونيتور/ Middle East Monitor.

وأضاف أن التقرير “يستند إلى شهادات مصادر وجماعات مجهولة تزعم وجود عوائق أمام مشاركتها في المؤتمر”. ووصف تقرير المنظمة الدولية بأنه “مضلل، مؤسف، ويؤدي إلى نتائج عكسية”. وذلك “لإصداره في وقت يجب تكثيف كل الجهود لضمان عقد مؤتمر ناجح يضمن تنفيذ الالتزامات المناخية العالمية”.

أيضا، صدر عن برنامج Unfreedom Monitor بحثا جديدا حول “الاستبداد الرقمي في مصر”. عكس فيه وضع تكنولوجيا المراقبة، من خلال المحتوى عبر الإنترنت خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار إلى الحكومة المصرية “لديها هدفًا متكررًا، يتمثل في تقييد حرية المساحات على الإنترنت، وحظر أي رواية موازية للسرد الرسمي”.

وأشار البحث إلى أنه وفق التقارير الحقوقية منذ عام 2014. فقد “تم حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني في مصر، وتم اعتقال أكثر من 100 صحفي. وقد أدى اعتماد لوائح جديدة، مثل قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجرائم الإلكترونية، وإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. إلى إلغاء حرية التعبير. وإغلاق الطريق أمام الصحافة الحرة”.

وأضاف: أثرّت هذه القوانين واللوائح الجديدة على عمل الصحفيين. الذين صاروا معرضين لخطر اتهامات مثل الانتماء إلى جماعة إرهابية، أو نشر أخبار كاذبة.