تسعى الدول الإفريقية للاستفادة من منصة مؤتمر المناخ (cop27) المقرر عقده في شرم الشيخ نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لدفع حزم التمويل التي تعهدت بها الدول الغنية عام 2009 بـ100 مليار دولار سنويًا. وذلك لمساعدة الدول الفقيرة على تجاوز أزمات التغير المناخي.
وتمثل قمة المناخ COP27 فرصة لوضع أسس أكثر فاعلية وآليات تكيفية مع أزمة التغير المناخي في ظل الأوضاع العالمية المتعلقة بالحرب الروسية والأوكرانية. وما كشفته من خطورة الاعتماد على مصادر طاقوية محدودة. الأمر الذي تسبب في تجاوز أهداف المؤتمر. حيث رجعت بعض الدول خطوات إلى الخلف بالاعتماد على الفحم وتوسيع استخدامه.
ومن خلال القمة تسعى دول القارة السمراء إلى معالجة المخاوف بشأن قضايا تغير المناخ وإتاحة الفرصة لإبرام شراكات مع مختلف المؤسسات الدولية لتمويل المشاريع المستدامة. حيث تعتبر إفريقيا الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي رغم أنها تسهم بنسبة 2-3٪ فقط من الانبعاثات العالمية.
ووفقا لنائب رئيس بنك التنمية الإفريقي “كيفن أوراما” فقدت إفريقيا من 5٪-15٪ من نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تغير المناخ. كما أودت الأخطار المرتبطة بالجفاف بحياة أكثر من نصف مليون شخص. وأدت إلى خسائر تجاوزت 70 مليار دولار. وهناك نحو 60% من السكان الأفارقة يفتقدون الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر لحمايتهم من تأثيرات تغير المناخ.
ملامح التغير المناخي في إفريقيا
وفقا لتقرير حالة المناخ في إفريقيا 2021 ارتفعت درجات الحرارة في القارة بمتوسط نحو 0.9 درجة مئوية بين 1991 و2021. كما تزايد ارتفاع مستوى سطح البحر على طول السواحل بمعدل 4 ملم/سنة. وبحلول عام 2030 متوقع أن يتعرض 108-116 مليون شخص في إفريقيا لمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر. في وقت ضربت الفيضانات جنوب السودان ونيجيريا والكونغو الديمقراطية وبوروندي.
وفي السياق ذاته يتفاقم الجفاف في شرق إفريقيا. ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وبالتالي صعوبة الوصول إلى الغذاء. ما ترك أكثر من 58 مليون شخص في ظروف انعدام الأمن الغذائي الحاد. خاصة في إثيوبيا والصومال وأجزاء من كينيا.
وبشأن الأمن المائي تقلصت المساحة الإجمالية لبحيرة تشاد من 25 ألف كيلومتر مربع في الستينيات إلى 1350 كيلومترًا مربعًا حاليا. كذلك تتراجع الأنهار الجليدية في شرق إفريقيا مثل: جبل كينيا (كينيا)، وجبل كليمنجارو (تنزانيا) وجبال روينزوريس (أوغندا) بمعدل أسرع من المتوسط العالمي.
التكلفة الاقتصادية والاجتماعية
تواجه إفريقيا مخاطر انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية. حيث أسهم ارتفاع درجة الحرارة في انخفاض بنسبة 34٪ في نمو الإنتاجية الزراعية في إفريقيا منذ عام 1961. ومتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 3% بحلول عام 2050.
كما تؤثر الفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية المتطرفة في أنماط النزوح.
ففي عام 2021 نزح نحو 14.1 مليون شخص داخليًا في إفريقيا جنوب الصحراء. وأدت فيضانات جنوب السودان إلى نزوح 850 ألف شخص. في وقت تنفق فيه 376 مليون دولار سنويًا على التكيف. أي نحو 3.1٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.
لا يزال نحو 418 مليون إفريقي يفتقرون إلى المستوى الأساسي من مياه الشرب. وهناك 779 مليون شخص يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية. كما ستؤدي زيادة الاستهلاك المقترن بتكرار حالات الجفاف والحرارة إلى زيادة الطلب على المياه وفرض ضغط إضافي على موارد المياه الشحيحة. وسيهدد بإثارة صراعات بين الأشخاص منخفضي الدخل. بجانب افتقار 27 دولة الإمكانيات الكافية لتنفيذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه. ومن المتوقع أن يؤدي الإجهاد المائي إلى نزوح ما يصل إلى 700 مليون شخص بحلول عام 2030.
الاستجابة الإفريقية
اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 صادقت 49 دولة إفريقية على الإسهامات المحددة وطنيًا. وراجعت أغلب الدول خططها المناخية الوطنية لجعلها أكثر تكيفا مع المناخ والتخفيف من آثاره. على سبيل المثال خطط الاستثمار في النقل المشترك والكهربائي والمنخفض الكربون في المدن. كذلك توسيع نطاق النظم المستدامة للأغذية. وتوجيه الاستثمار نحو البنية التحتية المائية المرنة وتقليل الانبعاثات من سلاسل القيمة الصناعية الرئيسية مثل البلاستيك.
وأيضا تهيئة الظروف للتخلص التدريجي من الفحم والتوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة. حيث بنت المغرب مثلا أكبر منشأة للطاقة الشمسية في العالم -“مشروع نور”- على مساحة 6 آلاف فدان. للمساعدة في تحقيق هدف إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 52% بحلول عام 2030. كما وضعت نيجيريا هدفًا للطاقة المتجددة بنسبة 30% بحلول عام 2030. وأيضا أدت جهود برنامج المشتريات المستقلة للطاقة المتجددة في جنوب إفريقيا (REIPPP) وبرنامج Scaling Solar إلى انخفاض أسعار الطاقة الشمسية إلى 0.05 دولار للكيلووات/ساعة.
وعن تفعيل الآلية القانونية دخل قانون ضريبة الكربون في جنوب إفريقيا -يفرض رسومًا محددة على غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن احتراق الوقود والعمليات الصناعية والانبعاثات- حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2019. بهدف تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 33% بحلول 2035.
كذلك بين الجهود الأممية مشروع دعم تنفيذ الإسهامات المحددة وطنيًا في قطاع النفايات في كوت ديفوار والسنغال. لتخفيف الانبعاثات الخطرة من النفايات. ومشروع الاستعداد لخطط التكيف الوطنية (NAPS) لدعم إيسواتيني ونيجيريا وموريتانيا وزيمبابوي وليسوتو لتحديد أولويات تنفيذ الإسهامات المحددة وطنيًا. كما توفر مبادرة العمل السياسي لجمعية التكيف القائم على النظم البيئية من أجل الأمن الغذائي (EBAFOSA) إطارًا شاملاً يتماشى مع القسم الخامس من اتفاقية باريس لجمع مختلف الجهات الفاعلة من مختلف القطاعات لاتخاذ إجراءات تعاونية تدفع قدما بتنفيذ الإسهامات المحددة وطنيًا.
خطوات ضرورية للتعامل مع الأزمة
تحتاج القارة إلى التركيز على 5 أبعاد مترابطة لتحقيق التنمية المستدامة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمادية والسياسية. وسيتطلب تنفيذ سياسات وممارسات التنمية المستدامة في جميع أنحاء القارة تحولًا كبيرًا في أنظمة الطاقة والأنظمة الصناعية والحضرية والزراعية بالإضافة إلى الابتعاد عن النمو كثيف الاستخدام للموارد والطاقة.
كما أن هناك حاجة إلى جلب مزيد من التمويل. حيث قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن تكلفة التكيف مع تغير المناخ في إفريقيا يمكن أن تصل إلى 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2050. لأجل مشاريع إنشاء مجتمعات أكثر مرونة ومدن مقاومة لمساعدة الأفارقة في الاستعداد والاستجابة للآثار الحتمية لتغير المناخ.
كذلك ضرورة العمل في مسارين متوازيين:
التخفيف من تغير المناخ عن طريق تقليل مصادر الانبعاثات على سبيل المثال وحرق الوقود الأحفوري للكهرباء أو التدفئة أو النقل. والتكيف مع المناخ الراهن أو المتوقع في المستقبل بهدف تقليل الآثار الضارة لتغير المناخ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، أو الظواهر الجوية القاسية أو انعدام الأمن الغذائي.
وكذا الاستفادة من منصة مؤتمر المناخ (COP27) لدفع حزم التمويل التي تعهدت بها الدول الغنية في عام 2009 بقيمة 100 مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وأيضا دفع برامج التكامل الإقليمي لأجل دعم البلدان في إنشاء فرق عمل مشتركة للسياسات من أجل التنفيذ الأمثل للإسهامات المحددة وطنيًا.