بعد التصعيد الأخير على مسرح الصراع الروسي- الأوكراني، وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضم عدة مناطق أوكرانية للاتحاد الفيدرالي. وتهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة. تجد الولايات المتحدة، ومن خلفها الكتلة الغربية والناتو، أنفسهم في مأزق ما بين التصعيد، الذي قد يؤدي إلى حرب شاملة بين الناتو وتكتل حلفاء روسيا. أو التراجع، والذي يعني نهاية النظام العالمي المستقر منذ نهاية الحرب الباردة.
ردًا على قرار روسيا بضم أربع مناطق من الأراضي الأوكرانية، أدان الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه الخطوة، ووصفها بأنها غير شرعية. وذكر أن الولايات المتحدة “ستواصل مساعدة أوكرانيا على استعادة سيطرتها على أراضيها من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والدبلوماسية”. كما حذر بايدن موسكو من أن واشنطن ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو. بينما أكد الأمين العام لحلف الناتو، يانس ستولتنبرج، أن تصرفات روسيا “تشكل تصعيدًا خطابيًا لم يشهد مثله منذ بداية الحرب”.
اقرأ أيضا: كيف تعيش الديمقراطيات؟
وفي تحليلهما الذي نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي. يلفت كلا من إلداد شافيت الباحث بالمعهد الوطني للإحصاء والضابط السابق بسلاح استخبارات الجيش الإسرائيلي. والدبلوماسي السابق شيمون شتاين، ونائب مدير الخارجية الإسرائيلية الأسبق. إلى أن سلوك روسيا سيجبر الغرب على صياغة استراتيجية متابعة، من شأنها أن تزيد من التحدي، المتمثل في دعم أوكرانيا، دون الانجرار إلى صراع عسكري مع موسكو. كما يحثان صانع القرار الإسرائيلي على الوقوف بوضوح إلى جانب أوكرانيا، بما في ذلك الاستجابة لطلباتها العسكرية.
يرى المحللان أنه حتى الآن -وبغض النظر عن التهديد برد جاد وحاسم- حافظت الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، على رد مستتر على استخدام روسيا المحتمل للأسلحة غير التقليدية. وأن الرد قد يكون سياسيًا واقتصاديًا، لكن لا يمكن استبعاد رد عسكري تقليدي. وفي كل الأحوال، يجب أن تقف إلى جانب الولايات المتحدة في الصراع، مما سيؤثر على تشكيل النظام العالمي المستقبلي والدور القيادي لواشنطن.
السعي لإضعاف روسيا
حظيت تهديدات الرئيس بوتين “الضمنية” بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية باهتمام كبير في واشنطن. تشعر إدارة بايدن بالقلق بشكل متزايد من أنه في ضوء نجاح أوكرانيا في هجومها المضاد، فإن احتمالية حدوث هذا السيناريو قد ازدادت. حتى لو أكدت مصادر في البنتاجون في الوقت الحالي أنه لم يتم تحديد أي علامات ملموسة.
صرحت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في الناتو -مرارًا وتكرارًا- أن الرد على أي استخدام للأسلحة النووية سيكون “حاسمًا”. كما أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي أن إدارته “أبلغت الكرملين بشكل مباشر وسري، وعلى مستويات عالية جدًا. بأن أي استخدام للأسلحة النووية سيقابل بعواقب وخيمة على روسيا، وأن الولايات المتحدة وحلفائنا سوف يستجيبون بشكل حاسم، ونحن كنا واضحين ومحددين بشأن ما سيترتب على ذلك “.
حتى الآن، ركزت إدارة بايدن وحلفاؤها على فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا. ساعدت واشنطن وحلفاؤها في الناتو أوكرانيا في التزويد المستمر بأنظمة الأسلحة، والتي ساهمت بشكل كبير في قدرتها على القتال وفي نجاحاتها العسكرية. بما في ذلك في الهجوم المضاد الذي نُفذ في الأسابيع القليلة الماضية. وردًا على الإجراءات الروسية -بما في ذلك بعد خطاب ضم المناطق الأربعة- فرضت أمريكا ودول أخرى عقوبات إضافية على موسكو.
ورغم أن الكونجرس يعتزم الموافقة على حزمة أسلحة أخرى لأوكرانيا تبلغ قيمتها حوالي 1.1 مليار دولار. لكن، مع ذلك، تمتنع واشنطن -حتى الآن- عن تحديد كيف ترى الوضع النهائي.
يقول المحللان: بغض النظر عن تصريح وزير الدفاع لويد أوستن في مؤتمر صحفي بعد زيارة أوكرانيا. بأن هدف الولايات المتحدة هو إضعاف روسيا، بحيث في المستقبل لن تكون قادرة على تكرار ما فعلته في أوكرانيا، تؤكد الإدارة رغبتها في ضمان سيادة أوكرانيا.
في 31 مايو/ أيار، كتب الرئيس بايدن مقالا في صحيفة نيويورك تايمز، أوضح فيه أنه -من وجهة نظره- يجب أن يشمل الهدف استعادة سيطرة أوكرانيا على جميع الأراضي التي استولت عليها روسيا وجعل روسيا تدفع ثمناً باهظاً.
مخاطر التصعيد
على نطاق أوسع، تهدف إدارة بايدن إلى تعزيز الردع ضد الصين. في ضوء الخطر المتمثل في أنها ستسعى إلى القيام بعمل عسكري لغزو تايوان وفرض سيادتها هناك “ومع ذلك، من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الإدارة ستحقق أهدافها”.
لكن، من الواضح أن سياسة واشنطن الحذرة -والمترددة في بعض الأحيان- لم تمنع بوتين، المشبع بمهمة تاريخية، من مواصلة الحرب. بل، وحتى تصعيدها.
يؤكد كلا من شافيت وشتاين أنه “بينما تستمر الحرب في أوكرانيا، وتزداد مخاطر التصعيد بعد تهديدات روسيا، باستخدام أسلحة غير تقليدية. يبدو أن الإدارة الأمريكية وحلفائها يقفون على مفترق طرق”.
يوضحان: ما زالوا -أي الأمريكيون- يسعون إلى إلحاق الخسائر بروسيا بعدوانها وحرمانها من الإنجازات. من ناحية أخرى، يسعون لتجنب التدهور إلى حرب شاملة. من المشكوك فيه أن السياسة الأمريكية الحالية يمكن أن تعالج التناقض بين هذين الهدفين، ويبدو أن على واشنطن صياغة استراتيجية متابعة للحرب في أوكرانيا.
يشير المحللان إلى أنه “من المرجح أن تعالج عملية صنع القرار في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى عدة معضلات. والتي بدورها ستسهم في السياسة المختارة”.
من أهم هذه المعضلات الامتناع عن الانجرار إلى الحرب ضد روسيا. والذي أصبح “تحدٍ صعبًا للغاية”، خاصة بعد إعلان الضم والتهديد بأن الهجوم على هذه المناطق سيعتبر هجومًا على روسيا. وحتى الآن، أصرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على مطالبة أوكرانيا بعدم مهاجمة الأراضي الروسية. بل إنها امتنعت عن الاستجابة لطلب أوكرانيا بتزويدها بأسلحة متطورة بعيدة المدى، بسبب مخاوف من التصعيد.
يلفت التحليل إلى أن هذا المخطط أصبح الآن إشكاليًا للغاية عندما يُتوقع استمرار الحملة العسكرية. حيث “تستعد إدارة بايدن لاحتمال أن ينفذ بوتين تهديده ويستخدم أسلحة غير تقليدية. أثناء محاولتها ردع الروس عن اتخاذ مثل هذه الخطوة الجذرية، فإنها تأخذ في الاعتبار إمكانية أن يكون لاستخدام الأسلحة النووية -حتى لو كانت تكتيكية- عواقب استراتيجية قد تتطلب تغييرًا في سلوك الغرب”.
اقرأ أيضا: المصريون أكثر العرب رفضا للتطبيع.. وإحباط عام يتمدد
توسيع الشقوق بين الولايات المتحدة وحلفائها
في الوقت الحالي -بصرف النظر عن التهديد برد جاد- تحافظ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على طبيعة ردهما “وليس من الواضح ما إذا كانت الإدارة قد اتخذت بالفعل قرارًا. وما إذا كان قد تم التوصل إلى اتفاق مع حلفائها. بطريقة أو بأخرى، يمكن أن يكون الرد سياسيًا واقتصاديًا، لكن لا يمكن استبعاد رد عسكري تقليدي”.
من المحتمل أن يتأثر الرد أيضًا بالمخاوف من التصعيد بين أعضاء الناتو، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا. من الممكن أيضًا -حتى لو بدت فكرة ضعيفة- أن استخدام روسيا للأسلحة غير التقليدية، يمكن أن يعزز في الواقع ديناميكية تؤدي إلى وقف إطلاق النار. بعد أن مارست الولايات المتحدة، ودول أخرى، ضغوطًا على أوكرانيا، لتسوية العودة إلى خطوط فبراير/شباط الماضي، بحيث يتمكن بوتين من تقديم إنجاز.
وبينما تعمل واشنطن على الحفاظ على التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها. تتعرض القيادات الأوروبية لضغوط كبيرة، خاصة على خلفية نقص الغاز الطبيعي، وما ينتج عنه من ارتفاع في الأسعار.
يلفت التحليل إلى أن هذه الضغوط ستزداد مع اقتراب فصل الشتاء. لذلك “هناك بالفعل ضغوط الآن لدفع الإجراءات لإنهاء القتال، حتى لو اضطرت أوكرانيا لدفع ثمن إقليمي”.
يقول: حتى لو كانت الردود على إعلان الضم مؤكدة، فمن المفترض أن الخوف من التصعيد سيؤدي إلى زيادة الدعوات لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى حلول وسط مع روسيا. على أي حال، يبدو أن بوتين سيواصل جهوده لتوسيع الشقوق بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.
وأشار المحللان إلى أن الهجوم خلال الأيام القليلة الماضية -على ما يبدو أنه من قبل روسيا- على خط أنابيب نورد ستريم. يهدف إلى إحداث تأثير نفسي، والمساهمة في زيادة أسعار الغاز. وأنه “بصرف النظر عن وعدها بتوريد الغاز المسال، فإن الإدارة الأمريكية ليس لديها إجابة للاحتياجات الأوروبية”.
الضغط داخل الولايات المتحدة
في الوقت الحالي، امتنعت إدارة بايدن عن ربط سياستها المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا بالقضايا المحلية للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن توقعات زيادة التضخم، وخطر الركود، يمكن أن تكثف الضغط المحلي على إدارته. لقبول الحاجة إلى تقديم صيغة مع أوكرانيا من شأنها أن تمكن من إنهاء القتال، خاصة إذا زاد خطر التدهور ويؤثر على الاقتصاد. مع الانتباه إلى سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، والذي بدا يلوح في الأفق بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
من المشكوك فيه أن سياسة بايدن تجاه أوكرانيا قد ساهمت بشكل كبير في التحسن الطفيف الأخير في تصنيف شعبيته. ومع ذلك “ربما يراها الرئيس على أنها مكون مركزي في إرثه وقدرته على تقديم الإنجازات في الأجندة التي يسعى إلى تعزيزها. لا سيما تعزيز مكانة الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية”.
علاوة على ذلك، وفق التحليل، نجحت الولايات المتحدة في استعادة مكانتها كقوة رائدة -من وجهة نظر بايدن- ولهذا تداعيات إيجابية على الصراع ضد الصين. ومحاولة الدول الأخرى التأثير على نظام عالمي جديد وموقفها تجاه الولايات المتحدة.